متى تعتبر الحكومة السورية مستقيلة أو في حكم المستقيلة؟
الجمل- المحامي عبد الله سليمان علي: إذا رجعنا إلى الدستور اللبناني نجد أنه يحدد، بنص خاص، الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة. وقد وردت هذه الحالات في المادة 69 من هذا الدستور والتي تنص على أنه :
((1- تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية:
أ- إذا استقال رئيسها.
ب- إذا فقدت أكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.
ج- بوفاة رئيسها.
د- عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
ه- عند بدء ولاية مجلس النواب.
و- عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة.
2- تكون إقالة الوزير بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة.
3- عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة )) .
حالات اعتبار الحكومة مستقيلة
رغم أن الدستور السوري يخلو من نص مشابه يحدد حالات اعتبار الحكومة مستقيلة، إلا أن هناك نصوص متفرقة يمكننا من خلالها استخلاص بعض الحالات المماثلة لما ورد في الدستور اللبناني تعتبر بموجبها الحكومة السورية مستقيلة. وهذه الحالات هي : 1- استقالة الحكومة أو إقالتها من قبل رئيس الجمهورية (96 من الدستور) . 2- حجب الثقة عن الحكومة من قبل مجلس الشعب (ف 8 م 71 من الدستور). 3- وفاة رئيس الحكومة. ورغم عدم وجود نص خاص بها في الدستور السوري إلا أننا نعتقد أنه لا خلاف على اعتبار الحكومة مستقيلة في حالة وفاة رئيسها.
وبما أن الحالة المنصوص عليها في الفقرة (ب) من الدستور اللبناني هي حالة خاصة بالجمهورية اللبنانية وتتعلق بالنظام الديمقراطي التوافقي القائم على أساس التقسيم الطائفي المعمول به هناك لذلك لا مجال لبحث هذه الحالة في الدستور السوري.
تبقى هناك الحالتان المنصوص عنهما في الفقرتين (د،هـ) من المادة 69 الدستور اللبناني وهما :
د-عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
ه- عند بدء ولاية مجلس النواب.
فما هو حكم هاتين الحالتين في الدستور السوري؟ وهل تعتبر الحكومة السورية مستقيلة فيهما كما هو حال الحكومة اللبنانية؟ أم ثمة خلاف بين الدستورين في هاتين النقطتين؟
هل تعتبر الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية جديدة لمجلس الشعب؟
إن الدستور اللبناني عندما قرر اعتبار الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية أو بدء ولاية مجلس النواب، استند في تقرير هذا الحكم إلى علة منطقية وأساسية هي أن كلاً من رئيس الجمهورية ومجلس النواب يلعب دوراً في تشكيل الحكومة ونفخ الروح الدستورية في حناياها (يكفي أن نعرف أن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي رئيس الحكومة وأن مجلس النواب هو الذي يمنحها الثقة)، وبالتالي فإن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أو انتهاء ولاية مجلس النواب اللذين لعبا دوراً في تشكيل الحكومة يترتب عليه فقدان الحكومة لسبب وجودها مما يتطلب اعتبارها مستقيلة.
أما في الدستور السوري فإن الأمر مختلف عما هو عليه الحال في الدستور اللبناني. ووجه الاختلاف الأساسي يكمن في أن مجلس الشعب السوري ليس له أي دور في تشكيل الحكومة أو إضفاء الشرعية والدستورية عليها إذ أن مجلس الشعب ليس له صلاحية منح الثقة للحكومة عند تشكيلها كما في الدستور اللبناني. والمادة 118 من الدستور السوري تنص على أنه : ""تتقدم الوزارة عند تشكيلها ببيان عن سياستها العامة وبرامج عملها إلى مجلس الشعب"" دون أن تعطي هذه المادة لمجلس الشعب ـ كما هو واضح من نصها ـ صلاحية منح الثقة أو عدم منحها للحكومة بناءً على هذا البيان، وكأن الدستور السوري يعتبر تقديم البيان الوزاري إجراءً بروتوكولياً لا أكثر دون أن يرتب عليه أي نتائج دستورية.
والنتيجة الهامة التي تترتب على هذا الاختلاف أن الحكومة السورية لا تعتبر مستقيلة عند إجراء انتخابات تشريعية جديدة وتشكيل مجلس جديد للشعب. أي أن الحالة المنصوص عليها في الفقرة (هـ) من المادة 69 من الدستور اللبناني والمتضمنة اعتبار الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب، لا تتوافر في الحكومة السورية التي تبقى مستمرة وبكامل صلاحياتها الدستورية عند بدء أي ولاية جديدة لمجلس الشعب.
وبالتالي فإن سكوت الدستور السوري عن ذكر هذه الحالة من حالات اعتبار الحكومة مستقيلة جاء منسجماً مع أحكامه المتعلقة بتشكيل الحكومة وعدم إعطاء مجلس الشعب أي دور في تشكيلها، إذ طالما أن الحكومة لم يتوقف تشكيلها على حيازتها لثقة أعضاء مجلس الشعب فلا معنى لاعتبارها مستقيلة عند انتهاء ولاية هذا المجلس وبداية ولاية جديدة لمجلس جديد.
هل تعتبر الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية جديدة لرئيس الجمهورية؟
في الدستور السوري، ينفرد رئيس الجمهورية وحده بتسمية رئيس الحكومة ووزرائها ونواب الوزراء، دون أن يكون لأي جهة أخرى سواء مجلس الشعب أو رئيس الحكومة أي دور في تشكيل الحكومة أو تسمية أعضائها أو إضفاء الدستورية عليها (رئيس الجمهورية يوقع منفرداً مرسوم تشكيل الحكومة). فرئيس الجمهورية هو الذي يتولى بموجب الماد 96 من الدستور صلاحية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم كما أن الحكومة تقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام رئيس الجمهورية. أي أن رئيس الجمهورية بموجب نصوص الدستور هو منشئ الحكومة وسبب وجودها لذلك فإن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية يجب أن تترتب عليه النتيجة الدستورية المنصوص عليها في الفقرة (د) من المادة 69 من الدستور اللبناني والمتضمنة اعتبار الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية. وهذا ما يؤكده نص المادة 122 من الدستور السوري التي قضت باعتبار الحكومة عند انتهاء ولاية الرئيس حكومة تسيير أعمال تستمر بتصريف الأعمال إلى أن يقوم الرئيس الجديد بتشكيل حكومة جديدة.
نخلص من ذلك إلى القول بأن الحكومة السورية عند بدء ولاية رئيس الجمهورية تعتبر مستقيلة حكماً (بحكم المستقيلة) وتفقد جميع صلاحياتها الدستورية والقانونية، وتستمر فقط في تسيير أعمال الحكومة إلى حين تشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات دستورية كاملة. وهذا الحكم ينسجم مع أحكام الدستور التي ربطت بشكل وثيق بين رئيس الجمهورية وبين الحكومة وجعلت من الرئيس المصدر الوحيد الذي تستمد منه الحكومة وجودها ودستوريتها لذلك يغدو من المنطقي أن تفقد هذه الحكومة شرعيتها ووجودها بانتهاء ولاية الرئيس الذي أسبغ عليها هذه الشرعية والوجود.
إذاً ننتهي إلى القول أن الحكومة السورية تعتبر مستقيلة في الحالات التالية : الاستقالة أو الإقالة، ووفاة رئيسها، وعند بدء ولاية جديدة لرئيس الجمهورية . وبذلك فإن الدستور السوري يختلف عن الدستور اللبناني في حالتين فقط هما: فقدان الحكومة لأكثر من ثلث أعضائها، وعند بدء ولاية جديدة لمجلس النواب. ففي هاتين الحالتين تعتبر الحكومة السورية وعلى خلاف الحكومة اللبنانية غير مستقيلة.
ما هو حكم حكومة العطري الحالية؟؟
كنَّا في السابق نقول أن حكومة العطري أصبحت منذ انتهاء الولاية الأولى لرئيس الجمهورية حكومة تسيير أعمال، وأنها منذ هذا التاريخ تعتبر بحكم المستقيلة وينبغي التعامل معها على هذا الأساس وترتيب كافة الآثار الدستورية عليه، لاسيما لجهة أنه لا يجوز لها عقد جلسات لمجلس الوزراء ولا يجوز لها اتخاذ أي قرار خارج عن إطار تسيير الأعمال. وأن أي جلسة تعقدها هذه الحكومة هي جلسة غير دستورية وجميع القرارات الصادرة عنها هي قرارات باطلة.
أما الآن فإننا نقول بأن حكومة العطري ذاتها لم تعد دستورية، وليس فقط القرارات الصادرة عنها وأصبح وجود هذه الحكومة منافٍ للقواعد والأعراف الدستورية المعمول بها في كافة الأنظمة المشابهة لنظامنا القانوني.
فمن جهة فإن حكومة العطري لم تلتزم بقواعد حكومة تسيير الأعمال وخالفت الدستور بقيامها بعقد جلسات لمجلس الوزراء واتخاذ قرارات في قضايا هامة لا تدخل في نطاق الأمور اليومية المعتادة التي ينحصر اختصاص حكومة تسيير الأعمال بها.
ومن جهة أخرى، فإنه من المتعارف عليه دستورياً أن حكومة تسيير الأعمال لا تستمر سوى لمدة قصيرة ولا يجوز أن تطول هذه المدة خوفاً على مصالح البلاد والعباد من أن تتوقف بسبب وجود حكومة لا تملك السلطة التقريرية والصلاحيات الدستورية لإدارة هذه المصالح. وهذا ما استقرت عليه الأعراف الدستورية في كل من مصر وفرنسا اللتين يتشابه نظامنا الدستوري مع نظامهم، فلا نعلم عن حكومة استمرت بعد تجديد ولاية الرئيس المصري كما أن كل الحكومات الفرنسية كانت تستقيل ضمن مهلة أقصاها عشرة أيام من انتخاب الرئيس الجديد ليصار إلى تشكيل حكومة جديدة.
وبما أن حكومة العطري مستمرة كحكومة تسيير أعمال منذ حوالي خمسة أشهر وهي مدة طويلة جداً، إضافة إلى انتهاكها للدستور وتنطّعها لاتخاذ قرارات مصيرية من شأنها تغيير طبيعة النظام الاقتصادي السوري برمته، رغم أنها فقدت كل صلاحياتها الدستورية وسلطتها التقريرية باعتبارها مستقيلة منذ تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، فإننا نقول جازمين بأن هذه الحكومة أصبحت حكومة غير دستورية وأن وجودها واستمرارها في العمل هو انتكاسة لقدسية الدستور وانتهاك لحرمته واستهتار بنصوصه وقواعده وتضحية به دون مبرر مشروع خاصة وأن إقالة الحكومة وتشكيل حكومة بديلة لا يحتاج إلى إجراءات معقدة في ظل نظامنا السياسي والقانوني.
الجمل
مقالات أخرى للكاتب:
المساكنة حل أم مشكلة؟ التكييف القانوني لهذه الظاهرة وآثارها
حقيقة الاعتقال السياسي ... من هو المعتقل السياسي؟
إشكالية المادة 122 من الدستور السوري والتعديل الوزاري الأخير
إضافة تعليق جديد