شارات المسلسلات التلفزيونية: ملجأ العاطلين عن الغناء في سورية
في ظل ما تعانيه الأغنية السورية من ضعف في الإنتاج والتسويق، واستهانة من المؤسسات الفنية والإعلامية الرسمية التي كانت مسؤولة عن رعايتها في وقت من الأوقات، تجد الأصوات الغنائية السورية شبه العاطلة عن الغناء في شارات المسلسلات التلفزيونية، وسيلة للتواجد والعمل والمشاركة في موسم الذروة الرمضاني، بكل ما تنطوي عليه أغاني الشارات من فرص حضور، وبث يومي متكرر، يمتد حتى ما بعد موسم رمضان، حين يعاد عرض الكثير من المسلسلات بحلقاتها التي لا تنقص عن الثلاثين في أقل الأحوال.
المطرب عاصم سكر، نجل الملحن السوري الراحل عبد الفتاح سكر، والذي يعتبر من أجمل الخامات الصوتية الرجالية السورية، يطل للعام الرابع على التوالي من خلال غناء شارة مسلسل الأجزاء الدمشقي (باب الحارة) للمخرج بسام الملا، وهو يتألق بلحن وتوزيع الموسيقي السوري سعد الحسيني، الذي يتميز بتقنيات عالية في التوزيع والتسجيل.
المطربة السورية (شهد برمدا) نجمة برنامج سوبر ستار، تؤدي الشارة الغنائية لمسلسل (طريق النحل) للمخرج أحمد إبراهيم أحمد، فيشكل لها هذا فرصة لتدعيم حضورها، بعد طرح ألبومها الأول في الأسواق السورية قبل عدة أشهر... أما المطربة السورية سارة الهاني، التي اعتبرها المنتج أيمن الذهبي (زوج أصالة نصري) في فترة من الفترات، اكتشافاً غنائياً سوف يحارب به أصالة، وخصوصاً بعد أن انضمت لشركة روتانا، فهي تؤدي الشارة الغنائية للمسلسل الاجتماعي الكوميدي الخفيف (صبايا) للكاتبة رنا الحريري والمخرج ناجي طعمي... والحق أن سارة الهاني تثبت في أدائها لشارة الممثل، أنها صوت يسترعي الانتباه فعلاً... فهي تقدم أداء ينم عن شخصية غنائية ناضجة، وصوت فيه الكثير من المرونة التعبيرية والقدرات الأدائية...
وفي السياق نفسه تؤدي المطربة السورية هالة الصباغ، التي عرفت كطفلة حين حازت الجائزة الأولى لأغنية الطفل في مهرجان بإيطاليا منذ سنوات عدة عن أغنية لحنها له الملحن السوري سهيل عرفة، تؤدي في موسم رمضان الحالي واحدة من أجمل شارات مسلسلات هذا العام ألا وهو مسلسل (آخر أيام الحب) للكاتب هاني السعدي والمخرج وائل رمضان، وهي دراما عن قصة حب سورية مصرية، مكتوبة بشكل تقليدي، لكن أغنية الشارة التي لحنها ببراعة رضوان نصري تبدو ذات مناخ مختلف، وفيها تحلق هالة الصباغ إلى مستويات خاصة في الأداء الرومانسي المرهف، منذ مطلع الأغنية التي تقول:
وينك عم بتدوب عيوني
شو عامل فيك الـــوداع
يا خوفي تصدق ظنـوني
وانطر بعمري الضـياع.
والواقع أن شارات المسلسلات التلفزيونية التي أضحت ملجأ للعاطلين عن الغناء في سورية، كانت قبل هذا- منفذاً للملحنين الشباب كي يطلوا من خلالها... وقد سبق للملحن رضوان نصري أن قال في حوار سابق مع كاتب هذه السطور أن عدم اتجاهه لتلحين الأغاني خارج الموسيقى التصويرية للمسلسلات سببه: (عدم وجود صناعة أغنية سورية... فالأغنية بحاجة إلى إمكانيات تقنية وتجارية هائلة تكاد تنافس الصناعة الدرامية، وهذا غير متوفر نهائياً).
لكن هذه النافذة للأصوات الغنائية السورية المميزة، لم تسلم من تزاحم ومنافسة نجوم الغناء اللبناني الحاضرين بقوة في الساحة العربية، إذ لم تقتصر ظاهرة الاهتمام بغناء شارات المسلسلات التلفزيونية، على الأصوات السورية الشابة، التي أثبتت بالفعل جدارتها في موسم رمضان الحالي، والتي كانت شارات المسلسلات حالة تعويض لها عن سوق غناء سوري راكد، بل تعدى هذا الاهتمام إلى أصوات غنائية لبنانية تصنف في مصاف نجوم الدرجة الأولى في الساحة الغنائية... وفي هذا السياق تخوض النجمة اللبنانية نانسي عجرم تجربتها الأولى في مجال غناء شارات المسلسلات، بعد أن تعاونت معها المخرجة السورية رشا شربتجي لغناء شارة مسلسل (ابن الأرندلي) للنجم يحيى الفخراني، وتنجح نانسي في إضفاء خفة ظل غنائية عذبة على الشارة التي تنحو كلماتها منحى ساخراً خفيفاً.
أما النجم عاصي الحلاني، فيغني باللهجة السورية شارة المسلسل السوري (الشام العدية) للكاتب مروان قاووق والمخرج إياد نحاس، وهو الجزء الثاني من مسلسل البيئة الشامية (بيت جدي).. ويقدم عاصي الحلاني على شارة المسلسل بوصفه (فارس الغناء العربي) ويبدو التأكيد على اللقب، له علاقة بأجواء الفروسية وبما تقوله كلمات الشارة من تغني بقيم الرجولة والبطولة في الشام العدية:
بدنا نعشــــــــق بدنا نحب
بدنا نمشي الدرب الصعب
بدنا نتعلم الرجولة
ونحب الشام من القلب
شوفو شامنا عن قرب
فيما يغني المطرب آدم صاحب (خلص الدمع بعيوني) و(كيفك إنت)، شارة مسلسل (قلوب صغيرة) للكاتبة ريما فليحان والمخرج عمار رضوان والذي يتحدث عن معاناة وحقوق الطفل في المجتمع السوري والعربي عموماً، ويقدم آدم إحساساً دافئاً في أداء أغنية الشارة ذات المنحى الميلودرامي.
ولا ننسى طبعاً أن الفنان اللبناني ملحم زين كان قد غنى العام الفائت شارة المسلسل التلفزيوني السوري (أهل الراية) للمخرج علاء الدين كوكش... مما يعني أن الظاهرة التي بدأت على استحياء العام الماضي، تصاعدت بوتيرة أعلى هذا العام، وهي مؤهلة لمزيد من المنافسة أو (التجاذب) مستقبلاً... لأن التنافس الآن يتم بين فنانين سوريين يبحثون عن تدعيم لنجوميتهم الغنائية، وبين نجوم لبنانيين مكرسين على الساحة، يعتبر وجود أسماءهم على شارات المسلسلات مصدر جذب واهتمام بالنسبة للمشاهد العادي... الأمر الذي قد يسد منفذ أمل جديد أمام مطربين سوريين ظلمتهم حركة الغناء الراكدة في بلدهم، ولم تنصفهم حركة الدراما كما يشتهون!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد