لقاء فيينا والمستحيلات الليبية: سلاح مشروط لحكومة الوفاق

17-05-2016

لقاء فيينا والمستحيلات الليبية: سلاح مشروط لحكومة الوفاق

لن يكون هناك عراقيل أمام «حكومة الوفاق» الليبية التي يرأسها فايز السراج، والتي شُكّلت بموجب اتفاق سلامٍ رعته الأمم المتحدة في المغرب، عندما ستتقدم إلى لجنة المنظمة الدولية المعنية بالعقوبات على ليبيا، لطلب استثنائها من حظر سلاحٍ مفروض على البلاد منذ العام 2011. هذا ما أعلنه بيانٌ صادرٌ عن اجتماع دولي جديد عُقد في فيينا أمس، وقدّم شحنة دعم إضافية لهذه الحكومة، التي تشكل آخر حبل نجاة يعتقد المجتمع الدولي أنه سينقذ البلاد الغارقة في الفوضى والاقتتال الداخلي، بالإضافة إلى الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش» فيها، فضلاً عما تشكله ليبيا من طريق مفتوح للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
وبحسب تصريحات بعض وزراء الخارجية المشاركين في الاجتماع الذي ضم 25 دولة وهيئة، فإن الطريق إلى نهاية المأساة الليبية لا تزال في بدايتها، بعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع «الثورة» فيها. وبحسب كلام الوزير الفرنسي المكلف الشؤون الأوروبية هارلم ديزير، فإنه «علينا أن ندعم حكومة السراج»، لما يبدو أنه يشكل الفرصة الأخيرة قبل قرار غربي مرّ بالانغماس برياً أكثر في الفوضى الليبية.
هكذا، سيصبح للدول المصدرة للسلاح سوق جديدة، بالرغم من الخطر الذي تمثله هذه الخطوة في ظل الانقسام الليبي، وارتهان حكومة السراج أمنياً، حتى الآن، لمشيئة الميليشيات الفاعلة على الأرض لدعمها، بغياب مؤسسة رسمية للجيش أو هيكليات واضحة تعنى بالأمن. وأول المستفيدين من رفع الحظر، إذا ما طُبّق، سيكون «الحرس الرئاسي» الذي أعلنت حكومة «الوفاق» تشكيله لضبط الحدود وتأمين المقار الرسمية.
ومن الواضح أن هناك إجراءات على حكومة السراج أن تتخذها، ومنها تشكيل قوة فعلية قادرة على توحيد البلاد، إذ لفت بيان الدول التي شاركت في الاجتماع إلى «الاستعداد للاستجابة لطلبات الحكومة الليبية لتدريب وتجهيز الحرس الرئاسي، والقوات التي تتم الموافقة عليها من جميع أنحاء ليبيا».
وأقر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن «إمكانيات هذه الحكومة (حكومة السراج) تبقى محدودة، ما لم يتم تجاوز الخلافات الداخلية والتنافس بين السلطتين»، أي سلطة حكومة السراج وسلطات طبرق في الشرق، العسكرية والسياسية، التي لم يصوت برلمانها بعد على إعطاء الثقة للحكومة الجديدة.
وأضاف شتاينماير أن التحدي هو «إعادة تشكيل هيئات للدولة قادرة على الاستمرار وتتيح مكافحة التهديد الجهادي، ووقف تدفق المهاجرين»، لافتاً إلى «أننا لسنا سوى في البداية».
من جهته، قال وزير الدولة الفرنسي هارلم ديزير «علينا دعم السراج، ونحن ندعو القوى السياسية الليبية والأطراف الأمنية في البلاد الى تشكيل تحالف معه وإنشاء المؤسسات اللازمة لمحاربة داعش».
وقال مسؤول أميركي بارز «نريد أن نرى جهداً وطنياً منسقاً ضد داعش ونريدها (الحكومة) أن تؤمن حدودها»، مضيفاً «نتوقع أن يقدم الليبيون التزامات بشأن خطواتهم الأمنية التالية، وأن تتعهد الدول المشاركة بدورها بتقديم المساعدة».
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ختام مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني وفايز السراج أن «المجتمع الدولي يدعم طلب طرابلس إعفاءها من الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة للحصول على الأسلحة والذخائر الضرورية لمحاربة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى». لكنه أضاف أن «توازناً حساساً يجب إيجاده لمنع سقوط هذه الأسلحة بيد المتطرفين». وكان كيري قال بعد لقائه وزير الخارجية الأردني ناصر جوده في وقت سابق أمس «أمامنا الكثير من العمل»، كما طالب البرلمان الليبي بالمصادقة على الحكومة الليبية الجديدة وتبني اتفاق الصخيرات مهدداً بفرض عقوبات على من يقفون ضد ذلك.
أما السراج، فأعاد التأكيد أن حكومته لا تطلب سوى التدريب والتجهيز لقواتها الجديدة لمحاربة «داعش» وأن لا قوات أجنبية على الأرض. ولفت إلى أن الوضع في ليبيا سيئ جداً، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وأن المجتمع الدولي لن يكون بمنأى إذا لم يتم استئصال التنظيم الإرهابي من البلاد.
وأفاد بيان في ختام الاجتماع الوزاري في فيينا، الذي ترأسه كيري ونظيره الإيطالي، أن «حكومة الوفاق عبّرت عن عزمها على تقديم طلب إعفاء من حظر الأسلحة.. لشراء الأسلحة الفتاكة اللازمة والمعدات لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تحددها الأمم المتحدة ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. وسندعم هذه الجهود بالكامل».
وكانت حكومة السراج قدمت خلال المؤتمر قائمة بالمطالب لمساعدة القوات الليبية بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخبارية. وأكدت الدول المشاركة في اللقاء، ومن بينها السعودية وروسيا وقطر وتركيا والصين، في بيانها أنه «نتطلع الى الشراكة مع حكومة الوفاق والدول المجاورة لمواجهة التهديد الذي تشكله على منطقة المتوسط وعلى حدودها البرية المنظمات الإجرامية المتورطة في جميع أشكال التهريب، وتهريب البشر». ووقعوا على تعهد بالأمر.
وكان السراج أعلن مؤخراً عن إنشاء «غرفة عمليات» لمحاربة «داعش» وطرده من معقله في سرت، تشكل قواتٌ من مصراتة في الغرب التي دعمت في السابق ميليشيات «فجر ليبيا» الإسلامية، جزءاً مهماً منها. يذكر أن بعض فصائل «فجر ليبيا» أعلنت دعمها لحكومة «الوفاق».
ومنذ وصوله إلى طرابلس في 30 آذار الماضي قادماً من تونس، يحاول السراج نسج شبكة تحالفات في البلاد، وهو يؤكد دوماً أنه يرعى لقاءاتٍ للمصالحة. وكان أدار مفاوضات سرية من تونس مع زعماء ميليشيات في العاصمة، من بينها كتيبة «النواصي»، لتأمين الحماية له لدى عودته. ومنذ وصوله إلى قاعدة أبو ستة البحرية في العاصمة، تمكن ستة وزراء من حكومته من الاستقرار في مقار كان يشغلها وزراء حكومة «الإنقاذ» الإسلامية، كما تحالف مع رجال مصراتة.
برغم ذلك، تحاول هذه الحكومة تخطي فقدان الشرعية التي لم تحصل عليها بعد، إذ لم يصوت برلمان طبرق المعترف به على إعطائها الثقة، خصوصاً بسبب تهميش قائد عملية «الكرامة» خليفة حفتر الذي يقاتل الإسلاميين في الشرق. وكان حفتر بدوره أعلن عزم قواته على التقدم باتجاه سرت لتحريرها من «داعش» بعد التقدم الذي أحرزه في بنغازي وأجدابيا، وانسحاب «داعش» من درنة، فيما تقدم التنظيم المتطرف للمرة الأولى غرباً وسيطر على أبو قرين التي تعد ممراً استراتيجياً إلى مصراتة.
ويحاول السراج جعل «تحرير سرت» هدفاً وطنياً، لكن حفتر يرفض التعاون معه، لا سيما بعد استثنائه من العملية السياسية الجديدة التي انطلقت في ليبيا.
وفيما تسعى قوات مصراتة إلى حجز مكان لها في المشهد السياسي الليبي الجديد، يتعين على حفتر، من جهة أخرى، إذا ما قرر الاستمرار بنيته التقدم إلى سرت، تجاوزَ قوات حرس المنشآت النفطية بقيادة ابراهيم الجضران، الذي كان متحالفاً معه في السابق، لكنه أعلن دعمه لحكومة «الوفاق».
واعتبر رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الايطالي نيكولا لاتوري أمس ان «التسابق» على تحرير سرت «خطأ ولا يمكننا ان نقبل بهذا الانقسام»، مضيفاً ان اجتماع فيينا «قد يكون مفيداً في التأكيد على هذا الرأي» والاستعداد لكل الاحتمالات.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...