لماذا لم يتجاوب الخليجيون مع مطالب بوش في زيارته الأخيرة
الجمل: العلاقات، أي علاقات، إما أن تكون علاقات تعاون أو علاقات صراع وعلى هذا الأساس تشكلت العلاقات بين الكيانات السياسية الموجودة في البيئة الدولية المعاصرة، وبالنسبة للشرق الأوسط وتحديداً الخليج العربي فقد لعبت العلاقات العربية – الفارسية القديمة دوراً كبيراً في تشكيل قوام العلاقات الخليجية – الإيرانية، ولما كانت العلاقات العربية – الفارسية حافلة بشتى أنواع ومراحل التعاون والصراع، فقد جاءت العلاقات الخليجية – الإيرانية على مدى نصف القرن الماضي حافلة أيضاً بأنماط التعاون والصراع، وتشير معطيات الخبرة التاريخية المعاصرة إلى مدى نجاح الأطراف الثالثة –أمريكا وإسرائيل- في التدخل واللعب على خطوط العلاقات الخليجية – الإيرانية عن طريق تقليل علاقات التعاون إلى أقل ما يمكن وتصعيد علاقات الصراع إلى أكبر ما يمكن.
* الأطراف الثالثة ونظرية أمن الخليج:
نموذج الأمن الإقليمي لأي منطقة في العالم يقوم على تكامل أطراف مثلث البعد الهيكلي – البنائي، والبعد القيمي – الإدراكي، والبعد التفاعلي – السلوكي، وقد نجحت أمريكا في تصعيد الصراع الخليجي – الإيراني منذ فترة حكم الشاه حيث قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم شاه إيران وحرضتاه على القيام بدور شرطي الخليج، واحتلال الجزر الخليجية والسيطرة على مضيق هرمز، الأمر الذي أدى إلى تزايد شكوك الخليجيين في مصداقية وجدوى إمكانية التعاون الخليجي – الإيراني، مما أدى إلى تزايد كراهية الخليجيين لإيران. وبعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية تحولت الولايات المتحدة إلى التأثير على الإدراك الخليجي على النحو الذي جعل الخليجيين يتصورون أنهم واقعون تحت فزاعة خطر التمدد الإيراني – الشيعي.
دعمت الولايات المتحدة نموذج بناء تحالف خليجي – عراقي لمواجهة "الخطر الشيعي الإيراني" المفترض أمريكياً، وبالفعل دعمت الولايات المتحدة نظام الرئيس الراحل صدام حسين الذي أشعل حربين مدمرتين في مواجهة إيران، وقد كشفت المعلومات لاحقاً أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا تقومان "سراً" بدعم إيران في مواجهة العراق الذي كانت تدعمه أمريكا "علناً" بما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وفقاً لصيغة اللامنتصر – اللامهزوم والتي تؤدي فقط إلى إنهاك وتدمير قوة الطرفين.
* لعبة الخليج العربي وإدارة توازن القوى:
غزو أمريكا واحتلال العراق قضى على توازن القوى الإقليمي بين إيران والعراق، على النحو الذي أدى إلى صعود قوة إيران، وبالفعل لا يمكن القول في البداية بأن الأمريكيين لم يكونوا يدركون ذلك، وهم الذين خططوا في السابق لتوازن القوى العراقي – الإيراني، فالأمريكيون يفهمون تماماً أن القضاء على قوة العراق، وفقاً للحسابات الإقليمية معناه، صعود قوة إيران، وكان السيناريو المسبق الذي أعده وتحسب له الأمريكيون منذ مطلع الثمانينات عندما أنشأوا قاعدة دييغو غارسيا في جنوب المحيط الهندي، وشكلوا قوات الانتشار السريع ونشروا قطعاتها في كينيا وجيبوتي وميناء الغردقة المصري الواقع على ساحل البحر الأحمر كانوا يفهمون تماماً بأن هذه الخطوة تمثل الخطوة الأولى التي سوف تعقبها الخطوة الثانية التي تتضمن انتقال هذه القوات إلى العمق الجيوسياسي السعودي – الخليجي، وهو ما حدث بالفعل ليس عند غزو واحتلال العراق وإنما منذ فترة حرب عاصفة الصحراء التي هدفت لإخراج القوات العراقية من الكويت.
* الإدارة الأمريكية وقواعد "لعبة" الخليج العربي:
لكل لعبة قواعد عامة، وقواعد خاصة، تختلف بحسب طبيعة اختلاف طبيعة وزمان ومكان اللعبة. وتأسيساً على ذلك يمكن القول بأن قواعد "لعبة" الخليج العربي التي تستند عليها الإدارة الأمريكية في "إدارة" ميزان القوة وتوازن القوى هي قواعد تتمثل في الآتي:
• الأوراق الداخلية: وتقوم على:
* نشر القوات الأمريكية المكثف داخل دول الخليج العربي بما يضع هذه الدول تحت الاحتلال العسكري الأمريكي "غير المعلن".
* تشكيل إدراك النخب الخليجية وفقاً لمتطلبات نموذج "الخطر الإيراني" المهدد لأمن الخليج.
* الربط بين الوجود الأمريكي واستمرار بقاء النخب الخليجية الحاكمة.
* فرض التبعية الاقتصادية والسياسية.
• الأوراق الإقليمية: وتقوم على:
* إبعاد دول الخليج عن بقية الدول العربية بحيث يقتصر دورها العربي على الحد الأدنى.
* ربط الأمن الخليجي بالأمن الإسرائيلي على النحو الذي يمهد لقيام نموذج أمني إقليمي خليجي – إسرائيلي موحد.
* قطع الطريق أمام أي تعاون إقليمي حقيقي خليجي – إيراني.
• الأوراق الدولية: وتقوم على:
* وضع منطقة الخليج ضمن نطاق المجال الحيوي للأمن القومي الأمريكي.
* دفع دول الخليج باتجاه التورط في التحالفات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
* قطع الطريق أمام أي تعاون دولي خليجي – صيني، خليجي – روسي.
* النموذج الأمني الخليجي في مفترق الطرق:
آخر الأحداث والوقائع التي أوردتها المعلومات والتسريبات القادمة من الخليج تشير إلى الآتي:
• عدم تجاوب الخليجيين مع أجندة زيارة الرئيس بوش الأخيرة.
• إدراك الخليجيين المتزايد لمدى خطورة "فزاعة" الخطر الإيراني التي ظلت النخب الخليجية واقعة تحت تأثيرها.
• إدراك الخليجيين لحقيقة الدمار الشامل المتبادل المؤكد الذي سيحدث إذا اندلعت الحرب الإيرانية – الأمريكية والتي ستكون أولى نتائجها الدمار الكامل لمنطقة الخليج.
• إدراك الخليجيين لحقيقة النموذج الأمني الإقليمي الذي تحاول الإدارة الأمريكية التأسيس له بما يجمع الخليجيين وإسرائيل ضمن مجال أمني حيوي واحد.
• إدراك الخليجيين إلى أن الوجود العسكري الأمريكي المكثف على الجانب العربي من الخليج سوف يترتب عليه وجود عسكري إيراني مكثف على الجانب الإيراني من الخليج.
من الواضح أن الإدراك الخليجي قد جاء متأخراً جداً خاصة وأن الوجود العسكري الأمريكي المكثف من الصعب التخلص منه دفعة واحدة، وطالما أن دول الخليج لا تملك مقومات القوة العسكرية النظامية التي تتيح لها طرد القوات الأمريكية ولا مقومات القوة الشعبية التي تتيح لها الدخول في أعمال المقاومة المسلحة على غرار النموذج العراقي، وليس من سبيل أمام دول الخليج سوى استخدام الوسائل الدبلوماسية وضمن فترة زمنية طويلة وتقديم المزيد من التنازلات "المؤلمة" التي سوف يكون أقلها النفط والمال الخليجي.
المعلومات الواردة من منطقة الخليج تشير إلى الكثير من التأكيدات المتعلقة بحقيقة سباق التسلح الدولي الذي أصبحت تتعرض له منطقة الخليج، وحالياً أصبحت عملية سباق التسلح تشهد في منطقة الخليج المزيد من المشاهد والتطورات الدراماتيكية.
• على الجانب العربي من الخليج وبعد زيارة الرئيس بوش الأخيرة جاءت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والتي تمخض عنها توقيع اتفاقية فرنسية – إماراتية، منحت الإمارات بموجبها فرنسا حق إقامة قاعدة عسكرية فرنسية.
• على الجانب الإيراني وبعد اتفاق القاعدة الفرنسية تغيرت الحسابات الإيرانية، وتقول المعلومات بأن الإيرانيين أصبحوا أكثر قبولاً لمنح الصين حق إقامة قاعدة عسكرية على أحد المواني الإيرانية المطلة على الخليج العربي.
التحول والتغير الذي طرأ على الحسابات الإيرانية ينظر إليه المحللون باعتباره تحولاً ليس في الحسابات الإيرانية وحسب وإنما في الحسابات الصينية كذلك. بكلمات أخرى، فإن معادلة التوازن الجيوبوليتيكي الإقليمي المتعلقة بمنطقة الخليج والقائمة على أساس اعتبارات فرضية سعي الطرف الخليجي إلى التحالف الخارجي مع أمريكا وفرنسا والغرب بما يمكنه من موازنة القوة الإيرانية الصاعدة على الطرف الآخر من الخليج، هي معادلة أدت إلى التأثير في معادلة التوازن الجيوبوليتيكي العالمي المتعلقة بالخارطة الإستراتيجية العالمية والقائمة على أساسا اعتبارات إعادة هيكلة النظام الدولي التي تحاول أمريكا فيها الانفراد بزعامة نظام القطبية الواحدة من جهة ومن الجهة الأخرى تحاول الصين وروسيا الدفع باتجاه نظام القطبية المتعددة باعتبار أن تعدد الأقطاب يؤدي بالضرورة إلى توازن النظام الدولي المعاصر الذي يتعرض للتشوهات من جراء صعود قوة أمريكا الإقليمية والدولية.
"لعبة الخليج" بشكلها الجديد القادم لن تكون كل أوراقها في يد الإدارة الأمريكية لأن الكثير من الفاعلين الدوليين سوف يدخل إلى حلبتها، فوصول الصين إلى المنطقة لم يكن أمراً غريباً وإن كان غير متوقع وعلى ما يبدو، وكما تشير مشاهد سيناريو الصراع الدولي بأن الوصول الصيني قد تم على مراحل:
• دخلت الولايات المتحدة في اتفاقية تعاون نووي قوي مع الهند، من أجل تكملة حلقة محاصرة الصين من الناحية الجنوبية. بكلمات أخرى، الاتفاق الأمريكي – الهندي يكمل حلقة سلسلة الاتفاقيات الأمريكية التي تشمل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وفيتنام والفلبين وأستراليا وبورما.
• ردت الصين على اتفاق التعاون النووي الأمريكي – الهندي باتفاق نووي صيني – هندي أتاحت فيه مزايا أفضل للهند على النحو الذي دفع الهنود إلى تجاهل الاتفاق مع أمريكا والذي تضمن الكثير من المشروطيات التي تضع على عاتق الهند القيام بمهام صعبة في الحرب ضد الإرهاب وتبني الأجندة الأمريكية المعادية للصين وروسيا ودول منظمة تعاون شنغهاي.
• حاول الصينيون مراراً وتكراراً الدخول في اتفاقيات ثنائية مع باكستان بما يؤدي إلى حدوث نفس سيناريو الاتفاق الصيني – الهندي ولكن الولايات المتحدة تشددت في منع نظام الجنرال مشرف من الدخول في أي اتفاقيات مع الهند.
• الآن قفزت الصين من الهند إلى الخليج دفعة واحدة وذلك بموجب الاتفاق الصيني – الإيراني.
بكلمات أخرى، ولما كانت الصين عضواً أساسياً في منظمة تعاون شنغهاي التي تمثل الكتلة الجيوبوليتيكية المقابلة لحلف الناتو وتكتل علاقات عبر الأطلنطي فإن وجود الصين في الخليج العربي معناه أن دول منظمة تعاون شنغهاي التي تضم روسيا ودول آسيا الوسطى الصاعدة قد أصبحت تقف تماماً على ضفة الخليج العربي الشرقية في مواجهة أمريكا وفرنسا وبقية التحالف الغربي الذي يقف على ضفة الخليج العربي الغربية، على النحو الذي جعل مياه الخليج العربي تلعب نفس الدور الذي كان يلعبه حائط برلين الفاصل بين الكتلة الاشتراكية الشرقية والكتلة الرأسمالية الغربية مع اختلاف واحد يتمثل في أن الجدار الحالي يفصل بين قوى شيعية وقوى سنية فهل دخل الخليج مرحلة الحرب الباردة السنية – الشيعية أم أن الأمر مجرد سيناريو سوف ينتهي بمجرد جفاف آبار النفط على الجانب الخليجي الغربي؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد