مستقبل الصراع بين الطوائف اللبنانية

الجمل:   بعد حشد تجمع الانتصار الذي أقامه حزب الله في بيروت بتاريخ 22 أيلول، قامت القوى المعادية لسوريا داخل لبنان بعد يومين فقط برد فوري معاكس، وذلك بحشد تجمع لمناصريها في شمال بيروت، ويشير هذان الحدثان المنفصلان والمترابطان إلى أن الوضع السياسي الداخلي في لبنان من الممكن أن يصبح أكثر صعوبة وتشكيكاً في الأشهر القادمة. والآن، انتهى الصراع بين حزب الله وإسرائيل (على الأقل مؤقتاً)، إلا أن الضغوط على الفصائل السياسية اللبنانية لكي تتوحد ضد العدو المشترك قد أصبحت أقل. وقد أدى ذلك إلى الخلافات السياسية بين المجموعات المذهبية اللبنانية لأن تبرز على السطح.
خط الانقسام السياسي الرئيس في لبنان يمثله نزوع وتوجه الفاعلون السياسيون المختلفون إزاء سوريا.
اللاعبون الرئيسيون الذين يشكلون الكتلة المؤيدة والمناصرة لسوريا هم حزب الله وبعض الزعماء المارونيون المسيحيون، مثل سليمان فرنجية وميشيل عون، أما الكتلة المعادية لسورية، فتتكون من تحالف 14آذار التي تضم جماعة سعد الحريري وفؤاد السنيورة السنية المعروفة باسم تيار المستقبل، والحزب الاشتراكي التقدمي للدروز بقيادة وليد جنبلاط، وتجمع قرنة شهوان الذي يتكون من الفصائل المارونية المسيحية في التحالف، ويضم هذا التجمع حزب الكتائب لأمين الجميل، والقوات اللبنانية لسمير جعجع، والليبراليون الوطنيون.
هدف تحالف 14 آذار هو الاستبقاء والحفاظ على التوازنات المؤسسية المجتمعية لاتفاق الطائف. وهذه الفصائل ترغب في منع حزب الله من الحصول على قوة الدفع التي تمكنه من إبدال توازنات القوى والسلطة السياسية. فالمجتمع الشيعي يكون أغلبية نسبية بين سكان لبنان، ولكن دوره في السياسة اللبنانية لا يعادل وزنه الديموغرافي. واهتمام تحالف 14 آذار ينبع من النهوض والبروز المتزايد لحزب الله خلال العشرين عاماً الأخيرة، كلاعب رئيس في السياق السياسي بلبنان. وأكثر من ذلك بروز قوس القوة الشيعي في الشرق الأوسط، المنسق بوساطة إيران وجنوب العراق على النحو الذي يمكن أن ينعش المجتمع الشيعي اللبناني باتجاه تحقيق المزيد من السيطرة على مؤسسات الدولة.
سراعاً، بعد انتهاء الأعمال العدائية مع إسرائيل، قام الزعماء الرئيسيون لتحالف 14 آذار باتهام زعيم حزب الله حسن نصر الله وحركته بتتبع وتقفي أجندة إيرانية- سورية بدلاً عن تتبع وتقفي مصالح اللبنانيين. وأيضاً طالبوا بنزع سلاح كامل لميليشيا الحركة.
العلاقة الخاصة لحزب الله مع إيران وسوريا كانت واحدة من المفاتيح الرئيسة لقدرات حزب الله في لعب دور قوي في لبنان.. وهذان البلدان أعطيا تأييداً ودعماً مالياً هاماً للحركة. وبهذا الدعم الاقتصادي، كان حزب الله قادراً على تمويل العديد من برامج الرفاه للسكان الشيعة في جنوب لبنان، وقد كان هذا عنصراً هاماً جداً في فهم لماذا حزب الله يجد الاحترام والاعتبار عند السكان، وأكثر من ذلك، فالمساعدة العسكرية، السورية والإيرانية كانت رئيسية وأساسية لحزب الله وذلك بسبب أنها زودت الحركة بالقدرات الاستراتيجية اللازمة لفرض تهديد قوي على أمن إسرائيل، وبكل تأكيد، فإن هذا التهديد يصب في مصلحة سوريا وإيران.
لقد وظف حزب الله رغبة دمشق وطهران في فرض التحديات على مكانة إسرائيل الإقليمية، وذلك بأن حصل على الدعم المالي، والمساعدات اللوجستية والعسكرية.
وتبعاً لذلك، استخدم حزب الله هذا الدعم في رفع قوة زخمه ضمن السياق السياسي اللبناني، ومن الناحية الأخرى، أيدت ودعمت سوريا وإيران حزب الله من أجل مصالحهما الإقليمية. وقد كان تأييد إيران نابعاً بوساطة كل من أهدافهما الجيوستراتيجية، وانتمائهما المشترك إلى المذهب الشيعي، وقد تقاسمت سوريا أيضاً شراكة المصالح مع حزب الله، ولكن ذلك ليس عميقاً بنفس درجة رابطة حزب الله- إيران.
لقد انتهت الآن الأعمال العدائية مع إسرائيل لكن التوتر الطائفي الداخلي اللبناني الكامن، عاد للسطح مرة أخرى. والصراع بين حزب الله وتكتل 14 آذار المعادي لسوريا ليس فقط لمجرد تأييده للوجود السوري في البلاد، وبالأحرى، فإن التحالف التكتيكي بين السنة، المسيحيين، والدروز، يشتد على مصلحتهم المشتركة، المتمثلة في تجنب ودرء ومنع نفوذ حزب الله المتزايد داخل لبنان خلال الأشهر القادمة، التوترات سوف تتزايد، برغم أنه لا يبدو أن القتال المفتوح بين المجموعات المختلفة سوف يحدث، ولكن على الأرجح بالأغلب أن هذه المجموعات سوف تقوم بتصعيد مواجهاتها اللفظية.
وفي العام القادم، سوف تكون هناك انتخابات وطنية، وبالتالي فعلى الأرجح أن الصراع السياسي سوف يكون أقوى مما مضى، حول عملية اختيار المرشحين، وسوف يحاول ويسعى تحالف 14 آذار من أجل منع حزب الله من الاكتساب والحصول على قوة الدعم الكافية لتفكيك وتقويض التوازنات المؤسسية.

المصدر: تقرير بيانار
الجمل: قسم الترجمة