كيف أصبحت مخاطر الأزمة بعد الغوطة وراء سوريا؟
برحيل جماعة "جيش الاسلام" عن مدينة دوما، تضمن سوريا العبور إلى برّ الأمان في استعادة أمن واستقرار العاصمة وحديقتها الغذائية في الغوطة. لكن المتغيرات التي أدّت إلى استعادة الغوطة، تدل أن مخاطر تهديد الدولة السورية على المديين القريب والمنظور مضت وانقضت.
الغوطة حول دمشق ظلّت حصان طروادة في تهديد مستقبل النظام في سوريا، تحاول أن تدخل منه القوى الاقليمية والدولية الساعية لإسقاط موقع سوريا في المنطقة إلى جانب محور المقاومة في مواجهة اسرائيل ومشاريع الدول الغربية. فعودة الغوطة إلى الدولة السورية لا تشكل إضافة كمّية في حجم الأراضي وحماية أمن العاصمة فحسب، بل لعلّ استعادتها في خضم معركة قاسية حيث حاول الحلف الأميركي ــ الخليجي اتخاذها ذريعة لعدوان مباشر على سوريا، يدلّ على أن المراهنات الغربية والخليجية تتحوّل إلى رميم.
في الورقة الأخيرة لإحياء هذه المراهنات والحفاظ على الجماعات المسلحة حول دمشق، حاول تحالف واشنطن الاعتداء على سوريا بذريعة السلاح الكيماوي وانقاذ المدنيين.
وفي هذا السياق عملت الوسائل الإعلامية بأقسى طاقتها المكثّفة لتهيئة الضربة التي تناغم بالدعوة إليها دونالد ترامب وتيريزا ماي وايمانويل ماكرون، فضلاً عن مجموعات الضغط في الأمم المتحدة.
قرار سوريا وحلفائها بالمواجهة والحسم، لم يترك لمناورات الحلف الأميركي ــ الخليجي منفذاً للبقاء على مراهناته. فحاولت السعودية تمرير مخلب بين سوريا وإيران، كما كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عن اللقاءات السرّية التي أعربت خلالها السعودية عن أملها الانفتاح على النظام السوري مقابل ابتعاده عن إيران.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان الأكثر إجهاراً في تعبيره عن فشل المراهنات إلى غير عودة، في إعلانه رغبة الانسحاب الأميركي من سوريا أملاً بأن ينشغل آخرون في المعارك من الحلف الأميركي ــ الخليجي.
النصيب الأكبر الذي يقع على عاتق "الآخرين"، ربما يكون من نصيب تركيا التي تأمل السيطرة على الشمال السوري بذريعة القضاء على الإرهاب. وهي تبدي رغبة باستعادة أحلام السلطنة العثمانية في كلٍّ من سوريا والعراق، كما يتضح من حديث الرئيس رجب طيب إردوغان ضد "الإمبريالية ومنع سايكس ــ بيكو جديد". في إشارة إلى أحلام عودة المنطقة إلى ما قبل تقسيمها في دول وطنية.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ربما يضمن موقعه "مع الآخرين"، بحسب ما جاء في مقابلته مع مجلة "تايم" في إعلانه عن بقاء الرئيس الأسد في الحكم استنتاجاً لفحوى ما سمعه من دونالد ترامب بشأن فشل المراهنات على الجماعات المسلّحة ومحاولات اسقاط الدولة السورية في الميدان. وضرورة أن تأخذ الدول الاقليمية على عاتقها التدخل مباشرة مع وكلائها.
ترامب الذي يعد بالانسحاب من سوريا، قد لا يتخلّى عن الدور الأميركي في إدارة اللعبة سواء في توجيه المعارك أم في على طاولة المفاوضات. لكنه يتعهّد بألاّ يؤدي هذا الدور في خدمة السعودية على وجه التحديد بالمجّان ومن دون مقابل مادي. فهي دولة غنيّة معطاءة بالكرم والحفاوة، كما أذاع على مسامع محمد بن سلمان.
وفي حساب أوّلي طلب ترامب تعويضاً عن الكلفة السابقة مبلغ أربع مليارات دولار لحفظ موقعها بين اللاعبين على الطاولة. وفي هذا الشأن تنقل وكالة الأناضول عن مصادر موثوقة كما تقول"أن واشنطن تعزّز نقاط تواجدها" في ثلاث نقاط حول منبج التي سينتقل إليها "جيش الإسلام" الموالي للرياض.
يبدو أن ترامب يحسب أيضاً كلفة ما يتوّجب على القوى الأخرى أن تدفعه. فالمجموعات التي رحلت عن الغوطة الشرقية، هي مجموعات تدعمها قطر. وإذا أخلّت تركيا عن الإيفاء بالتعويض على ترامب، فلا شك أن ترامب يبسط اليد الطولى على قطر.
سوريا وحلفاؤها يؤمّنون في المدى المنظور القضاء على بؤر "داعش" في مخيم اليرموك والحجر الأسود وحي القدم. فهذا الطريق من جنوب العاصمة إلى درعا حصانة سوريا ضد الاحتلال.
قاسم عز الدين - الميادين
إضافة تعليق جديد