صحافيون يُثرون برامج التلفزيون وزمن يتوقف ويمشي على 'سورية دراما'
في كثير من بلدان العالم يشكل الصحافيون رافداً أساسياً من روافد العمل التلفزيوني... وفي العالم العربي خصوصاً، لم يصنع التلفزيون حتى بعد مرور نصف قرن على دخوله المنطقة العربية، كادره التحريري الخاص... لأن الجامعات والمعاهد الفنية (المسرحية والسينمائية) لم تعترف إلا منذ سنوات قليلة فقط، بالعمل التلفزيوني المتشعب المجالات كعلم يستحق أن يدرس، دراسة تفصيلية بتخصصات دقيقة...
وفيما تزدهي القنوات المصرية الخاصة بإسهامات الصحافيين الذين شكلوا ببرامجهم القائمة على المعرفة والجرأة وحس البحث عن المتاعب الذي اكتسبوه من عملهم في بلاط صاحبة الجلالة، حالة مثيرة للإعجاب، بدءاً من محمود سعد إلى وائل الأبراشي وعمرو الليثي وسواهم... فإن الصحافيين السوريين مازالوا يعيشون على هامش التجارب التلفزيونية.... لأن الصحافة السورية برمتها صارت منذ سنوات على هامش الحياة والفعل والقرار، بعد أن نظفت تماماً ممن يوصفون عادة بـ (المشاغبين) و(غير المنضبطين) وملئت بأشباه الصحافيين الذين يتفننون في إغماض العين على العيوب، ويباركون الأخطاء، ويهتفون في مهرجانات ممالأة طالت حتى مجالات الفن والثقافة التي يفترض أن تكون واسعة الهوامش على الأقل!
من هنا تعاملتُ بشيء من الاهتمام الخاص مع برنامج زميلي الصحافي لقمان ديركي الذي بدأ بتقديمه على قناة (الدنيا) الخاصة... تحت عنوان: (من سيرة لسيرة) فهو بالتأكيد ليس من النوع المرغوب من الصحافيين في الإعلام السوري... وهو عدا عن موهبته الشعرية التي لا تحتاج لشهادتي، صحافي مشاغب... يعرف تماماً ماذا تعني المساحة البيضاء التي قد تمنح لك في هذه الصحيفة أو هذا المنبر، ويعرف تماماً ماذا يعني أن يبحث القارئ عن مقالة لكاتب محدد في صحيفة مملوءة بمقالات كتاب كثر يستهينون بهذا القارئ، إما عن جهل وقلة موهبة أو عن انتهازية تدفعهم للصمت عن قول الحقيقة وملامسة الوجع.
حاول لقمان أن يقدم برنامج (توك شو) يعكس نبض المجتمع السوري في موضوعات لا يعالجها عادة الإعلام السوري (الرصين) بين قوسين... كموضوع (التلطيش) أو التحرش اللفظي بالفتيات في الشوارع، والذي خلصه لقمان من محظوره الديني والاجتماعي، وتعامل معه باعتباره هواية وأحياناً موهبة، وفي كل الأحيان سلوك اجتماعي يعكس توجهات شريحة واسعة من الشباب، وعالج أيضاً موضوعات أخرى يعالجها الإعلام السوري (الرصين) بين قوسين، لكن بثقل دم يجعل من الموضوع كابوساً يغم على القلب بدل أن يفتح العقل... مثل موضوع (البكالوريا) أو شهادة الثانوية العامة، بوابة الدخول إلى الحياة الجامعية وتحديد المصير.. لكن مشكلة لقمان تبقى أولاً في السقف الإنتاجي الذي وضعته قناة (الدنيا) للبرنامج، حين سعت لإظهاره بأقل قدر ممكن من التكاليف، فجعلت التصوير في صالون صغير في شقة سكنية، بإضاءة بائسة، وتقنيات صوت بالكاد تفي بالحد المعقول، ناهيك عن صورة مكان لا جماليات فيه، سوى طقم كنبات وستارة تخفي ما وراءها من نوافذ أو جدران صماء.
هذا الحل الإنتاجي المتقشف ترافق مع رغبة لقمان بأن يظهر بشكل بسيط، إلى درجة يبدو معها أنه لا يتعب على مادته أبداً... بل هو يستفيد من خبرته في معايشة الحياة والتغلغل في نسيج الحياة اليومية المنغمس فيها، ومن سرعة بديهته كصحافي وكاتب ساخر خفيف الظل... لكن كل هذه المزايا، لا تعفي لقمان من أن يعطي التلفزيون حقه... فنحن لسنا ضد البساطة لأننا شبعنا من الأشكال والألسن والعقول المقولبة والمنشّاة، لكن هناك تقنيات للتقديم التلفزيوني ولإدارة الحوار يمكن أن يجيدها لقمان بسهولة فيما لو عمل عليها، وهناك لغة تقطيع إخراجي يجب أن تكون حاضرة في نقل صورة الحوار، بحيث لا يضطر المخرج للارتجال، لأن المقدم غير منضبط (تقنياً) في تعامله مع الكاميرا... وهناك صورة بصرية يمكن أن تغني الحوار عبر إعداد تقارير مصورة مسبقاً ومكتوبة بتركيز لتضيء جوانب في الحوار وتغنيه بصرياً، وهناك نقاط يجب وضعها لاستيفاء معالجة أي موضوع، بعيداً عن ترنح الحوار بين سؤال هنا وجواب أو مداخلة اعتراضية من هناك... وهناك آلية لاختتام البرنامج ولاستخدام فواصل القطع لضبط الإيقاع، كي لا نفاجأ من دون أي تمهيد بلقمان يودعنا ويعدنا باللقاء في الأسبوع القادم!
باختصار يمكن أن تكون تجربة لقمان حالة مشجعة للاستفادة من صحافيين حقيقيين في العمل التلفزيوني الخاص في سورية... وأشدد على كلمة (حقيقيين) لأننا بحاجة لرأي حقيقي يغني العمل التلفزيوني بعيداً عن حالة الاستهبال السائدة، التي تلوك رأياً واحداً في كل القضايا، وتسلك طريقاً واحداً في معالجة كل القضايا، وتستنسخ نفس العبارات المدائحية لمدح كل الأصحاب والضيوف والزوار... ثم نظن ولعن الله ظن السوء- أننا نخترع العجلة، ونخرج الزير من البير، وندخل التاريخ من أوسع أبوابه!
الزمن يتوقف على سورية دراما فقط
بعد مرور ثلاثة أسابيع أو أكثر على انتهاء موسم رمضان، تابعت على قناة (سورية دراما) يوم الخميس الفائت (30/9) حلقة من برنامج (حكاية الحكايات) موضوعها تصوير المسلسل الدرامي السوري (وراء الشمس).
الجميع كان يتحدث عن المسلسل المذكور باعتباره يتم تصويره الآن... مع أن المسلسل انتهى عرض كامل حلقاته في موسم رمضان الفائت. وتابع الجمهور ندوات عنه بعد نهاية عرضه!
الحلقة تبدو معادة... أو هي معادة بالفعل، لكن هل يحق لقناة تحترم جمهورها، وتحترم مبدأ (مرور الزمن) في حركة البث التلفزيوني، أن تعيد عرض مادة تجاوزها الحدث، وصارت خارج مناسبة تصويرها وإنجازها؟!
أغلب الظن أن (سورية دراما) تتعامل مع الحدث باعتباره (كله عند العرب صابون) فسواء انتهى عرض المسلسل الذي تابعوا عمليات تصويره أم لا؟! وسواء دخل الجمهور في حالة جديدة تجاهه قوامها معرفة رأي صناعه أو سواهم بحالة ما بعد العرض أم لم يدخل... فإن القناة تتعامل مع المادة باعتبارها مادة عن الدراما السورية... ومن إنتاج 2010... وكفى الله المؤمنين شر القتال!!
الصورة المرعبة للصحافة الفنية!
خصص برنامج (سيرة وانفتحت) على قناة المستقبل جانبا من حلقته الأخيرة للحديث عما يشغل الصحافة الفنية العربية، مستعرضاً نماذج لبنانية ورقية وإلكترونية، فقدم لنا صورة للسخف والهذر، وقلة احترام الفن والصحافة معاً.
هذه الصورة لم يشكلها زافين، مقدم البرنامج، بل شكلتها إجابات ضيوفه... التي ينطبق عليها (من فمك أدينك) والتي كانت في معظمها غارقة في أخبار الزواج والطلاق، وفي أخبار الحمل والولادة... فهي تعتبر خبر إنجاب نانسي عجرم أهم من خبر إنجاز مسلسل عن عمر بن الخطاب، وتعتبر قضية البحث عن الحقيقة في مقتل رامي شمالي نجم سوبر ستار أثناء ذهابه للقاهرة في مهمة استشهادية لتصوير فيديو كليب... أهم من البحث في مدى موضوعية معالجة تاريخ الإخوان المسلمين في مسلسل عظيم فنياً مثل (الجماعة)؟!
أمام تلك الصورة المرعبة للصحافة الفنية... وأمام الاحتفاء التلفزيوني بها، يشعر المرء بالأسف أحياناً أن يكون قد صرف عمره في دراسة النقد الفني، وخوض حروبه المنهكة حول جودة هذا العمل أو رداءته، وعمق تلك المعالجة الدرامية أو سطحيتها... والرغبة في مجابهة الفنانين بدل مجاملتهم، فيما المطلوب صحافة من نوع آخر، صحافة تستهلك الغث، وتتاجر بالسخف وتعيد إنتاج الخواء!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد