ندوة الصحافة الخاصة:انتقادات حادة ودفاع جاهز
بعد مضي خمس سنوات على نفاذها من كوة ضيقة سمحت لها، أن تنتش مرة أخرى في أرض تبدو إلى الآن دون معالم واضحة. يأتي السؤال: الصحافة السورية الخاصة إلى أين؟
يطرحه المنتدى الاجتماعي في دمشق في ندوة أقامها بتاريخ 29/1/2006 فيزيد عليه أسئلة لا تحصى كل من أتى لحضور الندوة التي خصصت لمناقشة واقع الصحافة السورية الخاصة.
عاملين في الإعلام الرسمي والخاص ومهتمين حضروا الندوة، التي تناوب على مناقشة عنوانها والإجابة عليه من زوايا مختلفة، كل من السيد أسعد عبود مدير تحرير جريدة الثورة، والسيدة سعاد جروس مديرة تحرير موقع الجمل، والسيد أيمن الدقر رئيس تحرير مجلة أبيض وأسود، والسيد عبد السلام هيكل رئيس تحرير مجلة الاقتصاد والنقل، والسيد طالب قاضي أمين معاون وزير الإعلام، والسيد محمد زينة مدير الصحافة والنشر.
صحافة خاصة ولكن!
"الصحافة الخاصة بتجربتها القصيرة تعاني من كل شي خاص"، هكذا عبر السيد أسعد عبود، مدير تحرير صحيفة الثورة، عن واقع الصحافة السورية الخاصة. حيث رأى أن هذه المعاناة هي نتيجة طبيعية لمرحلة ما بعد "إبعاد" الخاص التي استمرت عشرات السنين، تلك المرحلة التي أُسكتت فيها جميع أصوات الصحف الخاصة بكلمة واحدة، لتحل مكانها الصحافة الرسمية: "الإعلام الذي أسس كأداة لمساعدة الحكومة في عملية التحول الاشتراكي قام بدوره وفق المهمة التي أعد لها. والآن، ونحن نقوم بعملية التحويل الرأسمالي "علناً"، لا بد من وجود صحافة خاصة... ولكن كيف؟".
انطلاقة الصحافة الخاصة، بحسب عبود، لم تكن موفقة تماماً: "الهامش الذي منح للصحافة الخاصة لم يستثمر بالشكل الصحيح، حيث تقيدت بسقف النص! بل وبأقل منه!". واعتبر أن أهمية الصحافة الخاصة تأتي من تناولها للجانب السياسي، طالما أن الصحف الرسمية كالثورة وتشرين "كأنما تنطق بلسان الخارجية" بحسب الدور المناط لها! وأخذ على الصحافة الخاصة محدودية تجربتها في هذا الجانب: "على الصحافة الخاصة أن تقوم على الجرأة بالحرية، وفي منح الامتيازات، وعلى كادر صحفي حقيقي اختار مهنته حباً، لا بناءاً على المحسوبيات المعروفة".
الصحافة الخاصة.. إلى إغلاق!
هذه ليست نبوءة! وإنما واقع مشروط تحقيقه ببقاء الأحوال على ما هي عليه، بحسب السيد أيمن الدقر، رئيس تحرير مجلة أبيض وأسود. فالأحوال غير مطمئنة على الإطلاق في ظل وجود عدد هائل من الوسائل الإعلانية التي تنافس الصحافة الخاصة في قوت تعتاش منه. فضلاً عن الارتهان لقانون المؤسسة العربية للإعلان الصادر في عام 1963 والساري مفعوله إلى الآن: "نحن نتعامل إلى الآن بقانون مهترئ ينص في أحد بنوده على أن المؤسسة العربية للإعلان هي التي تحتكر الإعلان، ويدفع للمؤسسة نسبة عن الإعلان! واقع الحال أننا مطالبون، كأصحاب مطبوعات، بتأمين الإعلان والدفع للمؤسسة عمولة عمل لا تقوم به!".
قانون المطبوعات ومفرداته المطاطة أيضاًَ كان له نصيب من الانتقاد في حديث السيد الدقر: "منذ مدة وهناك حديث عن تعديل قانون المطبوعات وتطويره.. وإلى الآن يبدو أن هذا المشروع قد دخل في غيبوبة ولم يستيقظ بعد". وأشار الدقر إلى الفوضى العارمة التي تعيشها مؤسسة توزيع المطبوعات.
مراوحة في المكان
في مداخلتها، اعتبرت السيدة سعاد جروس، مديرة تحرير موقع الجمل، أن الصحافة الخاصة مازالت تراوح في المكان. وفيما يتعلق بقانون المطبوعات رأت أنه "حتى وإن صدر قانون مطبوعات عصري سيكون قاصراً عن مواكبة العصر". وأشارت إلى الواقع الجديد الذي خلقه الإعلام الإلكتروني، ومساحة التعبير التي أتاحها للجيل الشاب.
جروس تخوفت مما يشاع حول إصدار قانون لترخيص المواقع الإلكترونية: "في الوقت الذي يسعى العالم إلى توسيع شبكات الإنترنت نقوم نحن بتقييدها! من يفكر بإصدار مثل هذا القرار وماذا سيستفيد من ذلك؟ ربما الدولة لا تلاحظ ما قدمه الانترنت للجيل الشاب، ما تلاحظه هو الشيء السياسي والأمني". وختمت: "الخوف هو أن يصدر قانون للإعلام الإلكتروني يضع هذا الإعلام تحت القبضة".
الصحافة الخاصة.. مأزومة!
أربع أزمات أساسية تشكل معاناة العملية الإعلامية في سورية، بحسب ما تطرق إليه السيد عبد السلام هيكل، رئيس تحرير مجلة الاقتصاد والنقل، في مداخلته وهي: أزمة مضمون، وأزمة مستهلك، وأزمة إعلان، وأخيراً أزمة تسويق.
فالمضمون الذي ينشده القارئ السوري غير ملبى في الصحافة التي تستهدفه: "المضمون هو ما يحتاجه القارئ، لكن للأسف ما تزال القضايا التي تطرح في الصحافة السورية دون المأمول". وعدَّ هيكل الإعلام الخاص مقصراً في الوصول إلى القارئ. كما تطرق إلى التشوه الذي تعاني منها العملية الإعلانية في سورية، ورأى أن إصلاحها يقع في جزء منه على عاتق الدولة، وفي الجزء الآخر على أصحاب المهنة أنفسهم. وشدد على ضرورة وجود إدارة إعلامية فاعلة للمؤسسات الإعلامية تدرس الطرق الأنجع للوصول إلى القارئ، وتسويق المنتج الإعلامي بالطريقة الفضلى: "لكن للأسف نفتقر في سوريا لوجود مثل هذه الإدارة لمؤسساتنا".
(151) مطبوعة؟!
بالأرقام، استعرض السيد محمد زينة، مدير الصحافة والنشر، عدد المطبوعات التي رخص لها من قبل مجلس الوزراء حتى تاريخه، مبيناً عدد المطبوعات التي مازالت مستمرة والأخرى التي ألغي ترخيصها: "لدينا 151 مطبوعة حصلت على الترخيص من مجلس الوزراء وهي موزعة على جميع الاختصاصات والحصة الأكبر للمطبوعات الإعلانية. وقد ألغي ترخيص (53) مطبوعة لأسباب تتعلق بالعجز المالي، أو لخرق في شروط الترخيص".
"أي كان يرخص مطبوعة"!
إن كانت أصابع الاتهام قد طالت بطريقة أو بأخرى وزارة الإعلام كونها الخط الأمامي للتعاطي مع وسائل الإعلام، فالدفاع كان على أهبة الاستعداد. السيد طالب قاضي أمين، معاون وزير الإعلام، لم ينكر أن قانون المطبوعات المعمول به حالياً ظالم في بعض أجزاءه. وأضاف: "نعمل حالياً في وزارة الإعلام على إعداد قانون إعلامي يشمل جميع وسائل الإعلام".
وفيما يتعلق بتجربة الصحافة الخاصة قال: "قمنا بالترخيص لـ151 مطبوعة. وهذه التراخيص جاءت عشوائية، فالقانون الناظم لعملية الترخيص مطاط وغير مضبوط، إذ يستطيع أي كان أن يحصل على ترخيص إذا كان حاصلاً على شهادة جامعة فقط، دون النظر إلى خبرته في العمل الإعلامي، أو مقدرته المالية على الاستمرار في إصدار المطبوعة".
وأيد ما طرح حول وجود خلل في العملية الإعلانية في سورية: "المؤسسة العربية للإعلان لا تستطيع العمل إلا وفقاً للقانون الذي ينظمها، فهي ليست المشكلة وحسب، بل ضعف الإنفاق الإعلاني وامتصاص الإعلان الطرقي للكثير من الإعلانات هو أيضاً مشكلة يجب أن نعمل على حلها جميعاً".
وعن مشكلة التوزيع قال: "أتفق مع الزملاء أننا نعاني مشاكل في التوزيع". ونفى قاضي أمين وجود أي رقابة على الصحافة الخاصة من قبل وزارة الإعلام: "قانون المطبوعات لا يجيز لنا أن نراقب الصحافة الخاصة، فالمطبوعة تطبع وتوزع وتصلنا إلى الوزارة كأي قارئ آخر".
وتحدث قاضي أمين عن المنطقة الحرة الإعلامية: "قمنا بالاتفاق مع وزارة الاقتصاد ومدينة المعارض بإنشاء منطقة حرة إعلامية مستفيدين من قانون المناطق الحرة الذي يجيز ترخيص مناطق حرة إعلامية، وقمنا بالترخيص لصحف وإذاعات وفضائيات منها تلفزيون دينا والشام وبعض المطبوعات مثل الوطن وبلدنا، والمطبوعات التي تصدر من تلك المناطق تعامل كمطبوعات غير سورية".
الإعلام الالكتروني.. قريباً في القفص!
ربما من البداهة أن الإنترنت هو عالم افتراضي، خارج عن نطاق السيطرة، أما مشروع القانون الذي تعزم وزارة الإعلام إعداده، والذي أكد السيد قاضي أمين أنه سيطال وسائل الإعلام كافة بما فيها الالكتروني بقوله: "نسعى لإيجاد قانون ينظم الإعلام الإلكتروني بحدود إيجاد حريات مسؤولة"! سيفرض واقعاً جديداً! وإن كانت العبارات الكلامية التي جاءت على لسانه مخفَّفةً بعض الشيء: " لا نريد سوى أخذ علم وخبر، واسم المدير المسؤول للنشر"! بمعنى آخر أن الحرية التي يفرضها العالم الافتراضي في القانون الجديد الذي سيصدر مع تمنيات السيد معاون وزير الإعلام أن يكون شاملاً ومنفتحاً ويتناسب مع العصر وليس "مسلوقاً"، ستصبح "افتراضية" بالضرورة.
الصحافة الخاصة بين من يلقي اللوم عليها كونها لم تستثمر "هامش الحرية" التي أتيح لها! ومن يجدها مجرد قفزة في القفص، ومن يبحث عن وسائل للارتقاء بأدائها، تترك السؤال الذي طرحه المنتدى الاجتماعي في ندوته "إلى أين" مفتوحاً على احتمالات عدة.
أسئلة "على الهامش"
لم تكن أسئلة الحضور على الهامش حقاً، بل في صلب القضية المطروحة. لكننا سنكتفي هنا بإيراد الأسئلة، لأن المحاضرين أجابوا عليها من خلال السياق العام الذي أوردناه أعلاه.
*- السيدة ناديا خوست:
هل حقاً أن الصحافة هي مشروع استثماري أم أنها مرتبطة بمشروع ثقافي واسع؟! وأين هذه الهوامش من الحريات التي استفادت منها الصحافة الخاصة في ملاحقة الفساد؟! أشعر أننا نصطدم في الصحافة الخاصة بعقلية متخلفة! ترى هل أستطيع أن أعتبر صحافتنا الخاصة والرسمية كشهادة تاريخية؟
*- السيد يوسف مريج:
إذا كان قانون المطبوعات هو قانون "عقوبات" فكيف سيكون لدينا صحافة خاصة؟ الصحافة الخاصة في بلدنا هي لأولاد المسؤولين!
*- ردينة حيدر:
لا يزال هناك فرق شاسع بين "الخطوط الحمراء" والقضايا التي تطرحها القضايا الخاصة. والإنترنت أوجد فضاء واسعاً ليعبر الناس عن رأيهم بحرية أكبر. وسورية هي البلد الوحيد الذي يخترع قوانين خاصة بترخيص الانترنت.
منى سويد
المصدر: موقع نساء سوريا
إضافة تعليق جديد