من يرسم مستقبل الدراما السورية
الجمل- أيهم ديب: السؤال الذي يطرح اليوم في الصحف و على الطاولة في القهوة و بين أهل الصنعة هو كيف وصلت الدراما إلى ما هي عليه وهل ثمة طريقة للحفاظ عليها؟ و هل هي فورة تهدأ بعدها ؟ و برغم أني لا اعمل في الدراما إلا أني أستطيع ان أجزم من البنية الإعلامية و التقنية المتوفرة اليوم في الأسواق أن الدراما تعوم على بئر من الاستثمارات لم تمتد له يد بعد , بئر من النقود و الأفكار يمكن أن يغير شكل الدراما لسنوات قادمة و يحافظ على زخمها.
الفكرة تتمثل ببساطة في إشراك المشاهد في الحل الدرامي. من خلال التصويت على أحداث المسلسل.
كل الفكرة لا علاقة لها بالسوبر ستار أو ستار أكادمي فهي قبل أن يتم إنتاجيهما عربياً. إنها متعلقة بثورة الاتصالات نفسها. و توفرها و توفر البيئة الإنتاجية المناسبة.
لنتخيل ان حبكة بدائية جداً - جملة أولى- رجلان يحبا فتاة و لكل منهما خطه الدرامي في المسلسل. و لنفترض أن هذا الخط يتصاعد إلى ذروة معينة و أن المشاهد يملك الخيار ليصوت لصالح الحدث المفتاح: كأن يصوت في حال احد الرجلين قرر قتل الآخر إن كان الآخر يجب أن يموت أو يجب ان ينجو. أو كأن يقرر الجمهور من يجب أن يتزوج من : هل يتزوج الرجلان بعضاهما أم يتزوج أحدهما الفتاة. و هكذا فإن المسلسل يخضع درامياً لتوجهات الشارع و نبضه .
طبعاً مثل هذه المقاربة تحسم مسألة هامة و هي أننا لسنا و لن نكون بعد تبنيها أمام دراما عادية كما ألفناها طوال السنين. بل سنكون فعلياً أمام ثورة في أسلوب صناعة الدراما و آليات بنائها.
فإنتاج هذا النوع يتطلب من الكاتب و المخرج أن يبتكرا احتمالات و مسارات درامية متعددة و بالتالي القيام ببنائها مسبقاً مفترضين أن التصويت سيكون على مجموعة مفاصل محددة و بالتالي سيكون على المنتج ان يصور و ينتج ما يمكن ان يكون مجموعة نسخ معدلة تخضع لمصفوفة الخيارات المحتملة.
السؤال الأهم في عالم الشو بيز يطرحه المنتج: هل من الممكن أن ينتج بدل مسلسل واحد دزينة من المسلسلات و يبقى هذا أكثر ريعية! الجواب ببساطة هو : نعم -كبيرة-
المسلسل عادة يتم إنتاجه و في البال القناة أو العارض الأول. و من ثم يتراجع سعر عرض المسلسل إلى أضعف الأحوال بالتتالي .
الآن لنتخيل مقاربتنا المطروحة أعلاه. في الحقيقة كل عرض سيكون عرضاً أول. لأنه لو عرض على القناة -س- و حققت أصوات المشاهدين الخيار -أ- فإن إعادة عرض المسلسل على القناة -ع- قد يؤدي إلى مسار من الأحداث هو - ب- أي أننا سنكون أمام مسلسل مفتوح- هل هذا يذكرنا بتجارب الأدب؟- أي ان المشاهد مهما أعيد المسلسل سوف لن يعرف ما سيجري في الحلقة 30.
عوائد المحاصصة مع شركات الاتصالات و عوائد الإعلانات التي لن تنخفض بتكرار العرض.
المهم هنا هو ان هذا النوع من الإنتاج سوف يضمن لنا عدم احتراق الممثلين و هو ما يحدث عند إنتاج مسلسلات متعاقبة و متجاورة بحيث يبدو الممثلون و كأنهم بدو رحل يتنقلون من مسلسل إلى مسلسل جماعات و فرادى. في حالنا هذا سيكون لدى الممثل فرص أن يكون في حالة عمل لصالح مسلسل واحد لمدة سنة أو اثنتين . مما يعني نضج هويته التجارية بشكل آخر غير الاستهلاك المتكرر. بل من حيث مدة العقد الواحد.
هذا يحيلنا إلى طريقة تطور هذه الأسلوبية إذ أنها قد تنقلنا إلى مستوى أكثر تعقيداً و هو مستوى العمل المفتوح حقاً أي أن العمل لا يتم إنجازه دفعة واحدة و لكن وفق ميكانيزم مفتوح يتطلب عندها مستوى عال من المهنية و المهارة و الموهبة. و سينتج أشكال و علائق إنتاجية مختلفة عن الشكل البدائي الحاضر الآن و الذي يتم فيه توزيع النجومية بالمعية و بما يشبه البيع و الشراء. سيكون عندها الزمن /المشاهد هو الرافع الحقيقي لقيمة الأدوار و النجوم.
اليوم صدف أن وقفنا أمام نموذج حي لصلاحية التربة و الظروف المناسبة لظهور هذا الجانر. و المثال هو مسلسل نور . و مسلسل باب الحارة.
إذا اخذ السوريون باب المبادرة في هذه المقاربة فإنهم سيفتحون سوقاً غير مسبوق و هذا لوحده سيمنحهم الزخم الكافي للصعود في مسيرة الدراما التي بدؤها. و سيكون التغيير بنيوياً و ليس سطحياً.
إضافة تعليق جديد