الصحافة السورية «تكسر» الاحتكار الرسمي
تشرين» و «الثورة» و «البعث» و «الوطن» و «بلدنا»... هي أول إجابة تخطر على بال السوري عند سؤاله عن الصحف المحلية. وإذا كان أكثر اطلاعاً قد يعدّ «أبيض وأسود» و «الرياضية» و «الاقتصادية» و «المال» و «الخبر»، لكنه سيتوقف عن العد عند المطبوعة الرقم 20 بأحسن الأحوال، لأنها بعيدة من النماذج التي اعتاد رؤيتها في أكشاك بيع الصحف.
يبلغ عدد المطبوعات الحكومية والخاصة في سورية منذ صدور قانون الإعلام في العام 2001، 232 مطبوعة تتوزع بين 160 خاصة و 72 حكومية، بينما ينتظر اكثر من 300 شخص الموافقة على تراخيص تقدموا بها إلى وزارة الإعلام لإصدار مطبوعات جديدة غالبيتها إعلانية، كما يقول مدير الصحافة والنشر في وزارة الإعلام محمد زينة.
ويشير زينة الى ان المطبوعات المرخصة تتوزع بين 90 مجلة و70 صحيفة، بينها 33 مطبوعة إعلانية و34 اقتصادية و8 رياضية ومجلة سياسية واحدة هي «أبيض وأسود». أما العدد الأكبر من المطبوعات الخاصة، فهي اجتماعية وثقافية ومنوعة وفنية، ويصل عددها إلى 68 مطبوعة.
تحتكر العاصمة دمشق ثلاثة أرباع المطبوعات، إذ يصدر فيها 110 مطبوعات، منها 30 أسبوعية والبقية فصلية أو شهرية، ويصدر بعضها كل شهرين أو ثلاثة أو حتى 6 أشهر.
لكن مع هذا الكم من المطبوعات، تعتبر صحيفة «الوطن» التي تصدر من المنطقة الحرة، الصحيفة السياسية الوحيدة التي رخصت في البلاد منذ قيام الوحدة المصرية عام 1958، الى جانب مجلة «أبيض وأسود». وحملت الصحيفة التي نزلت الأسواق في أواخر العام 2006 شعار «أول صحيفة يومية سياسية خاصة منذ 40 سنة»، وتحتوي على مواضيع سياسية ومحلية واقتصادية وثقافية.
وتقع صحيفة «الوطن» في 16 صفحة، 8 منها سياسية، ولها ثلاثة مكاتب في المحافظات. وتطبع 42 ألف نسخة توزّع نحو 87 في المئة منها، بحسب إحصاءات «الوطن».
وعن سبب إصدار الصحيفة من المنطقة الحرة، أوضح رئيس تحرير «الوطن» ومؤسسها وضاح عبد ربه أن الإصدار من السوق الحرّة «أوفر من ناحية التكاليف، فعلى الصحف المرخّصة من قبل وزارة الإعلام دفع ضرائب الأرباح وعمولات ليس لها أساس قانوني»، ويشير الى ان «الوطن» تتميز عن الصحف الحكومية «بمساحة حرية أوسع، إذ تنشر فيها تعليقات وآراء لا يمكن نشرها في الصحف الحكومية».
وتلتقي صحيفة «الوطن» بهذه الخاصية مع زميلتها مجلة «أبيض وأسود» التي صدرت في العام 2001 بـ 48 صفحة وتوزع نحو عشرة آلاف نسخة. «وتتجاوز نسبة مبيعاتها 70 في المئة بين اشتراكات وشراء»، بحسب رئيس التحرير أيمن الدقر الذي يضيف ان «أبيض وأسود» تركز على التحليل السياسي، إضافة إلى المواضيع الاقتصادية والثقافية ، «من دون الرجوع إلى الدولة، كما يمكن أن تتناول الأداء (الحكومي) بالنقد أو الاتفاق»، مشيراً إلى أن المجلة «لا تتحدث كما الصحف الحكومية عن إنجازات الحكومة، وإنما عن الذي لم تنجزه بعد».
يذكر أن «أبيض وأسود» حصلت على درع «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» عام 2007، باعتبارها «أكثر صحيفة قاربت المعايير الدولية للإعلام بفترة انتخابات مجلس الشعب».
وتجربة «الوطن» ليست الأولى، إذ سبقتها «الدومري» بترخيص خاص بنهاية عام 2001، وكانت أسبوعية ساخرة تتناول قضايا سياسية واجتماعية من خلال الكاريكاتور. لكنها توقفت قبل ان تتم عامها الثاني.
ويشير زينة الى انه ومنذ صدور قانون المطبوعات عام 2001، رخصت وزارة الإعلام 230 مطبوعة توقفت منها 70، بعضها تلقائياً نتيجة «ضعف التمويل»، والبعض الآخر من قبل الوزارة لـ «عدم الصدور في شكل منظم والانقطاع لفترة طويلة من دون الحصول على اذن بتوقف موقت».
ويؤكد زينة أن الوزارة «لم تلغ ترخيص أي مطبوعة باستثناء المطبوعات التي أوقفت من قبل أصحابها، فحتى المطبوعات المخالفة لشروط الترخيص ترسل اليها إنذارات فقط».
وتشترط وزارة الإعلام على طالبي الترخيص لمطبوعات جديدة أن يكون صاحب المطبوعة والمدير المسؤول ورئيس التحرير خريجين جامعيين وسوريين وغير موظفين وعمر كل واحد منهم يتجاوز الـ25 سنة، إضافة إلى شروط فنية تتعلق بالقطع وعدد الصفحات. ففي المجلة يجب أن يتجاوز عدد الصفحات 32، أما في حال الصحيفة فلا يعطى الترخيص لأقل من 8 صفحات.
ويجب أن تقوم المطبوعة بتوزيع أعدادها من طريق «مؤسسة توزيع المطبوعات» وفقاً للمرسوم التشريعي رقم 42 لعام 1975 الذي أعطى «المؤسسة» صلاحيات عدة مثل تحديد عدد النسخ الموزعة.
وبحسب مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في ايلول (سبتمبر) العام الماضي، يتوقع ان تلغى العام المقبل حصرية توزيع المطبوعات الدورية وغير الدورية المحلية والعربية والأجنبية من قبل «مؤسسة التوزيع».
وتمر عملية الحصول على ترخيص بدراسة من جانب وزارة الإعلام لحاجة السوق، وإذا تمت الموافقة على الترخيص يرسل إلى رئاسة مجلس الوزراء ليوافق عليه، وقد تستغرق هذه العملية «ثلاثة أشهر، أو ثلاث سنوات»، بحسب زينة.
ولرئيس الوزراء حق رفض منح الرخصة «لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة»، وفقاً للمادتين 12 و22 من قانون المطبوعات رقم 50 لعام 2001.
المطبوعات الحكومية
وفي سورية ثلاثة أنواع من الصحافة، أولها الصحافة الرسمية التي تتجلى في ثلاث صحف رئيسة، هي «تشرين» و«الثورة» و «البعث»، إضافة الى خمس صحف مناطقية تصدر في المحافظات هي «العروبة» و«الوحدة» و «الفداء» و«الجماهير» و «الفرات» إضافة الى صحيفة تصدر بالإنكليزية هي «سيريا تايمز» التي تخضع حالياً لتطوير شامل. وهذه الصحف تعبر عن وجهة نظر الحكومة والدولة وحزب «البعث» الحاكم في البلاد. وتستقي أخبارها في شكل رئيس من «الوكالة السورية للأنباء» (سانا) الحكومية.
كما تصدر 19 مجلة شهرية عن الوزارات المختلفة، مثل مجلة «فنون» و «المعرفة» و «الحياة التشكيلية» و «الاقتصاد» و «جيش الشعب» و «الفكر العسكري» و «الجندي العربي» و»الشرطة». وتصدر الهيئات والمؤسسات والشركات الحكومية 21 صحيفة، ومثلها النقابات والاتحادات، وهناك 3 صحف تصدر عن الجامعات الحكومية.
وأوضحت الأرقام التي أظهرتها بيانات المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات، أنّ صحيفة «تشرين» حصلت على أعلى نسبة بيع بين الصحف الحكومية بنسبة 77 في المئة، من بين نسخها التي تتراوح بين 53 و60 ألفاً.
وتستمد الصحف الحكومية أخبارها في شكل أساسي من وكالة «سانا» وهي وكالة الأنباء الوحيدة، وتعتبر هيئة من الهيئات الحكومية التي تتبع لوزارة الإعلام، ويلزم قانون المطبوعات السوري كل الصحف والمطبوعات بالاشتراك في الوكالة كشرط من شروط الترخيص.
وسمح قانون المطبوعات السوري لأحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» (تضم 10 أحزاب سياسية مرخصة بقيادة «البعث») بإصدار صحفها الخاصة عام 2001، بعد غياب خمسين سنة للإعلام الحزبي المرخص باستثناء صحيفة حزب «البعث».
وتصدر عن هذه الأحزاب 8 صحف، واحدة فقــط يومية وهي «البعث» وصحيفتان أسبوعيتان هما «النور» للحزب الشيوعي - جناح يوسف فيصل، و «صوت الشعب» للحزب الشيوعي - جناح بكداش، إضافة إلى ثلاث صحف نصف شهرية هي «الميثاق» لـ «الاتحاد الاشتراكي»، و «آفاق» التي يصدرها «حزب الاشتراكيين العرب»، وصحيفة «الفجر»، وصحيفة «البناء» الشهرية لـ «الحزب القومي السوري الاجتماعي».
وتعتبر «الوحدوي» النصف شهرية أول صحيفة حزبية صدرت عن «حزب الوحدويين الاشتراكيين» في العام 2001، وبعد صدورها بسنوات حصلت على ترخيص من وزارة الإعلام باعتبارها مطبوعة خاصة مع بقية صحف الأحزاب، وذلك لغياب قانون أحزاب سوري يحددّ الموازنات، وبالتالي يسمح بإعطاء تراخيص لمطبوعات كصحف حزبية.
وعن هدف الصحف الحزبية ومضامينها، يقول مدير تحرير «الوحدوي» خالد العبود ان «الأحزاب كانت تبحث عن صحف توصل من خلالها أفكارها وآراءها للشارع السوري لتصبح جزءاً من الحراك السياسي، وهي لا تبحث الاستثمار والمردود المادي، ولذلك لا تعمد إلى الإثارة وجذب الرأي العام، ما يؤدي بالضرورة إلى عدم قدرتها على منافسة الصحف الحكومية والخاصة».
ويعتبر العبود الصحف الحزبية «منبراً يوصل من خلاله كل حزب أفكاره ومواقفه وآراءه على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى تمرير أخبار الحزب والأخبار التي تخدم وجوده وعلاقته مع الأحزاب الثانية».
وتعبر الصحف الحزبية، كما يقول عبود، عن «مواقف الحزب وليس وجهة نظر الحكومة»، وهذا ما يجعلها مختلفة عن الصحف الحكومية. وتطبع صحف الجبهة مجاناً في المطابع الحكومية. كما تخصص لها «المؤسسة العامة للإعلان» مساحة إعلانية ثابتة.
زينة إرحيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد