سينما في اللاذقية: كاميرا توثّق الأزمة
تتحدث قصة «السيدتان» للكاتب الفلسطيني حسن حميد عن أربعة رجال وسيدتين، اجتمعوا في مؤتمر. إحدى السيدتين رائعة الجمال، خلافاً للثانية. في السهرة يتسابق الرجال في ملاطفة الجميلة، ومحاولة الاستحواذ على إعجابها، ناسين وجود الأخرى. وحين تقرر الجميلة فجأة الذهاب إلى النوم، يتنبه الجميع إلى وجود السيدة الأخرى. فيأخذون بالبحث عن «مكامن» الجمال فيها، والاحتفاء به. تنطبق أحداث القصة تماماً على مهرجان «خطوات 2» للأفلام القصيرة، الذي جاء في وقت كاد فيه المشهد الثقافي السوري يخلو من النشاطات، ما جعل إشادة البعض بإقامة المهرجان، والبحث عن مكامن الجمال فيه أمراً مشروعاً. «خطوات 2».. كثير من الأفلام.. قليل من السينما اختتم مساء الخميس الماضي مهرجان «خطوات 2» السينمائي الدولي للأفلام القصيرة الذي أقيم في صالة المسرح القومي في اللاذقية بين 8 و13 من الشهر الحالي، رافعاً شعار «روافد سينمائية شابة». وشهدت أيام المهرجان عرض خمسة عشر فيلماً سوريّاً داخل المسابقة (واحدٌ منها لمخرج فلسطيني)، وعشرة خارجها، بالإضافة إلى فيلم ألماني، وآخر بولندي.
فرضت الأزمة السورية حضورها على أفلام المسابقة (12 فيلماً من أصل 15). وفيما حاول عدد منها تقديم مقاربة مختلفة للأزمة، ومن زوايا خاصة (فيلم «الفروج/ إخراج همام الأحمد على سبيل المثال)، فقد وقع معظمها في فخ المباشرة، والاعتيادية. والأدهى، كان نزوع صُناعها إلى أداء دور «الواعظ»، لتخرج علينا أشبه بنشرة توجيهية تبثها إحدى قنوات الإعلام الرسمي مرفقةً بشريط مصوّر. وتنوعت وسائل الوعظ؛ ففيلم «أوتار فقيرة» لمحمد العوضي مثلاً، عمد إلى تقديم «مقولة» فيلمه عبر جملٍ مكتوبة. أما «رصاصة» لقصي العيسمي، فأسند المهمة إلى شخصية والد الشهيد.
الصبغة العامة للأفلام كانت غياب المنهجية، إن لجهة امتلاكها رؤى سينمائية واضحة، أو لجهة وعي الأدوات، والاشتغال الذكي على مقومات الفيلم السينمائي. كانت الاعتباطية سيدة الموقف في ما يتعلق بالسيناريوات والحوارات. وارتكبت معظم الأفلام أخطاءً فادحة في أبجديات التصوير، والمونتاج، فيما شكّلت الاختيارات الموسيقية مقتلاً في معظم الأفلام. وفي ظل غياب الإمكانات الإنتاجية التي تتيح تأليف موسيقى خاصة، لجأ معظم المخرجين إلأى الاعتماد على مختارات من السائد المتداول، من دون تكلف عناء البحث، لتصبح أغاني ظافر يوسف، وفيروز، قاسماً مشتركاً بين معظمهم.
في الوقت نفسه، أفرز عدد قليل من الأفلام ملامح لسينما تعي أهدافها، وأدواتها. ولعل أميزها كان Smile لزين العابدين مريشة. قدّم الأخير خلال دقائقه الخمس الصامتة حكاية شاب يحتجزه والده داخل غرفة معزولة، ويرسل إليه رسائل قصيرة مكتوبة على أوراق يدفعها إليه تباعاً من أسفل الباب، يدعوه عبرها إلى الابتسام والتفاؤل، وسط ضجر الشاب وتبرمه. نكتشف في النهاية أسباب الاحتجاز، حيث يدفع إليه آخر الرسائل مرفقة مع صور تعرض بعض ما يدور في الخارج: دمار، جثث، أشلاء، متطرفون... إلخ. وتكون النهاية مع ضحكة الشاب الهستيرية ودمعة الأب الذي احتجز ابنه خوفاً عليه.
كذلك، تميز وثائقي «سفرجل» لعيسى طنوس (تسع دقائق) شهادات لشرائح من الشباب السوري، يوحد بينها الضياع في ظل الأزمة. بدا المخرج واعياً لمقومات الوثائقي، وابتعد عن الفذلكة الزائدة. تاركاً لشخوص فيلمه الإجابة عن الأسئلة الذكية بعفوية محببة.
بدوره، قدّم «الصندوق الأسود» لأمين حداد في دقائقه السبع فريقاً طبياً يحاول «تنظيف» ذاكرة المريض، عبر عملية جراحية تنتزع من رأسه مخلّفات المرحلة، لتخرج في شكل قصاصات من شريط سينمائي، مليئة بمشاهد القتل والتدمير. امتاز الفيلم بمخيلة سينمائية مُغامِرة، وكان بوسع المخرج تقديم تجربة أكثر نضجاً عبر اختزال مدة الفيلم، والتنبه إلى بعض الاضطرابات في أسلوبيته. كذلك كان متاحاً تلمس مقومات واعدة في كلّ من «التحول» لمجد خليل، و«عود ثقاب» لسهير ياسمين.
تشكلت لجنة التحكيم من الكاتب والناقد محمود عبد الواحد، والمخرج جود سعيد، والصحافي والناقد نضال قوشحة. ووزعت جوائز المهرجان على النحو الآتي: أفضل فيلم للمخرج أمين حداد عن «الصندوق الأسود»، وأفضل إخراج للمخرج طارق سالم عن فيلمه «sorry»، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرجة يارا إسماعيل علن فيلمها «هنا دمشق».
حين تساءلت إحدى متابعات المهرجان عن المعايير التي اعتمدها القائمون عليه في إلصاق صفة «الدولي» به، رد مدير المهرجان مجد يونس أحمد بالحديث عمّا يشبه «الورطة»، وجدت إدارة المهرجان نفسها واقعة فيها. تلك الورطة التي تمثلت في مشاركة فيلمين أجنبيين خارج المسابقة لم تطاول الإدارة فحسب، بل انسحبت في واقع الحال على الجمهور، وبشكل أو بآخر على الأفلام المشاركة. هذه الأخيرة كانت في معظمها بعيدة كل البعد عن الدولية، والاحترافية. لا بل إن عدداً منها كان أقل من أن يحظى بصفة «الهواية»، لتكون خيبة الأمل التي أصيب بها الجمهور في معظم العروض نتيجةً منطقية لقيام إدارة المهرجان بإلباسه لبوساً أكبر من جسده.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد