محمد نعيم الجابي: خذلناك يا رسول الله
كنت يا سيد الخلق تجلس بعيدا عن أقرانك شباب قريش وهم يقلبون فصول عنفوان مرحلتهم ، تجلس متأملا تلك الهضاب وتلك الوديان وقبة السماء الممتدة إلى ما وراء الشمس. كنت موقنا بأن وراء تلك اللوحة الآسرة الأخاذة خالق وأي خالق... خالق لا يشبهه أحد، صمد كالصخرة التي لا يطالها الموج . كان قلبك يلهج بأحرف الوحدانية فهو لم يعرف ألفاظ الشرك قط . كنت فريد عصرك فآواك ربك بالرسالة فأصبحت محدثا بنعمته. كنت ضالا في سبيل العلم فهيأ لك من لدنه علوما فاضت على أمم الأرض فأصبحت لا تقهر عالما ولا ترد سائل معرفة.
أين نحن اليوم منك يا سيد الخلق؟ ..
غرقنا في مستنقع جمود عقولنا وأصبح القهر مهنتنا. وأصبحنا نمنع العلم عن الآخرين كي لا نراهم يتجاوزون ضعفنا وكي يظل الكرسي لنا.
في يوم مولدك أصبحنا نتنافس في اختراع طقوس الاحتفالات ونغار ممن احتفلوا بأنبيائهم في حين ننسى أنك ومن وراءك صحابتك لم تضيعوا الأوقات في مجرد التفكير بتلك الطقوس. فقد كان همكم أن لا تضيع أمة كانت خير أمة أخرجت للناس كي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
في يوم مولدك نريد أن نثبت للعالم أننا نحبك في حين أننا لا نعرفك حق المعرفة. أين نحن منك وأنت ترسل لملوك الأرض رسائل سلام وتبشر نقي السرائر منهم بازدهار ملكه وتبشر المتكبر بزوال حكمه، ولم تطلب سوى أن يكونوا موحدين قانتين لربهم . وتأتي الأيام بالبشائر فنجد كلماتك الربانية تصدق والوعد ينفذ. وأين نحن منك عندما أحسنت إلى جارك اليهودي الذي لطالما أزعجك بقمامته. وأين نحن منك وأنت تجابه قسوة وغلاظة عدو الإسلام أبو جهل بصبر لم تلجأ خلاله للغدر أو ما يسمى اليوم (التكتيك) السياسي بل لجأت للدعاء وأعطاك ربك القوة والمنعة ومفاتيح القلوب فاحتللت قلوب من كرهك.
أين نحن اليوم من الهاتف الحار الذي صنعته بصبرك وطاعتك وإخلاصك، الهاتف الحار بينك وبين رب العباد والذي تدفقت عبر موجاته أمواج الطهر لأمة كانت تعيش في مجموعة محيرة من المتناقضات، فجاءت رسائل ذلك الهاتف لتحل كل المعضلات وكل التناقضات ولتنقل أمة من مستودع للقاذورات إلى فندق عشر نجوم تفوح منه رائحة الاختراعات ويأتي طلاب العلم من البلاد البعيدة لينهلوا من علومه. لقد احتار العالم كله في أمرك ولم يكتشفوا سرك البسيط وهو ذلك الخيط المتصل ما بين السماء والأرض والذي انقطع وغابت عنا طرق إعادة وصله.
لن تفيدنا اليوم رقصة المولوية والموالد والحضرة لتعيد لنا ذلك الخيط من خلال تكرار غبي لكلمة لفظ الجلالة، فنحن نعرف اسم (الله) ونحفظه عن ظاهر قلب ولكننا نجهل للأسف صفاته وأكثر من ذلك نحن نجهل كيف نتصف بها...
نحتفل اليوم يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ، يا سيد الخلق، نحتفل بعيد ميلادك ونحن في مرحلة (آخر) الزمان وهي بتعبير آخر مرحلة انحطاط الرسالة التي تعبت وجاهدت لإتمامها. اليوم تجلت مظاهر انحطاط رسالتك بكل المنعطفات وطغت تلك المظاهر على كل ما تركته لنا لنتفكر به ونعمل به سمعنا وبصرنا وفؤادنا.
اليوم نذكرك ونتحسر على أننا رسبنا في امتحان القدرات وأخذت الأصفار تزين قاموس مرحلتنا وهرع أعدائنا ليتسربوا كالنمل من عيوبنا. ولم يبق لنا سوى أن نحدث ضجيجا هائلا بأننا (نحبك) كي يعلو على ضجيج خرابنا.
ويظل السؤال ..لماذا ولدنا في زمن الخراب؟ وهل سننجو منه؟
الجواب عندك يا سيد الخلق فأنت من أدخلت الاطمئنان إلى نفوس أصحابك عندما اضطربوا وأنت تحدثهم عن زمن الخراب وتقول لهم: يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعودوعندما استفسروا عن زمن الخراب ذاك وضعت يدك على كتف سلمان الفارسي وقلت: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل أو رجال من هؤلاء.
أنا أكيد يا سيد الخلق من أن نبوءتك ستحقق وما لفت نظري فيها أنك اخترت الأعجمي الوحيد القريب منك (لو لم يكن سلمان لكان غيره) لتضع يدك الطاهرة على كتفه ولم تختر أحد صحابتك لأن ربك أخبرك أننا سنخذلك وهانحن قد فعلنا.
إضافة تعليق جديد