من يكره الحكمة ويعطلها
في "يوم الفلسفة العالمي" الذي يحتفل العالم به من دوننا اليوم، نذكر بأن العرب قد عرّفو الفلسفة بأنها محبة الحكمة.. ورغم ذلك فقد حوربت الفلسفة وتفِّهت على يد مجمل فقهاء الإسلام منذ أيام الإمام الغزالي صاحب كتاب "تهافت الفلاسفة" الذي تأثر به عامة المسلمين حتى باتت الفلسفة فذلكة وشتيمة لمن يتفلسف: "بلا فذلكة"....
بينما في الغرب، ومنذ القرن السادس عشر، استعاد الأوروبيون فلسفة اليونان وبنو عليها، ثم جاء اسبينوزا اليهودي وفكك بنية الدين اليهودي بكتابه "رسالة في اللاهوت" فأدانه الحاخامات وجردوه قبل أن يغتالوه، فأثارو بذلك انتباه التنويريين المسيحيين إليه حيث بنو على فلسفته لفصل الدين عن الدولة وافتتاح عصر الأنوار..
قبل الأوربيين بخمسة قرون ظهرت شرقي المتوسط مدارس إسلامية استعادت فكر الفلاسفة اليونان وتجلى ذلك في رسائل جماعة "إخوان الصفا وخلان الوفا" السرية والتي توضحت فيما بعد في معتقدات المذاهب الإسلامية السرية الشامية: الإسماعيلية والعلوية والدرزية، التي تأثرت بكتاب العقل حتى لاتكاد تخلو أغلب مخطوطاتهم من فصل خاص عن العقل عند أرسطو وفلسفة الأرقام الفيثاغورية، فقد كان فيثاغورس يعتبر العدد أصل العالم .. وقد زاوجت هاذه المذاهب الصوفية بين المعرفة الإسلامية والفيثاغورية حيث عرّف الله بأنه اللامحدد الذي تولد عنه المحدد، كالصفر بالنسبة للأرقام والنقطة بالنسبة للأشكال الهندسية باعتبارها نقطة افتراضية ليس لها أبعاد ولكن لايمكن تشكيل أي شيء مادي دون الإرتكاز عليها..
ولأن الفلسفة في الدين تعتبر هرطقة يقطع بسببها رأس المجتهد على يد السلطات الرسمية فقد أخفى أتباع هاذي المدارس أفكارهم الإسلامية ـ الأفلوطينية المحدثة، ثم تفاقم الأمر بعد سيطرة الإسلام العثماني على الديار الشامية حيث استبدل السلاجقة السيف بالخازوق ضد (الباطنية).. وحاصروهم لأربعة قرون في مناطق تشبه المحميات الطبيعية للحيوانات البرية ..
وبعد سقوط الخلافة العثمانية بعشرة سنوات ظهرت جماعة الإخونجية التي تبنت نهج الإسلام العثماني في التحريض العنصري ضد هاذي الطوائف بالإضافة إلى مناهضتها لمجتمع السنة الذين لايقولون بالخلافة ولايحملون السيف لاستعادتها ووسموهم ب (القعدة) شاهرين بوجهم الآية: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ".. وباتو يفخرون بوصفهم بالإرهابيين اعتمادا على هاذي الآية التي أضافو إليها السيف رمزا لأعلامهم السوداء..
وقد تزاوجت جماعة الإخونجية مع الوهابية منذ ستينات القرن الماضي بعد ملاحقة الرئيس ناصر لهم وهروبهم إلى مضارب آل سعود ( أعداء المصريين منذ أيام محمد علي باشا الذي دمر عاصمتهم الدرعية بعد ست سنوات من الحرب) .. فمأسسو الإسلام السلفي ثم باضو وفرخوا أفاعيهم من أرض الصومال إلى أفغانستان مرورا بالهند وأفريقيا حتى قارة أمريكا بتمويل سعودي، حيث حرمو المدارس الغربية الكافرة واستبدلوها بالمدارس الشرعية التي تكفر الفكر الفلسفي العلمي (وسائر أنواع الفذلكة) وتعالجهم بقطع رؤوسهم ؟!
بوكو حرام.. "الفلسفة الحرام" مسلسل تركي بلا نهاية.. حتى ينتصر أتباع العقل على سلفيي النقل ..
أخيرا نذكر بأن الإنترنيت الذي نكتب عليه معرفتنا الآن، ويستخدمه الإسلافيون لإرهاب أعدائهم، هو ثمرة الفلسفة الرياضية الفيثاغورية .. فتخيلو لو أن السيف والخازوق لم يلغ وجود حملة هاذا الفكر من العالم الإسلامي الكبير .. هل كنا تخلفنا وتقدم الغرب علينا ؟
نبيل صالح
التعليقات
المنطق
سؤال مهم لكن جوابه شائك
"نذكر بأن العرب قد عرّفو
عنوان
المشكلة الأساس كانت ولا تزال
فلسفة الايمان
ولماذا نسفت الفكر المعتزلي
عربان البعير اساس و جوهر
إضافة تعليق جديد