من كتاب دروب دمشق قسم "السحرة المبتدؤون" (5)
الجمل ـ كريستيان شينو وجورج مالبرونو ـ ترجمة : يوسف الشامي:
منذ سنين، كان جهاز المخابرات الخارجية DGSE يراهن على قلب النظام. "كم من مرة سمعنا من عناصرهم في الشرق الأوسط توقعهم سقوطه بعد اغتيال رفيق الحريري"، يؤكّد أحد كوادر الـ DCRI.
مع بداية التمرد الذي انطلق في 2011 اعتقد "المسبح" (هو ما يلقب به مقر المخابرات الخارجية DGSE في باريس) بأن الفرصة قد حانت للتخلص من نظام مكروه....
سريعاً، بدأ المسبح بإخراج البطاقات. في البداية الجنرالات الذين يحتمل انشقاقهم. يتابع الـ DGSE "السني الجيد" الذي سيمكن لفرنسا الاعتماد عليه، مقتنعة-أو متظاهرة بذلك- بأن الجيش المكون بغالبيته من السنة سوف يتحلل. بسبب عدم العثور على الطائر النادر، خصوصاً في جيش بقي بشكل واسع ضمن الفلك الروسي، سيبحث المسبح بمساعدة بعض من الكوادر السابقين للأجهزة –خصوصاً الجنرال فيليب روندو Philippe Rondot- عن الجنرال العلوي من طائفة الأسد الذي يمكنه المحافظة على الدولة بعد سقوط النظام. يجب عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه الأميركيون في العراق في 2003 مطلقاً، والمتمثل بمسح الماضي بشكل نهائي، وخلقهم بذلك فوضى هائلة مازالوا إلى الآن يدفعون ثمنها (للتذكير الكتاب صدر في الربع الأخير من عام 2014). البحث عن العلوي الملائم كانت له نتيجة-التخلص من بشار الأسد- ، لكن الخطوة، العالية المخاطر، سوف لن يتم عبورها أبداً. فيما بعد، ركّز المسبح اهتمامه على الصفات الشخصية (البروفايل) للجهاديين الذين يأتون إلى سوريا عبر تركيا، ثم على نوعية الأسلحة التي كانت تصل إلى المتمردين. "كنا نستلم وصفاً مفصلاً، يتذكّر أحد الديبلوماسيين. من أين كانت تأتي تلك الاسلحة؟ من كان يموّلها؟ حول هذه النقاط كان المسبح وإدارة المخابرات العسكرية DRM حاذقين".
أخيراً مع أسلمة التمرد، كان DGSE يبحث عن هوية مقاتلين "رمادي فاتح" قد يمكن لفرنسا الاعتماد عليهم أخيراً لإسقاط النظام. إسلاميين لكن ليس كثيراً!! سوف لن تتوصل لذلك. هي ثغرة ترسم صورة عن نقص الموارد في المكان وعن عدم وجود قادة معتدلين في داخل التمرد يمكن الاعتماد عليهم.
صمت يعم الصفوف!
"خائن"، "مؤيد لبشار". في أروقة السلطة، ليس من الجيد الانتقاد أو حتى مجرد إصدار تحفظات عن السياسة الفرنسية، المبنية بشكل كامل على سقوط بشار الأسد.
" في بداية الأزمة، عندما كنت أقول بأننا لم نكن في ديناميكية انهيار للنظام، يشير ديبلوماسي يعرف سوريا جيداً، كان يقال عني بأنني نذير شؤم في أحسن الحالات وفي أسوأها خائن".
الكي دورسيه هو "دار صعبة، يضيف. لم يكن أحد يرغب بإعطاء أخبار سيئة للوزير. أصبح الشجعان نادرين. أسهل أن تكون مخطئاً مع كل العالم من أن تكون مصيباً لوحدك (بعد مقابلة أجرتها صحيفة لوفيغارو مع أحد رجال الدين المسيحي السوريين أثناء مروره في باريس في كانون الثاني 2012، والذي قدّر فيها بأن النظام ما زال يتمتع على الأقل بتأييد 40% من الشعب السوري، جاء أحد المقربين من آلان جوبيه ليراه ويقول له بأنه كان يجب عليك ألا تصرح بذلك).
بعد انتخاب فرانسوا هولاند قرأ بعض الديبلوماسيين في محيط لوران فابيوس الوضع بشكل صحيح، لكن لم تكن لديهم الجرأة لقول ذلك بشكل قوي وبصوت عال، خوفاً على مستقبلهم المهني.
تشارك بذلك كل من DGSE و DCRI وبشكل أكثر عمومية وزارة الدفاع. اليوم من كانوا ينظرون نظرة صحيحة مستعدون أكثر للكلام عن الوضع.
عندما كانت تقارير الـ DCRI تؤكّد بأن النظام لن يسقط قريباً، كان المستشارون السياسيون في وزارة الداخلية وفي الاليزية يرفضون أخذ هذه التقارير على محمل الجد.
"عندما كنا نقول للوزير (جان ايف لودريان) بأن الإسلاميين قد سيطروا على المعتدلين، لم يكن يريد أن يسمعنا" يعترف أحد كبار جنرالات الأركان. كانت الأولية هي الحصول على رأس بشار الأسد، مهما كانت المخاطر الناجمة عن ذلك.
مع ذلك، منذ بداية الأزمة فإن إدارة المخابرات العسكرية DRM كانت، هي أيضاً، قد حذّرت بشكل واضح بأن "السلطة (السورية) لديها قدرة صمود خارجة عن المألوف"، حسب تعبير جنرال يعرف سوريا جيداً. "لكن لم تكن تلك هي الرسالة التي يجب نقلها إلى العاملين في الوزارة ولا الوزير. كان مركز تخطيط وقيادة العمليات CPCO يجيبنا بأنه لايريد أن يعرف إذا كان النظام سيصمد، ولكن كيف سيسقط. هنا أيضاً كنا نتوقع الملائم سياسياً." (منذ الأشهر الأولى للأزمة، تم تكليف CPCO بإعداد قائمة من الأهداف تكون بشكل أساسي أهداف عسكرية، خصوصاً قواعد جوية، يتم اختيارها بحيث يمكن تجنب أية اخطاء).
قول الحقيقة التي تزعج مع المخاطرة بألا ’يسمع صوتك: بإدراكهم للمخاطرة، ميّع العسكريون وعناصر المخابرات الآخرين من سيناريوهاتهم المفضلة بين عدة فرضيات للخروج من الأزمة. يشرح لنا أحد الجنرالات الحيلة المتبعة: "في الـ DRM، قلنا منذ البداية بأنه يجب خصوصاً عدم تصديق ماتقوله وسائل الإعلام. شرح –أي الوزير- بأنه لا. لم تفهم الـ DRM ذلك جيداً. النظام سيسقط، وبكل الأحوال كان الآوان قد فات. لقد لعبت الـ DRM اللعبة بشكل ذكي بالقول بأننا إذا سرنا دائماً في الاتجاه المعاكس لرغبة الناس(في الوزارة) الذين يقرؤونا، فسوف لن يقرأنا أحد. إذاً، لكي نحافظ على تأثير ولو بالحد الأدنى، فيجب، كما يقال، أن نلّون (بالعربي الدارج نبهّر) مذكّراتنا لكي تبقى مقروءة. لكن الـ DRM بقيت دائماً شديدة الحذر. الـ DGSE فعلت العكس. لقد لعبت الدور الذي ’طلب منها أن تلعبه. للأسباب التي يمكنكم تخيلها."
مدير الـ DGSE برنارد باجوليه Bernard Bajolet يعرف سوريا جيداً وهو صديق لفرانسوا هولاند. لكن عندما استلم الأول منصبه في صيف 2012 كان المسار قد تم رسمه، ولم يعد باستطاعة أحد أن ينحرف عنه، على الرغم من أن مذكرات عناصره تدعو إلى الحذر.
"من حذر مبدئي، تحول خطاب الـ DGSE حسب الضغوطات التي مارسها عليها السياسيون. اصبح أقل صرامة"، يؤكد جنرال في هيئة أركان الجيوش الفرنسية.
يتوسع أحد كوادر "المسبح" بالشرح: " كانت خطط إسقاط بشار الأسد تثير عناصرنا الذين كانوا يشاركون باجتماعات وزارية مع الكي دورسيه أو مع وزارة الدفاع. لقد كانوا ينسون حقيقة الأشياء على الأرض، قدرة النظام على الصمود على الرغم من أن عناصرنا الموجودين في المكان كانوا يشيرون إليها في تقاريرهم"، مشيراً إلى القسم الكبير جداً من المسؤولية التي نقع على عاتق محللين شباب بدون خبرة على الأرض.
في صيف 2013، لافائدة من التقرب من الصحافي الوحيد( أحد مؤلفي هذا الكتاب وهو جورج مالبرونو) الذي قابل بشار الأسد منذ بداية النزاع(*) . في يوم نشر المقابلة مع الرئيس السوري في جريدة لوفيغارو، اقترح أحد ضباط الـ DGSE في الاجتماع الصباحي أن يتم "استجواب" الصحافي المذكور، لكن اقتراحه ذهب أدراج الرياح. "لم يصر أحد على ذلك. لماذا سماع صوت مختلف لانرغب بسماعه؟" يتساءل هذا الضابط.
حول دور روسيا في الأزمة، هنا أيضاً قليل جداً من الأصوات المتنافرة استطاعت أن تعبّر عن رأيها.
"خلال فترة طويلة، اعتقدنا أننا سنقنع الروس بالتصويت على قرار ضد سوريا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدون أن نرى حقيقة الموقف الروسي. هنا أيضاً، مارسنا عملية الاقتناع الذاتي"، يذكّر دبلوماسي ترك إدارة الشرق الأوسط (في الخارجية الفرنسية). كان يكفي أن نسمع أحد المسؤولين السوريين الذين ابتعد بسرعة عن دمشق، مثل عبدالله الدردري، النائب السابق لرئيس الوزراء السوري، الذي يحكي لنا عن ثلاث زيارات قام بها برفقة بشار الأسد إلى فلاديمير بوتين قبل الثورة. "ماأزال أسمع بوتين يبدأ المحادثة كل مرة بالقول لبشار بأن أمن سوريا هو من أمن روسيا، وبأن مخازن الأسلحة الروسية هي مخازن أسلحتكم. كيف يمكنكم أن تخطئوا لهذه الدرجة (عبدالله الدردري موجهاً كلامه إلى الدبلوماسي الفرنسي المذكور أعلاه)؟"
إصرار موسكو على دعم بشار الأسد أثار أزمة صغيرة فرنسية روسية عندما تحدث آلان جوبيه (**) عن "لطخة يتعذر محوها" تطال سمعة روسيا. رداً على ذلك، رفض رئيس الدبلوماسية الروسية، سيرغي لافروف، أن يتكلم على الهاتف مع نظيره الفرنسي خلال الأسابيع الأخيرة من رئاسة ساركوزي.
"الطريقة التي تعامل بها آلان جوبيه مع روسيا في الأزمة السورية كانت خطأً خطيراً، كما يحلل كلود غيان Claude Guéant. لم يكن متوجباً تهميشهم في حين كان بإمكاننا استعمالهم بشكل كبير. أنا مقتنع بأننا لوقلنا وقتها للروس، واضعين جانباً أمور الهيبة والزعامة والغرور، ‘انظروا، أنتم أكثر الناس أهلاً لذلك’، لكانوا بدون شك مسرورين جداً بالانخراط إيجابياً. كانوا الوحيدين الذين باستطاعتهم القيام بذلك."
كذلك بنفس الطريقة ، فإن الرفض الفرنسي لإعطاء إيران أي دور في حل الأزمة بقي، وعلى نحوواسع، غير مفهوم. "سوف لن تتم أبداً دعوة إيران إلى مؤتمر دولي"، كانت ديبلوماسية فرنسية تكرر ذلك خلال عشاء أقيم في بيروت على شرف المبعوث الأممي إلى سوريا مختار لماني، الذي رد عليها بشكل جاف: " تعلمين، سوف لن يكون هناك حل للحرب في سوريا بدون إيران. لكن من الممكن جداً أن يوجد حل بدون فرنسا."
على مدى 3 سنوات من الأزمة، لم يتم أبداً إجراء فحص نقدي للسياسة الفرنسية. كذلك لم تطلب السلطات (الفرنسية) أبداً آراء خبراء عن سوريا، أو سفراء سابقين خدموا في دمشق، أو عسكريين ومختصين بالاستخبارات يعرفون هذا البلد منذ أربعين سنة. ما لا يمكن تخيله أن ديبلوماسيين من وزن جان كلود كوسران (***) Jean-Claude Cousseran ، الحائز بالاجماع على الاحترام لأهليته المضاعفة: حنكته الديبلوماسية ولصفته كرئيس سابق لجهاز المخابرات الخارجية DGSE، والذي هو فوق ذلك اشتراكي، لم يتم أبداً الاستماع إليه من قبل من حل محل نيكولا ساركوزي، ولا الجنرال فيليب روندو أيضاً، ولا آلان شويه وغيرهم كثيرون، والذين كانت نصائحهم لتجنب فرنسا أن تقع في هذا المأزق الخطير.
هوامش:
-جان ايف لودريان Jean Yves LEDRIAN هو وزير الدفاع الفرنسي الذي مايزال يشغل هذا المنصب إلى الآن.
- فيليب روندو Philippe Rondot هو جنرال متقاعد قائد سابق لجهاز المخابرات الفرنسية. وهو من وضع مقدمة هذا الكتاب. للمزيد من المعلومات عنه إليكم هذا الرابط باللغة الانكليزية https://en.wikipedia.org/wiki/Phili...
(*) المقصود المقابلة الني أجراها جورج مالبرونو مع الرئيس بشار الاسد و التي تم نشرها في جريدة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 3 سبتمبر أيلول 2013.
لمن يرغب بالاطلاع عليها كاملة باللغة الفرنسية، إليكم هذين الرابطين:
http://www.lefigaro.fr/internationa...
https://www.les-crises.fr/mise-en-g...
** آلان جوبيه Alain Juppé هو آخر وزير للخارجية الفرنسية في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي
*** جان كلود كوسران Jean-Claude Cousseran شغل منصب سفير فرنسا في دمشق من 1993 إلى 1996، ثم أصبح مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية. لمزيد من المعلومات، هاكم هذا الرابط:
https://fr.wikipedia.org/wiki/Jean-...
الجمل
إضافة تعليق جديد