مناورة فيلتمان–أوغلو–حمد وانتصار الأسد
جولات مكوكية يقوم بها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، في محاولة جديدة لاحتواء فشل المعارضات السورية-الأميركية والإعداد للمرحلة المقبلة. فبعد الإعلان عن وصوله إلى القاهرة منذ بضعة أيام، علمنا أن فيلتمان ظهر فجأة وبعد ساعات قليلة في أنقرة! فلماذا قفز جيفري من مصر إلى تركيا بشكل سري في ظل تعتيم واسع النطاق على الزيارة؟
نبدأ من القاهرة، حيث نشرت صحيفة "السفير" اللبنانية خبراً عن "عقد أول لقاء بين تنظيم إسلامي بارز في مصر وجهات إسرائيلية عند معبر رفح" (العدد 12081 الصادر في 11/1/2012)، ومن خلال متابعتنا لهذا الخبر، علمنا أن هذا الإجتماع كان برعاية شخصية من فيلتمان، وبحسب مصادرنا فإن هذا التنظيم المقصود سيلعب دوراً بارزاً في الحفاظ على اتفاقية "كامب ديفد" بعد انتهاء الإنتخابات التشريعية في مصر. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى جاء اجتماع فيلتمان بقيادة هذا التنظيم للتحضير للقاء سيجمعهم بمساعد وزير الخارجية الأميركية ويليام بيرنز (وقد عقد الإجتماع في 11/1/2012).الهدف الثاني من زيارة فيلتمان كان بحسب مصادرنا، الطلب من القاهرة وبشكل خاص من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي من أجل سحب المراقبين العرب من سورية وتحويل الملف إلى الأمم المتحدة الأحد الماضي، وهذا ما لم يفلح بتحقيقه، بسبب فضحنا للمؤامرة الأميركية-العربية قبل ثلاثة أيام من تقديم اللجنة لتقريرها، ما استدعى تأجيل هذه الخطوة وليس إلغاءها.
أما الهدف الثالث من زيارة فيلتمان لمصر، فهو استكمال مناورة أميركية بوشر تنفيذها في الأسابيع القليلة الماضية، مناورة "التعمية" كما وصفتها مصادرنا، أتت كي تزيل الضغوط عن تركيا وقطر بشكل أساسي، ونقل الملف السوري ظاهرياً فقط، إلى مصر. وقد بدأت الولايات المتحدة تنفيذ مناورتها هذه بعد أن أصيبت تركيا بنكسات متتالية إقليمياً ودولياً مما استدعى سحبها من المواجهة مع الرئيس السوري بشار الأسد قبل أن يحوّلها إلى "نمر من ورق"، فبعد أن حوّلت سياسة أردوغان تركيا إلى رافعة إسقاط النظام السوري، لم يعد ممكنا تطبيع العلاقات مع دمشق من دون رحيل الأسد، بل لم يعد ممكنا ترميم القوة المتصاعدة لتركيا، والتي هي مصدر فخرها، من دون سقوط سورية. وإن أي سيناريو يلحظ بقاء الأسد في السلطة سيحوّل تركيا في السياسة الإقليمية إلى "نمر من ورق"، ويحوّل المزاعم التركية بأنها اللاعب المؤسس في النظام الإقليمي إلى أضحوكة، كما عبّر الباحث المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمقرّب من حزب العدالة والتنمية إحسان داغي.
وبالنسبة لقطر، فقد سحبت من خط المواجهة السياسية المباشرة مع سورية، مع الإبقاء على المواجهة الإعلامية، كي تلعب دوراً مؤقتاً في الضغط على جامعة الدول العربية وتدمير أي مصداقية متبقية للجامعة، وما يشير بوضوح إلى ذلك الهجومات المتتالية التي يشنها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم على بعثة المراقبين العرب، وهو في الوقت نفسه رئيس اللجنة الوزارية العربية المكلفة الملف السوري، والتي انبثقت عنها هذه البعثة! أضف إلى ذلك ، اللغم الذي زرعه حمد في بعثة المراقبين، ألا وهو أنور مالك الذي تربطه علاقة مصاهرة برئيس ما يسمى المجلس الوطني السوري برهان غليون، وقد قرر حمد أن يفجّر هذا اللغم بالأمس من خلال الإعلان عن انسحاب مالك من البعثة ومهاجمته لرئيسها وأعضائها من على منبر "الجزيرة" القطرية، في إشارة أخرى إلى الرغبة الجامحة للشيخ حمد بإطلاق رصاصة الموت في رأس الجامعة!
وبالعودة إلى زيارة فيلتمان السرية لتركيا، فقد كشفت مصادر في أنقرة عن وصول جيفري بعد ساعات من القاهرة إلى العاصمة التركية لعدة أهداف رئيسية:1. طمأنة تركيا بأن دورها في مخطط الرئيس السوري ما زال أساسياً وأنها ستكون اللاعب الرئيسي في المنطقة بعد سقوط الرئيس الأسد.2. الطلب منها استغلال التهدئة للاجتماع بالقيادة الإيرانية، ودعوتها إلى مناقشة ملفها النووي في أنقرة، وهذا ما فعله أحمد داود أوغلو عند زيارته لطهران.3. تحميل الأتراك رسالة أميركية لإيران تتضمن استعداد واشنطن إلى التساهل في موضوع الملف النووي والتفاهم على "مضيق هرمز" مقابل تخلي إيران عن الرئيس الأسد، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد حملت الرسالة تحذيراً بنقل حالة الفوضى والاغتيالات إلى الداخل الإيراني في حال رفضها العرض الأميركي، في تطبيق واضح لسياسة العصا والجزرة التي تحترفها الإدارة الأميركية.4. تنفيس حالة الاحتقان بين أنقرة وباريس على خلفية "قانون إبادة الأرمن" وتوجيه البوصلة التركية مجدداً نحو دمشق، وإبلاغها باقتراب موعد عودتها إلى ساحة المواجهة مع الأسد.5. الإعداد لتنفيذ الخطوات المقبلة التي ستترافق مع زيارة بان كي مون إلى لبنان والتي تحدثنا عنها في تقرير " المخطط -المسرحية لإسقاط الرئيس بشار الأسد".6. أما الأهم من ذلك فكان إعادة تجميع المعارضات السورية، ولمّ شمل ما يسمى بالمجلس الوطني السوري، بعد أن بدأت الخلافات بين أعضائه بانتهاشه. بالإضافة إلى التمديد مؤقتاً لرئيسه برهان غليون قبل تنحيته قريباً بشكل نهائي، بعد أن يستكملوا تحضيرات نقل المنصب إلى لؤي صافي، وهو بروفيسور مقيم في الولايات المتحدة ويشغل منصب أستاذ محاضر في جامعة جورج واشنطن.. أما سبب هذه الخطوة فهو الإستياء الكبير من مواقف أطلقها غليون مؤخراً رفض فيها التدخل العسكري الخارجي في سوية، وازدادت النقمة على غليون عند توقيعه وثيقة الإمتناع عن تدويل الأزمة السورية مع هيثم المناع. وقد علمنا بأن أكثر المطالبين بهذه النقلة هم جماعة الاخوان المسلمين.
المؤامرة على سورية باتت مكشوفة، كما قال الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه منذ يومين في جامعة دمشق، لم يقصد الأسد بتاتاً بأنها لم تكن مكشوفة منذ البداية، بل أن معالمها الكاملة لم تكن واضحة بعد. أما اليوم فلن تنفع أبداً مناورة فيلتمان – أوغلو – حمد، ولن تستطيع إحياء مؤامرتهم ومعارضاتهم من حالة الموت السريري، وكما قال الرئيس الأسد بالأمس مخاطباً الشعب السوري في ساحة الأمويين في دمشق "نمتلك الثقة بالمستقبل وسننتصر دون أدنى شك ... هم في مرحلتهم الأخيرة من المؤامرة وسنجعلها نهاية لهم ولمخططاتهم"... ولو تأخر الانتصار قليلاً فالنصر آت لا محالة.
نادر عز الدين
المصدر: المنار
إضافة تعليق جديد