ناقد ورسام تشكيلي يسرق لوحات محمود حماد من الجامعة ليشتري بيتاً
الجمل- أنور بدر: الخبر ليس ساراً بالطبع, ولا أعتقد أنّ أحداً يستطيع تناوله من باب الشماتة, رغم لا معقولية ما حدث, فلأول مرة في سوريا يدخل فنان تشكيلي وناقد فني إلى السجن بتهمة سرقة لوحات فنية, وهو ما كنا نسمع عن حدوثه في العالم دون أن ندرك له أثراً في بلادنا. لأنّ اللصوص الحقيقيين كانوا يهتمون بسرقة الآثار مثلاً, وليس الأعمال الفنية المعاصرة.
القصة بدأت مع زميل صحفي, اسمه م ـ أ, وكان هذا الزميل يتابع كتابة زوايا في النقد التشكيلي, وله معرضين فرديين وثلاث معارض مشتركة, وآخر معارضه منذ عام تقريباً لقي تقريظ زملائه في الصحف المحلية, لكن المفاجأة الأهم بدأت في آذار- مارس الماضي. حين أخرج لوحتين من مبنى رئاسة الجامعة يحملان توقيع الفنان الراحل محمود حماد. ومضى بهما هكذا وبكل بساطة, إلى غاليري الأتاسي حيث فاوض عليهما, وتمت الصفقة بقيمة /900/ ألف ليرة سورية.
سارع زميلنا الصحفي لإضافة هذا المبلغ إلى بعض مدخراته وما استطاع من قروض, ثم اشترى بيتاً في ضاحية جديدة عرطوز التي تبعد قرابة /20/ كم عن مدينة دمشق. لكنّ الحظ لم يسعفه للاستمتاع بامتلاك هذا المنزل, إذ وصل الأمن الجنائي إلى غاليري أتاسي لمشاهدة اللوحات, ومن ثم التوصل إلى مصدرها, وقد اعترف السيد الناقد والفنان (م ـ أ) في النهاية بجرم السرقة.
وأعتقد أنّ أياً من الصحفيين لن يتوانى عن إدانة جرم السرقة, لكننا سنكتم في دواخلنا درجة من التعاطف مع (م ـ أ) الباحث رغم تعبه وفنه عن فرصة للإستقرار في منزل. وهو الحلم الذي بات يدفع بالبعض إلى حدود السرقة, فكيف إذا كان المتهم من هذا البعض ينتمي إلى شرائح الفنانين والمثقفين؟!
الإشكالية التي دعتني إلى كتابة هذه الزاوية أنّ المتهم وقبل اعترافه, ما بين المواجهة والمناورة, وفي محاولة إنكار فعل السرقة, ادعى أنه حصل على اللوحات من الزميل صالح دياب, ولمن لا يعرف فالزميل دياب شاعر وصحفي غادر سورية منذ سنوات منضماً إلى قوافل المثقفين التي تنعم بالفضاء الباريسي مع شبهة المعارضة- بدون حسد- وهو يتابع من منفاه الكثير من النشاطات الثقافية والسياسية, وبشكل خاص ما يتعلق منها بالمعارضة السورية, وله ديوان جميل باسم "صيف يوناني".
هذه الوضعيّة الإشكالية للزميل دياب, كان يجب أن تشكل رادعاً عند السيد (م ـ أ ) لكيلا َيزجَ به في معمعان سرقته الفنية, إن جاز التعبير, إذ يكفيه ما يحمل من شبهات سياسية, وكان حرّياً بالسيد ( م ـ ا )رغم تعبه المحمول في الاسم, أن يحمل صليب جنايته بشيء من الكبرياء, حامداً الله على أنه سيواجه القضاء بتهمة سرقة أعمال فنية, ولا أعتقد أنّ القانون السوري قد أفرد لها نصّاً قانونياً بعد. ولكنه في كل الأحوال لن يواجه المحاكم بأي تهمة سياسية, كان سيكتشف لاحقاً أنها اخطر من أي جرم جنائي, وعلى قول المثل "مية كلمة جبان ولا تهمة سياسي".
هناك ملاحظة أخيرة استوقفت ضابط الأمن الجنائي قبل أن تستوقفني, حين استغرب أن يكون سعر هاتين اللوحتين /900/ ألف ليرة سورية, وهو مؤشر على أهميّة التشكيل السوري ليس بالمعنى الفني فقط, إذ بات يُنافس الآثار في سوق السرقات, ولكن أهميته في سوق البورصات, حيث نشاهد في الكثير من الغاليريات التي نرتادها أرقاماً مضاعفة للرقم السابق, ومن باب التذكير فقط نقول أنّ السيد (م ـ أ) سبق وباع في معرضه الأخير لوحات وصل سعر بعضها إلى /60/ ألف ليرة سورية, وكنت أتمنى لو اقتنع بهذه الأسعار دون أن يطمح إلى منافسة الراحل محمود حماد في مبيع أعماله وأرقام المبيع, وصولا إلى حلم امتلاك منزل في إحدى ضواحي دمشق.
الجمل
إضافة تعليق جديد