ما الرابط بين اغتيال النائب عيدو والحرب الفلسطينية وتفجير مرقد الإمام

15-06-2007

ما الرابط بين اغتيال النائب عيدو والحرب الفلسطينية وتفجير مرقد الإمام

الجمل:    لم يكد يمضي أسبوع على الذكرى الأربعين لنكسة حرب حزيران، إلا وبدا المشهد السياسي الشرق أوسطي ملبداً بدخان البارود والقنابل، ومناظر الدماء التي أصبحت تتبارى الفضائيات في عرض أكثرها إثارة.
الاغتيال السابع في لبنان للنائب وليد عيدو، والحرب الفلسطينية- الفلسطينية، والتفجير الثاني لمرقد الإمام الشيعي العسكري، جميعها تنذر بالخطر الوشيك، والمستقبل المظلم الذي ينتظر المنقطة.
•       الظاهرة والتعريف:
تندرج الأحداث الثلاثة المشار إليها، ضمن ظاهرة العنف السياسي، وهو العنف الذي ينشأ ويتولد بتأثير الأسباب السياسية، ويهدف أيضاً إلى تحقيق الأهداف والغايات السياسية، عن طريق استخدام وسائل القوى المتاحة، بما يؤدي لكسر إرادة الطرف الآخر وإرغامه على قبول شروط الطرف الأقوى باعتبارها أمراً واقعاً.
يعرف العنف السياسية بأنه استخدام القوة أو التهديد باستخدامها من أجل تحقيق الأهداف السياسية، وتعمق باحثو علم الاجتماع السياسي أكثر فأكثر في تعريف العنف السياسي، وأضافوا للتعريف السابق مفهوم العنف باعتباره حالة هيكلية تشتمل على نوعين من العنف هما: العنف السلوكي الظاهر، والعنف البنيوي الكامن.
       بيئة العنف السياسي الشرق أوسطي:
بعد خبرة الأعوام الستة السابقة التي أعقبت أحداث الحالي عشر من أيلول، والأعوام الأربعة التي أعقبت غزو واحتلال العراق، والأعوام الثلاثة التي  أعقبت اغتيال الحريري، لم يعد من الممكن الاكتفاء بالتحليل الجزئي لوقائع وأحداث العنف السياسي الثلاثة التي تشهدها المنطقة الآن، وذلك لأن هذه الأحداث أصبحت مترابطة بشكل لا ينفصل، وذلك لأنها شكلت (منظومة ثلاثية) مترابطة العناصر، ومتبادلة التأثيرات العنف السياسي في لبنان: وفقاً لمفهوم وتعريف العنف كحالة هيكلية، يتكون من نوعين، هما: عنف سلوكي ظاهر يتمثل في الاغتيالات، والتفجيرات، ومعارك المخيمات.. وعنف بنائي كامن ضمن الهيكل والبنيات المنقسمة للمجتمع اللبناني، مشكلاً ما يعرف بمخزونات العفن الخفي المحتقن حالياً في المجتمع اللبناني.
-         العنف السياسي في العراق:
وفقاً لمفهوم وتعريف العنف كحالة هيكلية، يتكون من نوعين، هما: عنف سلوكي ظاهر يتمثل في التفجيرات، الاغتيالات، فرق الموت.. وغيرها، وعنف بنائي كامن ضمن الهياكل والبنيات المنقسمة للمجتمع العراقي، مشكلاً ما يعرف بمخزونات العنف الخفي المحتقن حالياً في المجتمع العراقي.
-         العنف السياسي في فلسطين:
وفقاً لمفهوم وتعريف العنف كحالة هيكلية، يتكون من نوعين، هما: عنف سلوكي ظاهر يتمثل في التفجيرات، الاغتيالات، وحرب الشوارع الدائرة الآن في غزو، وعنف بنائي كامن ضمن الهياكل والبنيات المنقسمة للمجتمع الفلسطيني، مشكلاً ما يعرف بمخزونات العنف الخفي المحتقن حالياً في المجتمع الفلسطيني.
القراءة في (بروشور) العنف السياسي الشرق أوسطي تشير إلى وجود عدد متنوع من الأصناف والأشكال، ففي لبنان مثلاً يتفشى العنف الرمزي القائم على التمييز ضد الآخر، فالماروني ضد السني والشيعي، والشيعي ضد الماروني والسني، وهكذا دواليك.. أما في العراق، فالمكونات الثلاثة: الشيعي، السني، الكردي، أصبحت تعمل بنفس الطريقة اللبنانية.. أما في فلسطين، فالتنميط والترميز السائد لا يقوم على الأساس الطائفي وإنما على أساس الانتماء السياسي الفصائلي، بحيث أصبح هناك الحماسي، والفتحاوي.. وهلم جرا..
العنف الرمزي يغذي العنف المادي، وبعبارة أخرى: العنف الكامن الخفي (الرمزي) يغذي بشدة العنف الظاهر (المادي)، بحيث أصبحت العلاقة بينهما مثل علاقة البيضة بالدجاجة، طالما أن كل واحد منهما عندما يكتمل نموه يلد الآخر.
•       توليد العنف السياسي:
السؤال القائل: من الذي ولّد هذا العنف؟ هو التعبير الصحيح والبديل المناسب في هذه اللحظة عن الأسئلة الجزئية الساذجة، القائلة من قتل وليد عيدو في بيروت اليوم، ومن فجّر مرقد العسكري في سامراء العراقية، ومن أشعل الحرب الفلسطينية؟.
من الصعب جداً التوصل إلى شخص بعينه باعتباره المسؤول عن هذه الأحداث الفاجعة، وذلك لأن (تكنولوجيا القتل) المتطورة التي تعتمد تقنية الكمبيوتر، وتكنولوجيا الاتصالات أصبحت قادرة على إخفاء معالم الجريمة بـ(كبسة على الماوس) وبعدها تنمحي وتزول كل المعالم التي كانت على الشاشة..
النظرية الأكثر نجاحاً في تفسير ما حدث بالأمس، وسوف يحدث غداً وبعد غد.. مثلما كان من قبل.. هي نظرية النظم، والتي تقول بأن وقائع العنف الجارية حالياً في الشرق الأوسط هي منظومة متداخلة مترابطة تهدف  إلى إحداث التأثيرات الجزئية (على مستوى الدول) والتأثيرات الكلية (على مستوى المنطقة والعالم).
فالذين قتلوا النائب اللبناني وليد عيدو، يريدون توظيف دماء القتيل من أجل الآتي:
-         رفع مستوى مخزونات العنف الكامن بين الطوائف والكيانات السياسية اللبنانية، وذلك بحيث تظل عالية المنسوب.
-         إيجاد المزيد من الذرائع والمبررات التي تمهد للآتي:
* إصدار قرار جديد بواسطة مجلس الأمن يتيح قدراً أكبر من التدخل الدولي في لبنان.
* إيجاد المبررات لحكومة السنيورة من أجل طلب المزيد من (المساعدات) و(تدخل الأطراف الأخرى).
* الإضرار بمواقف المعارضة اللبنانية.
* دفع الشارع اللبناني باتجاه المزيد من الاصطفاف السياسي في الاتجاه الذي يخدم توجهات تسويق العداء لسوريا، تمهيداً للتعامل مع إسرائيل.
* توفير الذرائع لحكومة السنيورة من أجل القيام بالمزيد من عمليات اقتحام المخيمات الفلسطينية.
* إقناع الشارع اللبناني بضرورة نشر القوات الدولية على الحدود السورية.
وبالنسبة للذين فجروا مرقد الإمام العسكري للمرة الثانية، فيريدون توليف الحدث من أجل الآتي:
* حقن المجتمع العراقي بجرعة إضافية تؤدي إلى المزيد من الشحن والكراهية بين السنة والشيعة.
* قطع الطريق أمام قيام تحالف سني- شيعي يهدف لمقاومة الاحتلال.
إحداث فتنة سنية- سنية، وحالياً تقوم حكومة المالكي وقوات الاحتلال الأمريكية بتسليح بعض الأطراف السنية تمهيداً لاستخدامها ضد الأطراف السنية الأخرى التي تقوم بعبء المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي.
* تقول الأسانيد الزائفة بأن القاعدة موجودة في العراق، وتعمل من أجل إثارة الفتنة والحرب الأهلية، وبالتالي لابد من استمرار الوجود العسكري الأمريكي ورفع عدد القوات الأمريكية.
* تحريض الأطراف الشيعية المتشددة على القيام بعمليات قتل السنة.
* إيجاد المبررات لاستهداف دول الجوار العراقي.
* تحويل انتباه الشارع العراقي لما سوف يحدث في كردستان خلال الفترة القادمة.
أما الذين أشعلوا حرب الشوارع الفلسطينية- الفلسطينية في قطاع غزة، فيريدون توظيف الحدث من أجل الآتي:
* تصعيد الكراهية بين الفلسطينيين بما يؤدي لإضعاف الروابط والعلاقات الفلسطينية- الفلسطينية.
* القضاء على مصداقية الشعب الفلسطيني أمام الرأي العام العالمي والدولي.
* إيجاد المبررات والذرائع لإسرائيل وأمريكا لكي تتصرف من طرف واحد دون اعتبار الفلسطينيون الذين يمارسون (فعل الإرهاب ضد بعضهم البعض).
* الضغط على محمود عباس وفصيل فتح التابع له من أجل تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل وقبول شن حرب البروكسي ضد حماس والجهاد الإسلامي بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل.
* مساعدة إسرائيل في التقدم خطوة للأمام من أجل تنفيذ عملية التخلص الكامل من الاتفاقيات التي وقعتها مع الفلسطينيين، وبالذات خارطة الطريق، وفك الارتباط.
* إعطاء المبررات الجديدة لإسرائيل بحيث تغض النظر عن قرار محكمة العدل الدولية وتقوم ببناء الجدار العازل في أقرب فرصة.
* التأثير سلباً على العلاقات الفلسطينية- السورية، والفلسطينية- الإيرانية.
* إيجاد الذرائع لقيام إسرائيل بمزيد من الاغتيالات المستهدفة بحق زعماء وقادة وعناصر الفصائل الإسلامية.
* التخلي الكامل عن حل إقامة الدولتين.. وهذه المرة سوف تتذرع إسرائيل بأن حل إقامة الدولتين سوف يهدد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.. وبالتالي يتوجب على إسرائيل التدخل في المناطق الفلسطينية وتعزيز وجودها العسكري المكثف هذه المرة، لحماية الفلسطينيين الأبرياء من خطر المسلحين الذين يطلقون النار على الناس في الشوارع بلا سبب.
وعموماً، تشير المعلومات السابقة والحالية إلى وجود منظومة كلية تعمل على أساسها ماكينة العنف السياسي الشرق أوسطي، ولن نكون بعيدين عن الصواب لو قلنا بأن ( تل أبيب- واشنطن) هل كابينة القيادة التي يتم من داخلها تشغيل وإدارة هذه الماكينة، وفقاً معادلة البرمجة والمتعارف عليها: المدخلات، المخرجات، والتغذية العكسية.. وحالياً تدور الماكينة وتقوم بمعالجة المدخلات اللبنانية، والعراقية، والفلسطينية.
أما المدخلات التي لم يتسن بعد لمشرفي كابينة القيادة معالجتها بالماكينة، فهي: سوريا، إيران، السودان، وليبيا.. فسوريا تخطط كابينة القيادة معالجتها في المستقبل وفقاً لبرنامج (العقوبات أو الحرب مع إسرائيل)، والسودان وفقاً لبرنامج العقوبات، وحصراً (النفط مقابل الغذاء)، أما  إيران فكما قال العراب ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي: (كل الخيارات مدرجة على الطاولة).. بدءاً من فرض العقوبات، وحتى الضربات النووية.. وقياساً على ما سبق، فإن عملية اغتيال النائب وليد عيدو ليست سوى ضربة (كليك) بواسطة الماوس الموجود في كمبيوتر كابينة (واشنطن- تل أبيب)، وسوف تتكرر هذه الضربات طالما أن السنيورة وزعماء قوى 14 آذار يبذلون قصارى جهدهم في الكشف عن هوية من هم في كابينة القيادة، وعلى ما يبدو فإن برنامج عمل كابينة القيادة إزاء لبنان قد دخل في مرحلة التغذية العكسية، والتي تهدف إلى التخلص من أخلص الشركاء والحلفاء اللبنانيين، خاصة الذين أصبحوا يعرفون أكثر مما يجب عن برنامج عمل (واشنطن- تل أبيب) في لبنان، لأنه بعد أحداث مخيم نهر البارد، وعمليات تصفية عناصر جماعة فتح الإسلام. فإن الخطوة التالية، بحسب تقاليد الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، هي تطبيق وتنفيذ الإجراءات الوقائية اللازمة لضمان عدم تسريب الأسرار مثل من الذي يقف وراء تسليح فتح الإسلام، ولماذا جاؤوا إلى لبنان، ومن الذي جاء بهم، وكيف جاؤوا، وبأي طائرة، ومن كان يقدم لهم الطعام والكساء والمال والحماية القانونية؟ وماذا قال ديفيد وولش بشأنهم؟ بل وما هي (قصة) منتدى اليهودي الأمريكي ديفيد وولش اللبناني؟ ومن هم أعضاؤه؟   وما هي أجندة السفير الأمريكي في بيروت فيلتمان التي كان يزود بها زعماء 14 آذار؟ و... و... و...
إذاً على زعماء 14 آذار أن لا يستغربوا، فهكذا يكافئ الموساد ووكالة المخابرات المركزية حلفاء أمريكا وشركائها.
كما يتوجب عليهم القبول بالأمر الواقع باعتبار أن عملية (إسكات) الحلفاء والشركاء من تقنيات العمل الاستخباري.. وقد كان الفقيد من زعماء قوى 14 آذار الذين قادوا ثورة الأرز، عادوا المقاومة اللبنانية، وسوّقوا العداء لسوريا والفلسطينيين..
وأخيراً على حلفاء أمريكا في المنطقة كتابة مذكراتهم وتفصيل كل الحقائق والأسرار الدفينة، وذلك قبل أن ترغمهم كابينة (تل أبيب- واشنطن) على الرحيل ودفنها معهم إلى الأبد.. وعندها لن يمجدهم أ حد سوى شبكة أخبار فوكس نيوز التابعة للمحافظين الجدد، وتلفزيون المستقبل، وصديقهم جورج بوش وبقية زعماء قوى 14 آذار، والذين سوف يسارعون جميعاً لاستغلال وتوظيف الحدث واتهام سوريا والسوريين على النحو الذي يدفع عمل ماكينة (تل أبيب- واشنطن) خطوة للأمام في اتجاه تنفيذ المخطط المطلوب.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...