صندوق النقد الدولي يحذر العرب من الانفجار الديمغرافي

25-01-2007

صندوق النقد الدولي يحذر العرب من الانفجار الديمغرافي

قال ليسلي ليبشيتز، مدير معهد صندوق النقد الدولي في واشنطن، أن المنطقة العربية (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) تواجه «تحدياً ديموغرافياً استثنائياً يتمثل في يد عاملة شابة من المقدّر ان يصل تعدادها إلى 185 مليون مواطن بحلول عام 2020، أي بزيادة 80 في المئة عن العام 2000. وتابع ليبشيتز ان معدلات البطالة في دول المنطقة هي «من بين الأعلى عالمياً»، وهناك حاجة لتوفير 100 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2020، بهدف استيعاب العاطلين من العمل الحاليين واليد العاملة المستقبلية، ما يوازي الفرص التي تم توفيرها طوال العقود الخمسة الماضية.

ولفت إلى ان هذه التحديات وغيرها نوقشت في حلقة دراسية بعنوان «المؤسسات والنمو الاقتصادي في الدول العربية»، عقدت في أبو ظبي على مدى يومين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وتولى تنظيمها «صندوق النقد الدولي» بالتعاون مع «صندوق النقد العربي». وشارك فيها عدد من كبار المسؤولين الحكوميين (وزراء ومحافظي مصارف مركزية) والخبراء، من ضمنهم وزير الاستثمار في مصر الدكتور محمود محيي الدين وعميد «كلية دبي للإدارة الحكومية» الدكتور طارق يوسف وكبير اقتصاديي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «البنك الدولي»، الدكتور مصطفى نابلي وغيرهم. وقال ان الهدف من عقد الحلقة الدراسية كان تشجيع تبادل وجهات النظر بين العديد من المسؤولين الحكوميين والخبراء الاقتصاديين من المنطقة وحول العالم بخصوص هذا الموضوع المهم، والاستفادة من تجارب المناطق الأخرى.

وناقشت الحلقة الدراسية الحاجة إلى تعزيز النمو الاقتصادي وفرص العمل في دول المنطقة والأسباب التي تحول دون ذلك. وفي هذا الخصوص، أكد ليبشيتز أهمية قيام المنطقة بتحقيق معدلات نمو اقتصادية سنوية قابلة للاستمرار، تتراوح بين 6 و7 في المئة، أي ضعف المعدل المسجّل في العقدين الماضيين.

ووفقاً لآراء عدد من المشاركين، فان الأمر يتم من خلال خطوات عدّة، أهمها تفعيل المناخ الاستثماري المحلي وتحريره من القيود والانفتاح التجاري ودخول الأسواق العالمية من خلال تعزيز وتنمية قطاع الصادرات والأنشطة الاقتصادية التي تستخدم اليد العاملة المحلية بكثافة، وتحرير قطاع الواردات، وتشجيع التدفقات الرأسمالية والاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تجلب معها الخبرات التقنية اللازمة لتحسين الإنتاجية المحلية والنمو الاقتصادي، بهدف التوسع في نشاطات «تمتصّ» اليد العاملة الفائضة، كذلك من خلال الاتفاقات التجارية الدولية التي تلزم المؤسسات المحلية على تحسين نوعية إنتاجها وأدائها كي تتمكن من المنافسة عالمياً.

وأوضح ان الدراسات التطبيقية المقدمة من جانب الخبراء المشاركين في الحلقة الدراسية أظهرت أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الدول العربية تتمثل في «وجود حكومات كبيرة، لا سيما في الدول العربية النفطية، تحتكر مصادر الموارد المحلية وتستوعب مؤسساتها غالبية اليد العاملة، ما يتسبب في مزاحمة القطاع الخاص، ليس فقط من خلال التنافس على الموارد المحدودة ولكن أيضاً من خلال رفع معدلات الأجور في القطاع العام في شكل أكبر من مستوى الأجور في القطاع الخاص. وبالنسبة الى الدول العربية غير النفطية، أشارت تلك الدراسات إلى ان تدني مستوى المؤسسات يعتبر من العوامل المهمة التي تعيق تراكم رأس المال وتحسّن الإنتاجية».

وأضاف ليبشيتز ان النمو الاقتصادي في المنطقة العربية كان ضعيفاً في العقدين الماضيين، على رغم أنه أخذ في التحسن في السنوات الخمس الماضية. وأوضح أنه كان هناك شبه إجماع بين المشاركين بأن «العوائق أمام النمو هي مؤسساتية الطابع» وأن «أهمية تقليل حجم الحكومات وتحسين نوعية المؤسسات تشكل عوامل أساسية تساعد في رفع معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة». وعلى سبيل المقارنة، تطرّق ليبشيتز إلى تجارب دول نامية كبرى مثل الهند والصين اللتين تملكان حكومات كبرى توّجه الاقتصاد المحلي، لكنهما نجحتا في تحرير قطاعات فعّلت دور القطاع الخاص، مثل الخدمات في الهند.

ولفت ليبشيتز إلى ان أحد أهداف الاجتماع كان «عرض الحِكَم المستقاة من تجارب دول ومناطق أخرى وأخذ الدروس منها»، وتطرق إلى تجارب عدد من الدول في هذا الشأن مثل سنغافورة وبعض دول وسط وشرق أوروبا، مشيراً في الوقت نفسه إلى انه «من الصعب ان تعتمد منطقة معينة على تجارب مناطق أخرى وتحاول تطبيقها، كما هي، في سعيها إلى معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية»، لافتاً إلى ان هذا ينطبق على الدول العربية.

وعلى رغم ان المنطقة شهدت تطوراً في حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إليها في شكل عام، إلا أن هذه الاستثمارات بحسب ليبشيتز ما زالت لا تشكل سوى 2 في المئة من حجم التدفقات العالمية السنوية. وعلى سبيل المثال، فإن التدفقات الصافية للأموال إلى ماليزيا والفيليبين وتايلاند تشكل مجتمعة أربعة أضعاف تلك الوافدة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (عدا دول الخليج العربي الست).

وأشار ليبشيتز إلى ضرورة التمييز بين أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ ان الاستثمارات تتوافر بكثرة في قطاع استخراج المصادر المعدنية والنفطية المختلفة في المنطقة (شرط انفتاح القطاع على الاستثمار الأجنبي)، لكنها تندُر في المجال الصناعي الذي يستهدف الأسواق الإقليمية والعالمية، لأنها تشترط توافر البيئة العملية المناسبة والقدرة على تحقيق الربحية كي تغامر في الدخول إلى المنطقة. وقال إن رأس المال المطلوب لتأسيس شركة في المنطقة العربية يتعدّى المعدّل العالمي بحوالى 5 أضعاف، كما ان تفعيل العقود يتطلب ما معدّله 426 يوم عمل لتطبيقه، أي أكثر من المدّة المطلوبة لتفعيل العقود في دول شرق آسيا بحوالى 50 في المئة.

ورداً على استيضاح عن إمكان نجاح دول المنطقة في منافسة صادرات دول صناعية كبرى مثل الصين، أجاب ليبشيتز أنه تتوافر دائماً أسواق «فريدة» يمكن الاستفادة منها، وقال يمكن مثلاً تطوير صناعة النسيج العربية من خلال توجيه المنتجات لتلبية الذوق الخاص بسكان المنطقة. ونوه أيضاً بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي أثبتت ريادتها في قطاع الخدمات عالمياً.

أخيراً، أشار ليبشيتز إلى ان «صندوق النقد الدولي» استفاد بدوره من هذه الحلقة الحوارية وقال: «ان مشاورات «المادة الرابعة» التي يجريها الصندوق اتسع نطاقها لتشمل مناقشة مسائل اقتصادية إقليمية عدّة». واستنتج ان «المعنيين في المنطقة يعون تلك التحديات»، آملاً بأن تقوم الدول العربية بمناقشة تلك المسائل المهمة خلال مشاورات «المادة الرابعة» لـ «الصندوق» معها.

لينا الرحباني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...