في أسبوع الأفلام القصيرة.. السينما السورية تستعيد شبابها
يعيد "أسبوع سينما الشباب السوري للأفلام القصيرة" الذي ينتهي اليوم وأُقيم في دار الفنون بدمشق بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما بمشاركة عشرين فيلماً قصيراً، أسئلة طالما طرحها النقاد والباحثون: هل ثمّة تحقيب في تاريخ السينما السورية لمثل هذا النوع من الأفلام؟، وهل خطوة مؤسستي السينما والإنتاج التلفزيوني والإذاعي في دعم سينما الشباب ستكرّس تقليداً دائماً يفسح المجال لأصوات ورؤى جديدة تُخرج السينما السورية برمتها من ركودها وإنتاجها ومشاركاتها الخجولة عربياً وعالمياً، أم ستكون قفزة في الهواء لا نعرف أي مستقر لها؟!.
ندرك أن الأفلام القصيرة ليست بجديدة في تاريخ السينما السورية، إلا أنها وبسبب من طبيعة الموضوعات التي عرضت لها، فضلاً عن الشرط والظرف الفني الذي أنتجها، حيث غلب على أكثرها الطابع السياحي، لم تلقَ ما يليق بها من تأريخ ودراسات نقدية تُظهر مكانة هذه الأفلام والمؤثرات الإبداعية التي تركتها في وعي وذاكرة المشاهد السوري، فقد اقتصرت موضوعات تلك الأفلام في غالبها الأعم منذ منتصف الستينيات وصولاً إلى وقتنا الراهن على تبيان تاريخ الأوابد والقلاع والاحتفاء بالمدن الأثرية ومكوّنات الحضارة السورية وعراقتها، فيما نأت بنفسها عن الخوض في المشكلات والقضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى وتركتها للأفلام الروائية الطويلة، إذ نجزم أن كثيراً من المخرجين أحجم عن المغامرة ومعاينة تلك القضايا التي تستلزم سيناريوهات طويلة متعدّدة المحاور والشخصيات، بينما يحتاج الفيلم القصير للتكثيف والاختزال والرمزية والإيحاء ومحدودية الشخصيات، واستثمار العناصر الفنية الأخرى في حدّها الأدنى.
إن خطوة المؤسسة العامة للسينما التي أقرّت مشروع دعم سينما الشباب، وإن جاءت متأخرة في التوجه نحو المواهب الشابة، غير أنها خطوة في الاتجاه الصحيح لخلق سينما سورية واعدة، وإعداد كوادر وتجارب تؤسس لمرحلة مختلفة في تاريخ السينما السورية، مشيرين إلى أن المؤسسة قدّمت منحاً لإنجاز مجموعة من الأفلام نذكر منها "ستي حسونة" لسارة فتاحي، و"عمريت" لسمارة المصري، و"ليش" لسيمون، و"حلقة مفرغة" لأيهم سلمان، و"دوران" لعلي وجيه، و"not sure i understand” لوسيم قشلان، و"بحبك بابا بحبك ماما" لأمجد السوسي، و"عشر دقائق بعد الولادة" لنادين الهبل، و"رأساً على عقب «لمحمود إدريس، و«أحلى من الـG» للمى العبد المجيد. وفي استعراض ومقارنة للموضوعات التي تصدّت لها أفلام الأسبوع سنلحظ، وخاصة في التجارب الجديدة الشابة التي حظيت بدعم مؤسستي السينما والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، فارقاً واضحاً بتصديها لقضايا راهنة بكثير من الجرأة والموضوعية، حيث يتناول "رياح كانون المبكرة" قضية سرطان الأطفال من خلال علاقة صداقة بين طفلين يغيّب الموت أحدهما، فيما يعرض "نخاع" للروتين القاتل الذي غدا سمة حياتنا، ولاسيما في العلاقة الزوجية غير المتكاملة والمحكومة بالرتابة. أما "29 شباط" فتلفت أحداثه إلى يوم لا يتكرر إلا كل أربع سنوات ويشهد هذا اليوم ولادة حالة حب يبدأ وينتهي في اليوم ذاته، ويتناول "عن الحب" أيضاً واقع المسنين المهمشين في المجتمع من خلال الغوص في أعماق رجل وامرأة مسنين. ويستعيد "هنا دمشق" جماليات المدينة العتيقة بعيون بائع الصحف الشاب الذي يجوب دمشق على دراجة هوائية، بينما يسجّل "البرزخ" حكاية شابة فلسطينية شاركت في مسيرة العودة في 15 أيار 2011 وكيف عبرت السياج الشائك إلى مجدل شمس في الجولان السوري المحتل.
إن هذه الخطوة، التي تجسَّدَ جزءٌ منها في هذا الأسبوع، وحتى لا تصبح قفزة في الهواء، تستدعي دراسة معمّقة لهذه التجارب الشابة والبحث في كيفيّة استمرار دعمها، واجتراح ما يواكبها نقدياً لتسير في الاتجاه الصحيح، ونعتقد أن دور المؤسستين في ذلك سيكون كبيراً في تحديد نجاح هذه الخطوة أو فشلها.
يُذكر أن الأفلام التي شاركت في هذا الأسبوع هي: "هنا دمشق" إخراج ضحى الإبراهيم، "مونولوج" إخراج جود سعيد، "البرزخ" إخراج المهند كلثوم، "السيدة المجهولة" إخراج فجر يعقوب، "مود" إخراج طارق مصطفى، "يوم جديد" إخراج علاء حجي رشيد، "رياح كانون المبكرة" إخراج أحمد خضر، "الوصية الحادية عشرة" إخراج موفق قات، "همسات" إخراج ريمون بطرس، "البطريق" إخراج فجر يعقوب، "انزواء" إخراج علي خطاب، "بلا عنوان" إخراج أحمد سويداني، "نخاع" إخراج وسيم السيد، "وداعاً" إخراج جود سعيد، "29 شباط" إخراج المهند كلثوم، "مذكرات رجل بدائي" إخراج موفق قات، "عن الحب" إخراج وليد حريب، "جدارية الحب" إخراج أوس محمد، "حكاية الأبواب السبعة" إخراج غسان شميط، "فولت حار جداً" إخراج باسل طه.
عمر محمد جمعة
البعث ميديا
إضافة تعليق جديد