مصر: «الإخوان» تواصل حصار المعارضين وتستخدمهم رهائن سياسة

14-05-2013

مصر: «الإخوان» تواصل حصار المعارضين وتستخدمهم رهائن سياسة

24 ساعة فقط فصلت بين قضيتين. إحداهما متورط فيها الرئيس المصري محمد مرسي باعتباره هارباً من سجن وادي النطرون خلال «ثورة 25 يناير»، والأخرى يحاكم فيها الناشط السياسي أحمد دومة بتهمة إهانة الرئيس مرسي نفسه. لكن القضيتين كشفتا بوضوح أي مأزق حقيقي تعيشه مصر تحت حكم «الإخوان».
القضية الأولى تنظر فيها محكمة الإسماعيلية منذ أشهر، وجاء اسم محمد مرسي فيها، بعدما أقام أحد الهاربين من سجن وادي النطرون دعوى تطالب بالإفراج عنه عقب القبض عليه، لأنه لم يفعل شيئاً مخالفاً لما فعله الرئيس الحالي، لكن القضية تتضخم في كل جلسة، وتتوالى المفاجآت فيها، وأبرزها، إعلان وزارة الداخلية خلو كشف سجن وادي النطرون من اسم محمد مرسي وباقي رفاقه من أعضاء «الإخوان» الذين ألقي القبض عليهم ليلة «جمعة الغضب» الشهيرة (28 يناير)، ما يعني أنه لا حاجة للزج باسم الرئيس الإخواني في القضية، بينما الأوراق الرسمية تشير إلى أنه لم يكن موجوداً في السجن حتى يهرب.
لكن ذلك كذب واضح بكل تأكيد، لأن مرسي نفسه أجرى مكالمة هاتفية شهيرة بقناة «الجزيرة» القطرية يوم 28 كانون الثاني في العام 2011، تحدث فيها بوضوح قائلاً إنه هرب من السجن لتوه. فهل تحاول الداخلية أن تقوم بالواجب المناسب لتبرئة الرئيس من أن يكون هارباً؟
وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم يبرر اختفاء أو إخفاء اسم مرسي من كشوف المساجين، بأن القبض على مرسي وزملائه تم في لحظة متوترة عقب تظاهرات «25 يناير» بيومين فقط، وأن قرارات الاعتقال هذه عادة ما تكون شفوية.
لكن أهل الخبرة من رجال الشرطة يردون بأنه حتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن أي مسجون يدخل السجن في أي وقت، لا بد من تسجيل اسمه في الكشوفات، فأين ذهب اسم مرسي وزملائه؟ إلا إذا كانت هذه هي محاولة الهروب الثانية لمرسي من السجن ذاته لكن هذه المرة بشطب اسمه من الكشوفات؟
يبدو المنهج في هذه القضية إخوانياً بوضوح، إذ سبق لـ«الجماعة» أن أظهرت ما يثبت أنها «جمعية أهلية» مشهرة قانوناً، قبل أيام من تسريبات عن وجود مسودة حكم قضائي ببطلان وجود «الجماعة» القانوني، وكأن «الإخوان» جاهزة دوماً بما يثبت العكس، والأكيد أنها لم تكن قادرة على إشهار جمعية في ساعات، أو حذف أسماء أعضائها من كشوف المساجين، لولا تمكنها من السيطرة على مفاصل الدولة بواسطة رئيس إخواني وحكومة تسيطر عليها سواء عبر أفراد نظاميين تابعين لـ«الجماعة»، أو موالين لها، أو متطلعين للعيش في ظلالها.
لكن قضية هروب مرسي لم تصل لمحطتها الأخيرة بعد.
هيئة المحكمة التي تبدو حازمة في شأن القضية المنظورة أمامها، خاطبت الاستخبارات الحربية لتسلمها أي تسجيلات بين المساجين في وادي النطرون وأي جهات أجنبية قامت باقتحام السجون في لحظة انفلات أمني نادرة، وهرّبت قيادات إخوانية وأخرى تابعة لحركة حماس، و«حزب الله»، ويبدو مقصوداً من هذا الطلب أي اتصالات محتملة بين قيادات «الإخوان» وقيادات حركة حماس، بعدما بات شبه مؤكد، استناداً إلى أقوال الشهود، أن حماس لعبت الدور الأساسي في تهريب قيادات «الإخوان» من السجون. المأزق هنا هو أن مدير الاستخبارات الحربية في هذا الوقت، كان عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش الآن، والمعيّن في منصبه كوزير للدفاع بقرار من مرسي، فهل يمكن أن يقدم ما يثبت تورط رئيس مصر الحالي في عملية اقتحام للسجون بالاستعانة بعناصر أجنبية؟
الأمر لا يخلو من دلالة أخرى في التجمع الخامس - شرقي القاهرة - حيث جرت وقائع محاكمة الناشط المعارض أحمد دومة بتهمة «إهانة الرئيس». فالمحكمة قررت تأجيل النظر في القضية إلى الثالث من حزيران المقبل، والأهم أن ذلك جاء بالتزامن مع استمرار بقاء دومة محبوساً، وهو ما شبهه معارضون بتحويل دومة إلى رهينة على ذمة قضية تتعلق بالرئيس الإخواني، وورقة ضاغطة يمكن استخدامها في أي صراعات سياسية محتملة، والأهم عبرة لكل المعارضين، وكأن لسان الحال يقول «من منكم يريد أن يلحق بدومة.. سجيناً ورهينة»؟. لكن ذلك يبدو نهجاً لا يحقق النتائج المرجوة، إذ بدا دومة في سجنه واثقاً من النصر، بل ووقع باسمه من داخل القفص على حملة «تمرد» تدعو إلى سحب الثقة من مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
اعتقال دومة، الذي قاد تظاهرة حاشدة خرجت من حي ناهيا الشعبي في الجيزة في مطلع ثورة «25 يناير»، يأتي بالتزامن مع اعتقال المئات من المعارضين للإخوان - تقدرهم هيئات الدفاع بنحو 1900 ناشط - وخصوصاً الرؤوس المتحركة والمحركة للشارع، ليصبح دومة كغيره من ناشطين آخرين معتقلاً عابراً للأنظمة، إذ سبق واعتقل 18 مرة في عصر مبارك، خاصة أنه منغمس في الحركات والاحتجاجات الشعبية منذ العام 2004 مع إطلاق «حركة كفاية»، كما اعتقل في عصر المجلس العسكري بين شباط العام 2011 وحزيران العام 2012، في ما عرف بأحداث مجلس الوزراء.
وها هو في السجن مرة جديدة ولكن تحت حكم «الإخوان»، وبتهمة رأتها هيئة الدفاع أنها غير موجودة في أي دولة في العالم باستثناء مصر، ومكانها المتاحف القضائية.
لكن من قال إن الإخوان يريدون أن تكون مصر مثل باقي دول العالم، وانهم لا يريدون فقط سوى الدخول إلى المتاحف، لكن ربما من الباب الخلفي؟

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...