شخصيات الدراما السورية «مبستـرة» اجتماعيـاً!
ماذا لو اكتشفنا أن معظم الشخصيات التي نتابعها في المسلسلات لأننا نرى فيها صورتنا تعاني من مرض عدم التواصل الاجتماعي، سواء على صعيد علاقات القربى أو على صعيد علاقات الصداقة؟ ألاّ تغدو في نظرنا شخصيات مُبسترة (معقّمة) اجتماعياً فاقدة القدرة على إقناعنا بما تريد أن توصله لنا، ولا تعدو أن تكون من حبرٍ فقط؟ تبقى الإجابة في عهدة القراء والمشاهدين الذين لهم ان يختاروا كيف يتفاعلوا مع هذا الخلل الدرامي الدائم الحضور في المسلسلات السورية الاجتماعية.
نبدأ من شخصيات مسلسل »ليل ورجال« للكاتب محمد العاص، والمخرج سمير حسين، الذي تعرضه كل من »الفضائية السورية«، »شام«، »الدنيا«، »الجديد«، والتي جسدها الممثلون: أسعد فضة، سمر سامي، هاني الروماني، سعد مينة، نضال سيجري، لينا حوارنة، وفاء موصللي، شكران مرتجى، باسم ياخور، أكرم الحلبي، صفاء سلطان. سنجد أنها شخصيات إمّا بلا شقيق أو قريب، أو بلا صديق، أو حتى بلا جار. وحدها الشخصية التي لعبها فراس إبراهيم مسوّغ لها هذه »البسترة« الاجتماعية كونها لقيطة في مجتمع غير متسامح في هذه النقطة. أمّا كيف يمكن لشخصية ما أن تعيش في المجتمع حتى دون حضور صديق أو قريب! سؤال لا نملك الإجابة عنه. وتكبر إشارة التعجب أمام الشخصية التي يجسدها أسعد فضة بما أنه صاحب مصنع ضخم، وسمر سامي بما انها صحافية، وصولاً إلى ولديهما »الوحيدين« دوماً بلا أصدقاء!
وهذا ما نلاحظه أيضاً، ولو بنسبة أقل بالنسبة إلى شخصيات مسلسل »ليس سراباً«، الذي تعرضه »الفضائية السورية« و»شام« و»الدنيا«، للكاتب فادي قوشقجي والمخرج المثنى صبح، والتي جسدها الممثلون: نجاح سفكوني، ضحى الدبس، نبيلة النابلسي، نادين تحسين بك، سلوم حداد الذي يجسد شخصية ليس لها قريب (كأنها مقطوعة من شجرة) لكن تربطها علاقة فقط بالجار (عباس النوري). وربما تصبح الملاحظة أقسى عندما نعلم ان المسلسل كان له حظ حضور الاستشارة الدرامية (حسن عويتي) والمعالجة الدرامية (بشار بطرس). إذ هل يعقل أن لا يكون للكاتب الروائي والتلفزيوني الذي يجسده النوري سوى صديق واحد، هو في الأصل جاره الذي كان يقطن في البناء ذاته؟! ولعلّ هذا الخلل الدرامي ينكشف أكثر عندما تبدأ مراسم زفاف الشخصية التي يجسدها سلوم حداد. إذ ان عروسه (لورا أبو أسعد)، كانت قد غادرت القطر منذ سنوات ثم عادت لتتزوجه، فمن أين جاءت »إشبينتها« في مراسم الإكليل، ومن أين جاء »الإشبين« للعريس؟ وكأني بالكتّاب الثلاثة قوشقجي وعويتي وبطرس، لا يعلمون أن الإشبين/ة مهمة لا توكل إلاّ لأقرب صديق (أو شخص) للعريس، و للعروس، ولا توكل لكومبارس يظهر فجأة لدقائق ثم يختفي؟!
بدورها، تعاني شخصيات مسلسل »زهرة النرجس« للكاتب خلدون قتلان، (إشراف درامي محمد أبو لبن وإخراج رامي حنا)، الذي تعرضه »الفضائية السورية« و»أبو ظبي«، والتي جسدها الممثلون: عبد الهادي صباغ، مي سكاف، نضال نجم، خالد القيش، قمر خلف، صفاء سلطان، جابر جوخدار، تعاني من الخلل الدرامي ذاته !
الملاحظة لا تعني أن نرى في كل مسلسل صديقاً وقريباً وجاراً لكل شخصية، لكن من غير المعقول أن تقدّم لنا الغالبية الأعم من الشخصيات الرئيسية خارج سياق طبيعتها الاجتماعية، مهما كانت شريحتها الاجتماعية/ الاقتصادية التي تنتمي إليها! وهي مسألة يتحمّل مسؤوليتها: الكاتب أولاً والمخرج ثانياً، وهو ما تهلل له شركات الإنتاج لأنه يخفض التكاليف.
أمّا لماذا يقع الكاتب بهذا الخلل الدرامي؟ ربما لأن معظم كتابنا يكتبون للتلفزيون وفق طبيعة كتابة النص المسرحي (أو السينمائي) التي تتناول جزءاً زمنياً مكثّفاً من حياة الشخصيات، ولا ينتبهون إلى أن الدراما التلفزيونية تتناول حياة شخصياتها عبر مرحلة زمنية ليست بالقصيرة، بل قد تمتد سنوات طويلة. وهل هذا يعني أن كتّاب الدراما التلفزيونية يكتبون بتأثير ذاكرتهم البصرية المكونة من مشاهداتهم المسرحية والسينمائية؟ أترك الإجابة أيضاً هنا إلى القارئ والمشاهد.
نضال بشارة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد