من هم الإيزيديون؟
إنها مأساة ألّا يعطي العالم اهتمامه، بشكل جيّد، لمجتمعات منسية، إلا في لحظات الخطر الأكبر. خلال الأسبوع الحالي، شاهدنا عشرات الآلاف من الإيزيديين - ومعظمهم يتحدثون الكردية ويؤمنون بعقيدة توفيقية فريدة من نوعها – قد فروا أمام تقدم جهاديي "الدولة الإسلامية" السنّة، الذين خطفوا وقتلوا المئات من أفراد هذه الأقلية الدينية.
وذكرت تقارير لافدي موريس المنشورة في صحيفة "واشنطن بوست"، أن ما يصل إلى 40 ألف شخص ظلوا عالقين على "القمم الصخرية لجبل سنجار"، حيث يموتون من الجوع والعطش ويفتقدون الى الكثير من الدعم من الحكومة العراقية المترنحة.
ومنذ الاستيلاء على الموصل، المركز المدني الرئيسي في شمال العراق، شرعت قوات "الدولة الإسلامية" في مهمة مروّعة لتحويل النطاق الخاص بها إلى خلافة مثالية. أجبرت الأقليات الدينية على تغيير معتقدها. دمرت مقامات الطوائف المنافسة وذبحت أولئك الذين يعتبرون بنظرها مرتدين. من جهتها أطلقت عضو البرلمان العراقي الإيزيدية فيان الدخيل نداءً حماسياً، نيابة عن شعبها، محذرة من أن "ديناً بأكمله تتم إبادته من وجه الأرض".
ويبلغ عدد الإيزيديين، على الصعيد العالمي، نحو 700 ألف شخص، لكن الغالبية العظمى من الجماعة - نحو نصف مليون الى 600 ألف فرد - تتركز في شمال العراق. وكانت مدينة سنجار معقلهم، لكن هذه المنطقة أصبحت الآن تحت سيطرة المتطرفين الذين يبدو أنهم مصممون على التطهير العرقي.
والمذهب الإيزيدي خليط ساحر لأديان قديمة. مؤسسه طيب السمعة كان شيخاً أموياً (الشيخ نادي أو عدي بن مسافر الهكاري)، عاش في القرن الحادي عشر، ويرتبط نسبه بأولى السلالات السياسية الإسلامية العظمى. وأصبح قبره في المدينة العراقية لالش (قرب الموصل) قبلةً للحجاج الإيزيديين، الذين تطابق ممارساتهم الممارسات الصوفية لملايين المسلمين في أماكن أخرى. أمّا الآن، فثمة تقارير تشير إلى أن المدينة تحوّلت الى مخيم لجوء للمشردين.
وبالرغم من روابطهم مع الإسلام، تبقى عقيدة الايزيديين استثناءً مميزاً، فالايزيدية كانت من العقائد غير السماوية التي ظهرت في الشرق الأوسط، مستندة الى تقاليد مختلفة من حقبة ما قبل الإسلام (الجاهلية) وأخرى فارسية. ويؤمن الإيزيديون بالتناسخ والنظام الطبقي الصارم.
وتستعير الإيزيدية من الزرادشتية، التي استوطنت في ما هو معروف اليوم بإيران وجوارها قبل مجيء الإسلام، الدين شبه التوحيدي الذي كان شائعاً لقرون في الامبراطورية الرومانية، لا سيما بين الجنود.
ولا يختلف الإيزيديون في طقوسهم عن فرس الهند - "اليوم الأخير" الزرداشتي- حيث تضاء شموع الإيزيدية في الاحتفالات الدينية كرمز لانتصار النور على الظلام.
ويؤمن الإيزيديون بإله واحد يُمثّل بسبعة ملائكة. واستناداً الى التقليد الإيزيدي، فإن أحد هذه الملائكة، "ملك طاووس"، قد بُعث إلى الأرض بعد رفضه الرضوخ لآدم، وهو ممثل في شكل طاووس، ولا يعتبر خيّراً تماماً ولا شريراً وفق اعتقاد الإيزيديين، لكن المسلمين من الخارج يعرّفونه على أنه "الشيطان". أما "الدولة الإسلامية" فبررت ذبح الإيزيديين انطلاقاً من قواعد وموقف تاريخي افترائي بأنهم "عبدة شيطان".
ويكتب الصحافي بوبي غوش، الذي عمل سابقاً في مكتب مجلة "تايم" في بغداد، أن الزملاء السنة والشيعة يشيرون الى الإيزيديين كعبدة شيطان "على سبيل النكتة والمداعبة". لكن "الدولة الإسلامية تأخذ الإدعاء الخاطئ بالشيطانية على محمل الجد".
وقبل الاعتداءات الحالية، التي استهدفت الأقليات الدينية الأخرى في العراق أيضاً، عانت الطائفة الايزيدية من الاضطهاد تاريخاً طويلاً، وعلقت وسط طموحات الإمبراطوريات المتداخلة، وقد ازداد وضعهم سوءًا بعد ظهور الدول العربية المشتتة.
وأشارت البرلمانية العراقية الإيزيدية فيان الدخيل الى حدوث "72 مجزرة" في تاريخ شعبها، بدءاً من اقتحام القاهرين المغول، وصولاً الى عمليات التطهير التي قام بها العثمانيون، الذين استهدفوا الإيزيديين في حملات عدّة، بما في ذلك خلال مجازر القرن العشرين ضد الأرمن التي يعتبرها الكثيرون، الآن، إبادة جماعية.
وأصبح وجود الإيزيديين الهش في شمال العراق أكثر حساسية بعد غزو العراق في العام 2003 بقيادة الولايات المتحدة التي احتلت البلاد، وأطاحت بالنظام الديكتاتوري العلماني لصدام حسين.
وفي العام 2007، قتلت تفجيرات منسقة في قرية إيزيدية في شمال غرب العراق نحو 800 شخص - كان في ذلك الوقت أسوأ هجوم إرهابي منذ الغزو الأميركي - وبعدما اعتمدت بغداد السياسة الطائفية، وازداد نفوذ المتشددين، فرّ الكثير من السكان المسيحيين القدامى من شمال العراق باطراد الى مجتمعات الشتات في أوروبا. اما الإيزيديون فبقوا إلى حد كبير في وطنهم التاريخي بين الجبال والأضرحة. تلك الحياة، برغم ذلك، قد تكون الآن، شيئاً من الماضي.
إيشان ثاروور - صحافي من هونغ كونغ مقيم في الولايات المتحدة.
السفير نقلاً عن (عن "واشنطن بوست")
إضافة تعليق جديد