ما هي طبيعة التعاون الفرنسي- الأمريكي في ملفي لبنان ودارفور
الجمل: التنسيق الفرنسي- الأمريكي خلال فترة الرئيس جاك شيراك، الذي بدا واضحاً في تعاونهما على مستوى مجلس الأمن الدولي في ملفات لبنان ودارفور، هو (تنسيق) بدأت الخطوات التمهيدية له بعد صعود ساركوزي لتحويله إلى (تكامل) سياسي، عسكري، أمني، اقتصادي، ضمن ما يُعرف بـ(الشراكة الاستراتيجية الأمريكية- الفرنسية الجديدة)، والتي يمكن استعراضها على النحو الآتي:
- الجانب العسكري: قام خبراء البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) بتقسيم العالم إلى مناطق عسكرية بحيث تشرف على كل منطقة قيادة عسكرية منفصلة، وهي: القيادة الشمالية- القيادة الأوروبية- القيادة الوسطى- القيادة الباسفيكية- القيادة الجنوبية- والقيادة الافريقية.. وتتوزع ضمن هذه المناطق العسكرية شبكة القواعد العسكرية الأمريكية والأساطيل البحرية.
بالنسبة لفرنسان فقد ظلت فرنسا تحتفظ بعدد محدد من القواعد العسكرية البرية والبحرية وبدرجة أكبر الجوية، وذلك في بعض الدول التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية، ففي جنوب شرق آسيا توجد قواعد عسكرية فرنسية، وفي افريقيا توجد قواعد عسكرية فرنسية، وفي أمريكا اللاتينية توجد قواعد عسكرية فرنسية.
وما هو مطلوب أمريكياً- فرنسيا، تحقيق التكامل الميداني بين القوات الفرنسية والقوات الأمريكية، في مسارح العمليات المحتملة، ويسعى الخبراء الأمريكيون والفرنسيون إلى تحقيق التكيف العسكري بين قوات الانتشار السريع الأمريكية وقوات الانتشار السريع الفرنسية، وبين القوات الجوية الأمريكية، والقوات الجوية الفرنسية، وبين البحرية الأمريكية والبحرية الفرنسية، إضافة إلى تطوير وتعزيز التنسيق في مجالات عمل هيئات الأركان الأمريكية- الفرنسية المشتركة بما يعطي الجاهزية للطرفين في القيام بالعمليات العسكرية المشتركة، وتشير بعض المعطيات إلى أن الخبرات الميدانية سوف يتم تطويرها عن طريق التعاون العسكري الأمريكي- الفرنسي في إجراء المناورات والتدريبات المشتركة البرية والبحرية والجوية، وأيضاً في مجالات قوات حفظ السلام الدولية والتي سوف يعمل الطرفان على التعاون في تخطيط مهامها وتشكيلها، وذلك لأن القوات الدولية و قوات حفظ السلام سوف تكون مجرد قوات ترفع علم الأمم المتحدة ولكنها في حقيقة الأمر سوف تكون قوات أمريكية- فرنسية مشتركة.
- الجانب الأمني: استطاعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أن تقوم بالسيطرة على السفارات الأمريكية، بحيث أصبحت السفارات المركزية المنتشرة في بلدان العالم بمثابة (محطات خارجية) لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والشيء نفسه بالنسبة لجهاز الأمن الخارجي الفرنسي، والذي استطاع أن يحقق وجوداً فاعلاً في السفارات والبعثات الدبلوماسية الفرنسية، ولما كان الفرنسيون أكثر قدرة من الأمريكيين في جمع المعلومات الاستخبارية الخاصة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، في الكثير من بلدان العالم الثالث، إضافة إلى وجود الأعداد الكبيرة من المتعاونين مع جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية من مواطني البلدان الفرانكفونية، ولما كان الأمريكيون أكثر تطوراً في استخدامات التكنولوجيا المتطورة في العمل الاستخباري، فإن التوقعات تقول باحتمال إقامة كيان استخباري أمريكي- فرنسي مشترك يهدف إلى تعزيز الشراكة الاستخبارية بين البلدين، وتبادل المعلومات ووضع الخطط، والقيام بعمليات مشتركة، في المناطق المستهدفة حالياً، مثل لبنان، والذي يتوقع أن تقوم فيه فرنسا بالكثير من العمليات المشتركة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
- الجانب السياسي: التعاون الفرنسي الأمريكي سوف يتم على ثلاثة محاور هي:
* المحور الدولي:سوف يتم تطوير التنسيق الموجود بين البلدين حالياً في مجلس الأمن الدولي، بحيث يشمل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، كذلك سوف يتم تعزيز التنسيق بين فرنسا وأمريكا في أنشطة وفعاليات مجموعة الثمانية.
* المحور الإقليمي: سوف يتم تطوير التنسيق الفرنسي- الأمريكي الجاري حالياً في منطقة شرق المتوسط، وغرب افريقيا، بحيث يغطي أقاليم العالم الأخرى، مثل آسيا الوسطى، والقفقاس، أمريكا الوسطى، الكاريبي، وأمريكا الجنوبية، والخليج العربي، وشبه القارة الهندية... وغيرها.
تعزيز التعاون الفرنسي- الأمريكي في الاتحاد الأوروبي، بحيث تعمل فرنسا جنباً إلى جنب مع بريطانيا، وألمانيا من أجل دفع الاتحاد الأوروبي إلى الالتزام بـ(ثوابت) علاقات عبر الأطلنطي والتي يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين بريطانيا- فرنسا- ألمانيا من جهة، والولايات المتحدة من الجهة الأخرى.
كذلك سوف يكون هناك تنسيق أمريكي- فرنسي أكبر ضد روسيا والصين باعتبارهما يشكلان الخطر المحتمل الأكثر تهديداً لفرنسا وأمريكا.
* المحور المحلي: سوف يكون هناك تعاون فرنسي- أمريكي في كافة الجوانب والاعتبارات المتعلقة بالأمن السياسي الداخلي الفرنسي، والأمن السياسي الداخلي الأمريكي، وسوف يتم التنسيق حول ذلك بين أجهزة الأمن الداخلي الفرنسية وأجهزة الأمن الداخلي الأمريكية..
وعموماً، لقد تهادنت واتفقت القوى الاستعمارية في الماضي على اقتسام منطقة شرق المتوسط وفقاً لـ(اتفاقية سايكس- بيكو)، واقتسام الدول الافريقية وفقاً لـ(اتفاقية مؤتمر برلين).. والآن تسعى هذه القوى نفسها لاقتسام العالم ضمن صيغة جديدة، ومع ذلك فإن الفرق بين ما يحدث حالياً، وما حدث في الماضي عن طريق اتفاقيتي سايكس- بيكو، ومؤتمر برلين، هو فرق لن يكون كبيراً وحسب، بل ومتبايناً على أساس الاعتبارات الكمية والنوعية، ففي الماضي أخذت فرنسا الحصة المقررة لها في اتفاقيات القوى الاستعمارية، ولكن اليوم ما هو واضح أن أمريكا لن تمنح فرنسا شيئاً، بل سوف تستغل وتوظف قوة فرنسا ليس لخدمة المصالح الأمريكية وحسب بل ولخدمة المصالح الأمريكية، وهناك تجربة واضحة وضوح الشمس لهذا النوع من الشراكات الاستراتيجية، وهو الشراكة الأمريكية- البريطانية في غزو واحتلال العراق، وهي الشراكة التي خططت ووضعت بنودها الأساسية جماعة المحافظين الجدد على النحو الذي جعل بريطانيا تقدم كل شيء ولا تحصل على شيء في نهاية الأمر.
وتأكيداً لذلك نقول: ما الذي حصلت عليه بريطانيا مقابل دعمها لأمريكا في غزو واحتلال العراق؟ والإجابة كما يقول البريطانيون أنفسهم هي: لا شيء.. فقد أخذت الشركات الأمريكية كل التعاقدات، بما في ذلك عقود كنس وشطف و(كب) النفايات.. وحالياً على الفرنسيين قبل الدخول في الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا أولاً وقبل كل شيء أن يجيبوا بوضوح على السؤال القائل: ما الذي سوف تحصل عليه فرنسا من مشاركة أمريكا؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد