نازك الملائكة .. هل بعد الرحيل رحيل
الجمل- اصف ابراهيم: في الشهر الرابع من العام 1992 كتبت الصحافة السورية الرئيسة عن رحيل الشاعرة نازك الملائكة في مقالتين إحداهما في صحيفة الثورة تحت عنوان "رحيل نازك الملائكة .. مأساة إبداع أم إبداع مأساة"يستهلها كاتبها " برحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة يكون الشعر العربي المعاصر قد فقد جناحا لا يعوض بعد غصّ ساحته بالبغاث وشرار الطير وضعافها ...
رحلت بصمت كما عاشت بصمت ...تركت شعرا سيظل مضيئا وبريئا من الشوائب التي علقت بمسيرة الشعر العربي المعاصر حتى على أيدي دعاة الريادة وأصحاب السيادة هؤلاء الذين حاربوا الشاعرة الملائكة بضراوة وحقد ولؤم موجهين إليها تهمة الرجعية والتراجع لعدم مجاراة بعضهم في كتابة شعر لا يقول شيئا في كثيره الكاثر.."
ويتابع كاتب المقالة مسرحيته الهزيلة تلك بقوله :" رحلت نازك الملائكة الصوت المترع بالتجديد الأصيل , رحلت ولم يخرج في جنازتها إلا ذوو القربى وحفنة من الأصدقاء ".
فالكاتب هنا لم يكتف بنعي الشاعرة والتشريح بشعرها كيفما اتفق بل انه يؤكد حضوره جنازتها ومشاهدته بأم عينيه عدد الحضور وصلتهم بالراحلة.
والأغرب من ذلك أن الكاتب الذي أمطر الشاعرة مديحا منمقا لم يلبث إن غير رأيه في نهاية مرثيته عندما اتهم الشاعرة بالتقوقع في نفق البنيويات واللسانيات مستثنيا في ذلك الشاعر نزار قباني الذي أقحمه على المقالة دون سابق ربط معتبرا إياه "بأنه الشاعر الوحيد الذي بقي واضحا وعميقا في آن , وبقي كذلك مشدودا للأرض وشاعر هذا الكوكب لا شاعر الكواكب الأخرى, وسواه من الرواد , دخلوا في نفق البنيويات واللسانيات ولم يخرجوا حتى الآن "
ثم ينتقل كاتبنا إلى الشاعر عبد الباسط الصوفي بشكل مفاجئ ليقول لنا " لو قيض لهذا الشاعر أن يعيش حتى الآن لشكل منعطفا حادا وخطيرا في مسيرة القصيدة العربية المعاصرة.."
فقد تنبأ الكاتب بشأن الشاعر الصوفي دون أن يخبرنا كيف, كما تبين له أن جنازة الشاعرة لم يحضرها إلا ذوو القربى . وهو بذلك يذكرني بأحد الزملاء الصحفيين في الصحيفة عينها عندما كتب عن رحيل الشاعر محمد الماغوط قبل رحيله عندما كان الشاعر في المستشفى لذلك فقد خمن زميلنا أن الشاعر قد يمسي لكنه لن يصبح .
المقالة الثانية التي عثرت عليها هي من جريدة تشرين وعنوانها " رحيل نازك الملائكة .. مأساة الحياة وأغنية الإنسان" وقد تأخر كاتبها أسابيع عديدة عن يوم الرحيل المزعوم وهي مدة تكفي لتبيان حقيقة الخبر وتقصي صدقتيه . فهو يبدأ نعوته بقوله :" رحلت في الأسابيع الأخيرة الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة عن عمر يناهز سبعين عاما بعد رحلة عامرة بالعطاء والإبداع والمشاركة في حياتنا الشعرية والعربية الحديثة خاصة والأدبية عامة ." وبهذه السطور ينهي الكاتب إبداعه عن الشاعرة ليبدأ بعدها بسرد سيرتها الذاتية من الألف إلى الياء دون أن يغفل تطعيمها برأي بعض النقاد مما تم نقله من هنا وهناك ليذيل المقال في النهاية باسمه كاتبا مؤلفا باحثا وناقدا.
وهكذا بعد العام 1992 بخمسة عشر عاما ترحل نازك الملائكة وتحتفي بها الصحافة العربية والسورية أيضا وقد يكون كاتبا المقالين نفسيهما قد أعادا تدبيج الكلمات نفسها مادامت المناسبة تتكرر للمرة الثانية والفرصة متاحة لكتابة مادة صحفية تدر مبلغا مقبولا من المال حالهم حال هذه الصحافة الرديئة التي لا تميز بين سفيان احمد وغسان الشامي واتحادها العتيد لا يفرق بين محرر ومصور ولا حتى بين محرر ومستخدم أو حارس كله عنده صحافة ,مهنة من لا مهنة له حاله كحال اتحاد الكتاب العرب الذي يطرد ادونيس من عضويته وينصب حسين جمعة رئيسا له فكم هي مضحكة ومبكية تلك المسرحية بمفارقاتها الكثيرة لمن يقلب الدفاتر العتيقة والجديدة عنها , فكل شيء يصح في هذا البلد إلا الصحيح لذلك ليس من الغرابة في شيء أن تموت نازك الملائكة مرتين فاعذرينا نازك " ..وفي الموت بعد الرحيل رحيل ."
الجمل
إضافة تعليق جديد