اتحاد الكتاب سيف مُسلط على رقاب أعضائه الأحياء منهم والأموات
الجمل ـ أنور بدر: حين تسلم الدكتور حسين جمعة رئاسة اتحاد الكتاب العرب في دمشق بتاريخ الرابع من أيلول/ سبتمبر من العام /2005/, توزعت المشاعر بين شامت بسلفه علي عقلة عرسان الذي كاد يؤبد رئاسته خلال عقود ثلاثة, وبين مُبتهج بالتغيير, وبين سائل: من هو الدكتور جمعة؟
وبعد اتصالات وتقصي على الانترنيت, تبيّن أنّ الرئيس الجديد مدرس للغة العربية في إحدى الجامعات السورية, وله مجموعة من المؤلفات ذهبت مثلاً كـ "الحيوان في الشعر الجاهلي" و"مشهد الحيوان في القصيدة الجاهلية" و"الرثاء في الشعر الجاهلي".. الخ. هذه القائمة التي تشي بالطبيعة التجميعية لهذه المؤلفات والتي اشتغلت على الشرح والتفسير, أو شرح الشرح أيضاً, وهي الصفة التي باتت تميّز عصور الانحطاط في الثقافة العربية عموماً, لأنها تبتعد عن التحليل الذي قد يُفضي إلى استنتاجات مهمة.
أسوق هذه المقدمة لنتعرف من خلالها على نماذج وصلت إلى رأس الهرم في مواقع نقابية ومؤسساتية, لا تملك من الكفاءة إلا التوصية الأمنية أو السياسية المتخفيّة في بعض الأحيان وراء لعبة انتخابات شكلانية, لم يعد أحد يؤمن بجدواها.
وقد رسخت هذه النماذج نوعاً من السلطة النقابية, تستمد قوتها من السلطة السياسية وليس من الكتلة الانتخابية, وبالتالي عليها تقديم الولاء السياسي, أكثر مما هي معني بنضالات مطلبية أو نقابية. لذلك يفصل أدونيس ويطرد هاني الراهب ويعاقب سعد الله ونوس, ومنذ أيام احتفل السيد حسين جمعة بالذكرى الـ (38) لتأسيس هذا الاتحاد, شاطبا أهم مراحله منذ اجتماع بلودان 1954 وحتى 1969 , لاغيا ذاكرة مؤسسة يعتقد الجميع أنها أهم من رئاسته لها.
تفاصيل نقابية كثيرة جعلت أغلب الكتاب السوريين يترحمون على أيام علي عقلة عرسان, الذي اتخذ مواقف عقابية ضد بعض الأسماء دون أن يتجرأ على تقديم شهادة تقييمية في أدبهم وإبداعهم. بينما يمتلك خليفته من الذكاء والحصافة ما يجعله يشكك في كون "سعد الله ونوس" كاتباً مسرحياً, لأنه كما يُشاع- وهذا التوضيح جاء لاحقاً- كان سارقاً لأعمال "أبو خليل القباني" أهم رواد المسرح العربي في القرن التاسع عشر.
إشكالية "سعد الله ونوس" الذي توفي في عام /1997/ تعود إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي, حين احتج على قرار علي عقلة عرسان بطرد "أدونيس" من عضوية الاتحاد, على خليفة اجتماعه مع مثقفين يهود في أوروبا, وهو ما اعتبر شروعاً بالتطبيع لم تقره القيادة السياسية للبلد.
ولهذه القصة مسارها الخاص, فيما فتحت وفاة الكاتب المسرحي الأشهر عربياً "سعد الله ونوس" القضية في اتجاه آخر, خاصة بعدما سددت زوجته كامل الاشتراكات النقابية المتأخرة عليه. إلا أنّ الاتحاد اعتبرها فرصة لتأديب باقي أعضائه, من خلال إيقاع العقاب "بسعد الله" ممتنعاً عن دفع الراتب التقاعدي لعائلته, وكان يمكن مفهم الموضوع في ظل العقلية العقابية للقيادات النقابية في أنظمة الكليانية العربية, لولا أنّ السيد جمعة أعطى لنفسه الحق بالتشكيك في كتابات "ونوس" وأعماله المسرحية تحديداً, وهو ما يفتح باب الحوار حول أهليته النقدية في هذا الموضوع والتي استطالت إلى أهليّة محامي اتحاد الكتاب العرب الذي اعتبر أنّ حقيقة كون "سعد الله ونوس" كاتباً مسرحياً هي مسألة افتراضية, وليست حقيقة ثقافية!!!!
ونحن إذ نعذر السيد المحامي حين يخوض في شأن ثقافي قد لا يعرفه, إلا أننا نستنكر ذلك من السيد جمعة والمفروض فيه المعرفة بأمور الثقافة, عملاً ببيت القصيد القائل:
(( إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.))
لكننا نكتشف أنّ علاقة رئيس الاتحاد بالثقافة لا تتجاوز بكل أسف علاقة محاميه بالموضوع, لأنه يجهل أنّ مسرحيات "الفريد فرج" العظيمة مثلا, ليست إلا إعادة اشتغال على حكايات "ألف ليلة وليلة", دون أن يمس ذلك بأهمية هذه الأعمال, ودون أن يُعتبر ذلك سرقة.
وفي الأدب العالمي أصبح مؤكداً أنّ أعمال "غوته" و"شكسبير" مثلاً هي الطبعة الأخيرة من سلسلة أعمال تعود لأسماء وأزمان سابقة, دون أن يمس ذلك بأخلاقية "غوته" أو "شكسبير", ودونما اتهام لهما بالسرقة, أو نفيهما خارج حقل الكتابة الإبداعية والمسرحية, بل أعتقد جازماً أن بريطانيا يمكن أن تتخلى عن الملكية المحافظة فيها, وعن التاج قبل أن تفكر بالتخلي عن "شكسبير" مثلاً.
ونقول للسيد جمعة ومحاميه أنّ هذا الموضوع يمتد خارج حدود الأدب, وصولاً إلى المذاهب الفكرية والدينية, ويتفق الآن أغلب الدراسين لتاريخ الدين المسيحي أنّ "عيسى ابن مريم" كان الأخير في سلسلة من المسحاء الذين ظهروا في المنطقة. دون أن يتهمه أحد بالسرقة, و دون أن يخرجه أحد من حقل الدين الذي جاء به.
وقد أورد "فراس سواح" في مؤلفاته الكثير من التناص مابين نصوص دينية مقدسة وبين نصوص أسطورية كتبت في المنطقة, وهذا يفتح على كثير من الاجتهادات دن أن نصل حد الاتهام بالسرقة.
المشكلة برأيي أن عصر الانحطاط الذي تعيشه المنطقة لا يحتمل مبدعا بقامة "سعد الله ونوس", الذي حاصره اتحاد لكتاب العرب في عهد رئيسه السابق براتبه التقاعدي, لكن الرئيس الراهن للاتحاد بحصافته المعهودة قرّر شطب قيد "ونوس"من سجل كتاب المسرح, لأنه أخذ جملة من نص لأبو خليل القباني, هو الذي ألفّ وقدم "سهرة مع أبي خليل القباني" , بهدف وصل المسرح السوري بجذره الأول. لكن نقاد تلك المرحلة ودارسيها فاتهم اكتشاف هذه السرقة.
أعتقد أنّ المشكلة ليست في الراتب التقاعدي, المشكلة تكمن في آلية عمل الاتحادات والنقابات في بلادنا, هذه الآلية التي يُفترض بها أن تكون استطالة سياسية, وإدارة عقابية في وجه مخالفي توجهاتها, وليست حامياً ومدافعاً عن أعضائها, حتى لو أخطأ.
ورغم أنني لا أعتبر "ونوس" عصياً على الدراسة أو النقد, إلا أنه يبقى القامة الأكثر استطالة في تاريخنا المسرحي منذ "أبي خليل القباني" وحتى الآن. ومع ذلك يحق لأيّ كان أن يُسجّل ملاحظات على أعماله هنا أو هناك, لكن لا يحق لأحد التشكيك بأهميته كاتباً ومبدعاً في المسرح العربي قاطبة, لا زالت المعاهد والفرق تدرس وتقدم أعماله في الكثير من لعواصم العربية, وكان أول عربي يُلقي كلمة يوم المسرح العالمي بتاريخ /27- آذار-1996/ .
الإشكالية ليست في الراتب التقاعدي, الإشكالية في العقلية الثقافية المسيطرة ضمن مؤسساتنا, في الآلية النقابية التي تحكم القبضة السياسية والأمنية على أعضائها بحجة الخطر الخارجي, فيما لا أعتقد أنّ خطراً أكثر من استمرار تلك العقلية واستمرار تلك الآلية, التي تطرد كل ظل يستطيل خارج حدودها, فكيف بمبدع شكل علامة فارقة في الثقافة السورية وفي المسرح العربي أيضا.
أرجو أن لا تمر قضية الدكتور حسين جمعة وكأنّ شيئاً لم يكن, أرجو أن تشكل هذه الحادثة مناسبة لإعادة النظر في العقلية الثقافية المتحكمة وفي الآليات النقابية المسيطرة, وأن يكتشف مثقفوا بلدي ضرورة أن لا يكونوا مُجرّد أرقام في قوائم الاتحاد, بل أن يكونوا فاعلين في إيصال صوتهم داخل النقابة وفي حقول الإبداع والمعرفة والسياسة الوطنية.
الجمل
التعليقات
في مديح السرقة -
سعد الله ونوس –
بداية أود
إضافة تعليق جديد