من رسالة "عمر المختار" إلى "عمر" الفاروق: رحلة فنٍّ ..إلى الوراء دُر

21-08-2012

من رسالة "عمر المختار" إلى "عمر" الفاروق: رحلة فنٍّ ..إلى الوراء دُر

 

قارئة من "بلد الأبجدية": أقتبس: " كم توقفت عند مقولة " دريد لحام" في حق الراحل "مصطفي العقاد" عندما وصفه بأنه أخرج فيلم "الرسالة" ولكنه كان رسالة ! ( الكاتب الأكاديمي الليبي د. فرج نجم).
 
لنتوقف قليلاً عند "مصطفى العقاد"هذا الفنان المبدع "الشهيد"الذي قضى نحبه عام 2005 بتفجير إرهابي في الفندق الذي كان يقيم فيه في عمان-الأردن، والذي سُرّب أنه كان المستهدف الحقيقي لهذا الإنفجار!، وعلى يد أدوات "الصهيونية العالمية" بغية إيقاف مشروعه في انتاج فيلمه الحلم "صلاح الدين الأيوبي" الذي أراد أن يقدمه بلغة سينمائية تخاطب الجمهور الغربي  لكي يوصل رسالته التي بدأها في تقديم مآثر العرب وتاريخ المسلمين إلي أكبر عدد ممكن...
 
ولنتوقف عند أهم أعمال هذا المبدع الذي ترك بصمة دامغة في الذاكرة الإنسانية عموماً والعربية والإسلامية على وجه الخصوص، إنهما فيلمي  " الرسالة " و" عمر المختار" الذين سجلا علامة فارقة وبامتياز في تاريخ السينما العالمية.
 
فقد أنتج فيلمه " الرسالة" عام 1976 بنسختيه العربية والانكليزية ! تلك الحالة الي سجلت أيضاً في تاريخ السينما سابقة لانتاج ذات الفيلم مرتين وفي ذات الوقت بنسختين مستقلتين تماماً وبممثلين مختلفين كل فيلم على حده!. هذا الفيلم الذي حكي فيه قصة الإسلام من خلال حياة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وبعثته للعالمين بطريقة عالية الإتقان والإخراج جمعت بين التراث وروح العصر وجوهر الإسلام وما فيه من تسامح ومحبة.
 
أما فيلمه "عمر المختار"  انتاج عام 1980 الذي جسد فيه شخصية البطل الرمز المجاهد الذي أفنى حياته بالنضال ضد محتلي بلاده "الطليان" حيث قضى نحبه على أيديهم ،والذي أراد به "العقاد" وحسب قوله، مواجهة كل الادعاءات بأننا شعب مهزوم لا يُقاتل ولا ينتصر وأننا عانينا من الاحتلال الفاشي والاستعمار ومعسكرات التعذيب تماماً كما اليهود. وأنها صفحة مجهولة في التاريخ إن لم نقدّمها ضاعت. 
 
ولا ننسى على الإطلاق الرسالة التي ختم بها "العقاد" فيلمه على لسان بطله "عمر المختار" وهو يردد كلمته الشهيرة: ((نحن لن نستسلم ... ننتصر أو نموت ... سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه أما أنا فإن حياتي ستكون أطول من حياة شانقي)). 
 
 
وهنا ألا يجدر بأحفاده الليبيين الذين استجلبوا إلى بلادهم  "بثورتهم المزعومة" قوات الناتو لتنهب ثرواتهم وتنتهك حرماتهم .. ألا يجدر بهم أن يدفنوا أنفسهم في التراب! ليداروا سوءتهم وجريمتهم بحق وطنهم وحق تاريخهم وحق إرث جدودهم ...
 
ولنأتي إلى مسلسل " عمر " الفاروق ، الذي كيل إليه الكثير الكثير من الانتقادات على المستوى الفني والدرامي، ولعل ألطفها: أن المسلسل كان يلهث خلف فيلم "الرسالة"، وأنه لم يرق في أي من مشاهده أو أداء ممثليه لما قدمه الراحل "مصطفى العقاد" في ذلك الفيلم. ناهيك عن تشتيت عقل المشاهد بكمّ المغالطات التاريخية التي وقع بها "المسلسل". إلى وصف بعضهم له بأنه "عمل  فاشل يستند إلى نص فقير"، ...وآخرين بأنه يؤدي الى إحداث "الفتنة والشقاق" بين المسلمين.  وأنهم تركوا العمل مثار جدل سخيف بين "مؤيد" و"معارض" لحرمة تجسيد شخصيات الصحابة من عدم تحريمها. كذلك الترويج المستفز لمشاهد الذبح التي فرضت نفسها مراراً وتكراراً، والتي كانت تتم في مشاهد بطولية واستعراضية!.
 
لكنّ الأخطر من ذلك كله  أن الغائب الأكبر في هذا المسلسل كانت شخصية سيدنا "عمر" ! فلقد درات الأحداث بعيدة عن "عمر" حتى النصف من رمضان ، وكما ذكرت بعض الآراء الناقدة: أن المسلسل قدّم شخصية "عمر" شخصية هامشية باهتة بلا ملامح لاعلاقة لها بما يدور حولها...ولا تمت بصلة إلى الشخصية الدينية والتاريخية التي قرأنا عنها ودونت في ذاكرتنا من حيث القوة والذكاء والأثر الكبير الذي تركه في تاريخنا العربي والإسلامي .أما الصحابة فلا وجود حقيقي لهم ..فسيدنا "علي بن ابي طالب" كرّم الله وجهه، ظهر بشكل هامشي جعله المخرج مثل الكومبارس و"عثمان "بلا أدني دور أما "أبو بكر" فقد كان الأوفر حظاً في المسلسل من حيث الظهور. أما ما هو أدهى وأمرّ، فهو غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلسل نهائياً لا أثر له وكأن القصة كلها تدور بين كفار ومسلمين بلا نبي.!
 
أما المثير للشبهة ! فيما ورد من آراء ناقدة :" إن المسلسل يعدّ حدثاً تاريخياً كبيراً، والعالم الإسلامي قبل هذا المسلسل، ليس كما بعده." !
 
 من هنا ، وفي ضوء ما سبق:
 
ألا يحق لنا التساؤل والاستدلال، عندما نعلم أن "عمر" الفاروق يكاد يكون المسلسل الديني الوحيد أو الأوحد الذي يبث في شهر رمضان الفضيل على شاشات الفضائيات العربية، لينفي دور المنافسة مهما صغرت، وليحظى بالاستقطاب إن لم يكن كلّه فقد ضمن جُلّه!
 
وألا يحق لنا التساؤل والاستنباط !...عندما نعلم أن هذا "المسلسل" قد تم برعاية وانتاج "إم بي سي" و"مؤسسة قطر للإعلام"، أبرز المنابر الإعلامية باسم "ثوّار الناتو" (إن لم يشكلا غرف العمليات الرئيسية لنشاط أولئك)!، وبتكلفة للمسلسل قاربت 200 مليون ريال سعودي،والذي يعتبر كما أفصحت الشركة المنتجة بأنه أضخم انتاج عربي درامي في التاريخ!
 
وألا يحق لنا التساؤل والتفكّر!...عندما نعرف بأن هذا "المسلسل" قد ترجم ودبلج إلى عدة  لغات ليشاهد في دول العالم الإسلامي  الأندونيسي والماليزي والتركي وووو.. حيث ينال المسلسل حضوراً لافتاً في إندونيسيا، البلد الذي يضم نحو ربع مليار مسلم،  توازيها متابعة مماثلة في تركيا،وفق تقرير بثته قناة "العربية"!

وألا يحق لنا التساؤل والاستنكار عندما نعلم أن العرّاب الروحي والديني لهذا "المسلسل" وعلى رأس 6 شخصيات إسلامية من مدرسة وطائفة واحدة، هو الناطق من ديار النفط والغاز يوسف القرضاوي "مفتي الناتو" و"مفتي الذبح على الهوية" طمعاً بنكاحٍ لا ينضب في جنة الحوريات الموعودة! 
 
إذن ...ماذا يريد هذا "العمل  الفني" أن يقدم وأية رسالة أن يوجه ، وأية افكار يطرح ويغرس ..؟! تساؤلات قد نتكهن بمعرفة الإجابة عنها، لاسيما عندما تقدم ضمن سياق" بانوراما الواقع" الأوسع الذي نعيش أي" الجحيم العربي" المسمى زوراً وبهتاناً " الربيع العربي".!
 
وهنا أتوجه وأول ما أتوجه بالتساؤل والسؤال إلى مخرج العمل " حاتم علي" الذي يشهد له رصيده الفني الإبداعي الذاخر على الساحة الدرامية االعربية ، ولعل أهمها" صلاح الدين الأيوبي" ،"ملوك الطوائف" و"التغريبة الفلسطينية"ووو...
 
أين أنت من ذاك كله يا أستاذ "حاتم"؟! أم أن رائحة الغاز قد أزكمت الذائقة الفنية الفذة التي تملكها، وأن سواد النفط قد أعمى البصيرة..أم أنك مرغمٌ على ما تفعل،  فتركت عملك تتناوله سهام النقد في أكثر من مقتل!
 
كان من المتوقع بعد هذا الإرث الفني العظيم من أعمال الدراما والسينما التاريخية والدينية ذات الأثر والدور ، أن تكون المسيرة الفنية وفق منطق " إلى الأمام سِر ...لكن يبدو أن المنطق صار وبفضل وهمة جميع من أوردنا.... إلى الوراء دُر!

قارئة من "بلد الأبجدية"

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...