لبنان: البيان الوزاري ينفجّر أمنيّاً 7قتلى وعشرات الجرحى في طرابلس

26-07-2008

لبنان: البيان الوزاري ينفجّر أمنيّاً 7قتلى وعشرات الجرحى في طرابلس

... وبالأمس أيضا كانت طرابلس  لبنان على موعد جديد مع »حروب الفقراء«. في باب التبانة والقبة وجبل محسن والمنكوبين، تتشابه وجوه الناس والأبنية والأزقة. يشتركون معاأطفال نازحون من مناطق الاشتباكات بين التبانة وجبل محسن أمس.، في تقاسم معاناة الحرمان و»الاشتياق« للدولة، اليوم، وعبر التاريخ. تغيرت الزعامات وتبدلت، لكن الفقر ظلّ سمة مشتركة، حتى صح القول إن أبناء هذه المناطق »هم أفقر فقراء الشمال وربما لبنان وكل منطقة ساحل المتوسط«.
عندما تتجول في هذه المناطق، تواجه احتشادا كبيرا للفقراء، حيث تجتمع كل الظروف المعيشية التي تجعل الناس ينتمون الى بيئة واحدة اجتماعيا. البطالة العالية، المستوى التعليمي المتدني، التسرب المدرسي، الأمية، الافتقاد للبنى التحتية، الحنين الى نقطة الماء وساعة الضوء وكل مظاهر الدولة العلية...
في أحياء طرابلس الفقيرة، ثمة أناس يصلون نهاراتهم بلياليهم بحثا عن لقمة الخبز الكريم من عرق الجبين. كل منطقة تضع قواعد محددة لانتاج الزعامة. هنا مجتمع »أقلوي« يحاول التماسك ولا يتوانى عن إفراز »جسمه المقاتل«، وهناك نمط غير مسبوق في انتاج القيادات والزعامات الشعبية وافراز المقاتلين أيضا. وبين هذا وذاك، تتسلل دائما حسابات »الكبار« سعيا لاستخدام الفقراء وقودا لمعارك تجعلهم ينفسون حقدهم الطبقي الدفين، عبر اطلاق الرصاص على بعضهم البعض، فتكون النتيجة ما شهدناه ونشهده من موت مجاني منذ العاشر من ايار حتى الآن.
صباح أمس، وبعدما تبين أن »الخيارات الوطنية« قد أزيحت جزئيا عن طاولة لجنة صياغة البيان الوزاري، تبين أن نقاشا ساخناً تجدد في شوارع باب التبانة والقبة والمنكوبين وجبل محسن في طرابلس التي تحوّلت فعليا إلى صندوق بريد للرسائل السياسية الدامية التي ذهب ضحيتها سبعة قتلى وعشرات الجرحى فضلا عن تسجيل أكبر موجة نزوح تشهدها عاصمة الشمال منذ العام ١٩٨٥ حتى الآن..
في هذه الأثناء، كانت الجولة الرابعة من مواجهات طرابلس تلتهم اتفاقين لوقف إطلاق النار: الأول عند الواحدة ظهراً توصّل إليه مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، والثاني عند السادسة مساء توصّل إليه النائب محمد كبارة، وأدى عجز الفرقاء عن التوصل الى اتفاق جديد، الى استمرار المعارك مفتوحة حتى ساعة متأخرة ليلا، الأمر الذي استدعى اتصالات مكثفة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان شملت وزيري الدفاع والداخلية وقيادة الجيش وطلب منهم اتخاذ التدابير الميدانية الآيلة الى وقف التدهور الأمني والتقيد بوقف اطلاق النار الذي اتفق عليه مرتين.
وبالفعل، انتقل وزير الداخلية زياد بارود، في ساعة متأخرة ليلا، الى طرابلس، وعقد سلسلة اجتماعات أمنية في السراي بحضور مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وكبار الضباط العسكريين والأمنيين، كما أجرى اتصالات مع بعض فعاليات المدينة من أجل التوصل الى اتفاق جديد لوقف النار، خاصة وأن التقارير الليلية أظهرت توسع المعارك واتخاذها شكلا عنيفا جدا.
وعقد بارود مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن هناك تنسيقاً كاملاً مع الجيش اللبناني وأنه خلال ساعات قليلة سيكون هناك حسم وحزم نهائي في مناطق الاشتباكات، مؤكداً أن الأمور ستعود إلى طبيعتها قريباً.
وقالت مصادر عسكرية إن الانتشار في مناطق الاشتباكات سيبدأ اليوم وفق خطة أمنية متفق عليها بين قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي.
ومع سقوط »مشروعي« وقف التدهور كانت الاشتباكات تحصد أعلى نسبة من الخسائر في جولاتها الأربع منذ العاشر من أيار الماضي لتسفر، بالأمس، عن سبعة قتلى وعشرات الجرحى وتدمير واحتراق عدد كبير من المنازل والمؤسسات والمحال التجارية، فضلاً عن موجة نزوح فرض حجمها الكبير فتح أبواب المدارس الرسمية في المدينة لاستقبال المهجرين الجدد من خطوط التماس المشتعلة على طول مناطق »الطوق« المحيطة بمنطقة جبل محسن في اتجاهاتها الأربعة.
واندلعت المعارك بعيد الساعة الرابعة فجراً إثر التوتّر المتصاعد منذ أيام بتكاثر رمي القنابل الليلية التي وإن لم تنجح في إشعال الفتيل إلا أنها هيأت الظروف المناسبة لاشتعال الفتيل يوم أمس إثر تتالي انفجار القنابل المجهولة المصدر والتي كانت »ثالثتها ثابتة« فأضرمت النار ونجحت في تنفيذ مهمتها خصوصاً وانه رافقتها رشقات نارية متقطعة على مختلف المحاور، انطلقت معها اتصالات التهدئة لكنها لم تصل إلى نتيجة إيجابية، لتتجدد المعارك بعد صلاة الفجر وتشتد مع ساعات الصباح الأولى وتستمر حتى ساعات الظهر واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة وقذائف ٧ و ،٠١ ونشطت أعمال القنص التي قطعت أوصال المناطق الشمالية والشرقية، إضافة إلى الطريق الدولية من الجهة الشمالية عند محلة الملولة.
وكان لافتا للانتباه أن بعض المواطنين في الأحياء التي شهدت اشتباكات تبلغوا قبيل ساعات نصائح بالرحيل عن منازلهم، كما تبين أن بعض القيادات السياسية والأمنية في العاصمة والشمال كانت قد أبلغت في ساعات ما قبل بدء الاشتباكات بأن المناخات تشي بتجددها اعتبارا من فجر أمس!!!
وفيما صدرت نداءات طرابلسية وشمالية كثيرة تدعو أبناء طرابلس الى وقف القتال، توجه رئيس »اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط، ليلا الى اهالي طرابلس والشمال، والى اهالي باب التبانة وجبل محسن خاصة، داعيا الى وقف اعمال العنف التي تؤكد ان الخسائر كبيرة، وان انعكاساتها السلبية لا تنحصر بطرف دون سواه، فالحرمان والفقر يطالان الجميع، والحاجة لتنفيذ مشاريع انمائية ملحة، لتجنب ولادة متجددة لشاكر عبسي جديد بما يعيد توليد العنف والتطرف. فالسنة والعلويون في الشمال لهم تاريخ طويل من النضال الوطني في سبيل لبنان وعروبته، وهذا الاقتتال الطائفي البغيض لن يخدم سوى مصالح خارجية تحقق رغباتها بعيدا عن مصالحهم الحقيقية، وعلى حسابهم وحساب هذه المنطقة المحرومة من لبنان، التي قدمت وتقدم الاثمان الغالية في كل مرة«.
وجدد جنبلاط النداء الى »وقف اعمال العنف والعودة الى الهدوء والتعقل، بدل الانجرار وراء انفجارات طائفية نعرف اين تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي«، آملا ان يتوقف التحريض، وان لا يكون وقودا لمزيد من التفجيرات التي تخدم حصرا حسابات خارجية«.
الاجتماع الثامن للجنة »البيان«.. اقتصادي بامتياز
على الصعيد السياسي، خصصت لجنة البيان الوزاري، اجتماعها الثامن، الذي دام أكثر من خمس ساعات، ليل أمس، لمناقشة ورقة تتناول السياسة الاجتماعية والاقتصادية والمالية للحكومة، على أن يستكمل هذا النقاش، اليوم وغدا في اجتماعات ثنائية وثلاثية بين رئيس الوزراء وعدد من الوزراء. وتم الاتفاق على موعد الاجتماع التاسع مساء غد الأحد ، على أن تتابع عملها يوم الاثنين المقبل في الجانب السياسي.
وكان لافتا للانتباه أن وزير الاعلام طارق متري، تبرع، بعد انتهاء اجتماع الأمس، بشن حملة اتهامات ضد الاعلام، آخذا عليه استخدام ما أسماها »لغة تحريضية« ضد الوحدة الوطنية(...) كما اتهم الاعلام بالسعي لافشال عمل اللجنة الوزارية(...).
ومن المتوقع أن تبين اجتماعات اللجنة المقبلة، عندما تقارب الموضوع السياسي وتحديدا قضية المقاومة، فعالية الاتصالات السياسية التي جرت في الساعات الأخيرة وخاصة بين الرئيس نبيه بري وكل من النائبين سعد الحريري (قبيل توجهه الى المغرب) ووليد جنبلاط، خاصة وأن الأخير قد أوعز الى ممثله في اللجنة، الوزير وائل أبو فاعور، الاتصال بالرئيس بري والاتفاق معه على كل ما من شأنه تسهيل عمل اللجنة.
وأبلغ النائب جنبلاط الرئيس بري أنه لا يمانع في اعتماد النص الذي اعتمد في البيان الوزاري السابق حول حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، على أن يقترن بفقرة تتعلق باحترام القرارات الدولية ولا سيما القرار ،١٧٠١ الذي يشكل في مضمونه وفقراته تكريسا لاتفاقية الهدنة.
أما النائب الحريري فأكد أنه منذ البداية وما يزال يحث على التسريع واعدا ببذل جهوده في هذا الاتجاه، مشددا على أولوية الاستقرار السياسي والأمني على ما عداه.
وعلم أن فريق رئيس الحكومة قدم ثلاث صيغ في موضوع علاقة الدولة بالمقاومة، الاولى ان يتضمن البيان الوزاري عبارة »حق الدولة في تحرير الارض«. الثانية تقضي باعتماد خطاب القسم بالنسبة للبند المتعلق بالمقاومة وسلاحها (»ان نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة واستمرارها كان في التفاف الدولة حولها وفي احتضان الدولة كيانا وجيشا لها ...«)، اما الاقتراح الثالث فهو ارجاء البحث في موضوع المقاومة الى طاولة الحوار، على أن تتبنى الحكومة ما يصدر عنها لاحقا في موضوع الاستراتيجية الدفاعية...
وقد رفضت المعارضة هذه الصيغ وأصرت على وجود نص صريح يعطي للشعب اللبناني الحق بمقاومة الاحتلال كما ورد في البيان السابق.
ودخل السفير السعودي عبد العزيز خوجة، أمس، على خط معالجة تعقيدات صياغة البيان الوزاري، فزار النائب ميشال المر ونجله الوزير الياس المر والوزيرة بهية الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي استبقاه على مأدبة العشاء..
ومن المقرر أن يزور السفير خوجة، اليوم، الرئيس بري من أجل تأكيد موقف بلاده الداعي الى تسريع تنفيذ مقررات اتفاق الدوحة.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...