ندوة مؤسسة كارنيجي حول عزل حكومة حماس

04-06-2006

ندوة مؤسسة كارنيجي حول عزل حكومة حماس

الجمل

المتحدثون:
-ناثان براون، عضو مؤسسة كارنيجي
-جوليا تشوسير
-لاري غاربر
-أوري نير.
-تقديم الندوة: ناتان براون
المداخلون:
لاري غاربر: مدير بعثة المعونة الأمريكية السابق في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمدير التنفيذي الحالي لصندوق إسرائيل الجديد.
-أوري نير: مراسل الواشنطن.
-إدارة النقاش: جوليا شوسير، عضو مشارك، ومحرر مساعد في نشرة الإصلاح العربي، في مؤسسة كارنيجي للسلام.

قدم ناثان براون رؤيته السياسية، حول «التعايش مع الديمقراطية الفلسطينية»، التي نشرتها مؤسسة كارنيجي في أيار عام 2006، وطرح فيها رأياً، يقول بأنه عن طريق عزل حكومة حماس مالياً ودبلوماسياً، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها، قد نجحوا في دفع السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار.
ركزت ملاحظات براون، على ثلاث مسائل، هي: ماذا كان رد فعل الولايات المتحدة وحلفاؤها على فوز حماس؟ ما هي المضاعفات؟ وهل هنالك سياسة بديلة؟ فمنذ كانون الثاني، استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإعلان سلسلة من القرارات، تخلو من أي أهداف سياسية واضحة.
كانت سياسة الولايات المتحدة، تتمثل في أنه لا يجب إقامة اتصالات مع حماس. وهذا يعني، من الناحية السياسية، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون في مقدور المسؤولين الأمريكيين إجراء الاجتماعات واللقاءات مع معظم المسؤولين في السلطة الفلسطينية. وكانت المضاعفات المالية أكثر تأثيراً، بسبب اعتماد السلطة الفلسطينية على التمويل الخارجي، وعلى الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية.
هذه الإجراءات، أدت إلى مضاعفات واضحة، أهمها: إفلاس السلطة الفلسطينية. ولكن الهدف من وراء خلق حالة الإفلاس هذه، يبدو غير واضح. وثمة هدف واحد محتمل - رغم عدم وضوح معالمه- يتمثل في إسقاط حكومة حماس، من أجل إعادة (فتح) إلى قيادة السلطة الفلسطينية. وحذر براون من عدم وجود آلية قانونية للقيام بذلك، إلا إذا تم تمزيق الإجراءات القانونية والدستورية الفلسطينية.
إن السياسة الهادفة لإحداث انقلاب فلسطيني، بالضرورة ستؤدي إلى الاضطراب الأهلي المدني. وفي الحقيقة، فهناك مؤشرات أولية للحرب الأهلية، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه السياسة يمكن أن تعيد إلى سدة السلطة حركة فاقدة للثقة (حركة فتح) وغير صالحة للقيادة - ولن يكون قادتها صالحين للحكم - وربما تؤدي هذه السياسة إلى كارثة إنسانية؛ فالسلطة إلى الآن غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية، أو دفع الأجور والرواتب. ويحاول الاتحاد الأوروبي حالياً، القيام بالبحث عن السبل الممكنة لتفادي حدوث الكارثة الإنسانية. ولا يمكننا سوى القول بأن هذه السياسات، ستسد سبل حل مشاكل الفلسطينيين الاقتصادية والسياسية.
كان لفوز حماس بعض المضاعفات على آفاق التغيير الديمقراطي في العالم العربي. والشيء الأهم، يتمثل في أن انتخابات كانون الثاني، قد أدت إلى انتزاع المقاعد من حزب عربي حاكم، في حين كان أبناء المنطقة يتابعون باهتمام بالغ رد الفعل الدولي لانتصار حماس. وفي الوقت نفسه، هناك تغير ملحوظ في اللهجة الأمريكية حول دعم الإصلاح في العالم العربي. وتقول بعض الآراء بأنه لا يمكن فهم رد الفعل المصري إزاء المواجهة مع القضاة، من دون الإشارة إلى فوز حماس. والمعروف أن الحكومات القمعية، تشعر بالحرية في اتخاذ الإجراءات التي كانت تتخوف منها في الماضي. فالحركات الإسلامية في المنطقة - وبالذات التي تنادي بفتح المجال للمشاركة السياسية - أصبحت يقظة لردود الأفعال بعد فوز حماس. وبالإضافة إلى الكارثة السياسية والاقتصادية الناتجة، فإن رد الفعل الأمريكي الحالي على فوز حماس، يستدعي تساؤلاً كبيراً، حول أجندة تطوير الديمقراطية المطروحة أمريكياً في المنطقة.
أشار براون إلى وجود بديل لهذه السياسة، ويمكن اعتماد ها البديل، فقط على المدى الطويل. ووجد براون أن الحلول القصيرة الأجل- كإعادة تنصيب فتح على سدة الحكم، أو البحث عن ذرائع لمراجعة نتائج الانتخابات- ستؤدي إلى مضاعفات خطيرة جداً. لذا، على الولايات المتحدة أن تقوم بخطوات واسعة باتجاه الإصلاح، آخذة بعين الاعتبار ظهور نظام الحزبين الكبيرين، أو الثنائية الحزبية. وبالتالي، فإن أي محاولة لتقويض هذا الظهور، سيؤدي إلى مضاعفات سلبية طويلة الأمد. أما إذا دعمت الولايات المتحدة هذا النظام وهذه المنافسة، فإنها ستدعم مصداقيتها وموثوقيتها في المنطقة العربية. ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم الديمقراطية الفلسطينية، عن طريق المساعدة في إنشاء مفوضية أو لجنة منفصلة للانتخابات، ذات هيئة قضائية مستقلة أيضاً. ويمكنها أن تدعم الإصلاح في الحزبين الرئيسين. ويتوجب على الولايات المتحدة أن تحرر (فتح) من الفكرة الخاطئة، التي تقول بأنها ستجد المزيد من الدعم والتأييد، إذا استطاعت (فتح) مجدداً الاستيلاء على السلطة السياسية، والعمل على تغيير موقف حماس تجاه إسرائيل. وحماس، وفقاً لرأي براون، قادرة على تعديل موقفها من إسرائيل.
أبدت حركة حماس انفعالاً وتوتراً حقيقياً، ويبدو أن ذلك مرده، إلى أن الحركة مجهزة لخوض الانتخابات، وليس لأن تحكم. وما يمكن أن يشجع على اعتدال موقف الحركة، هو فرصتها في مواجهة الناخبين بعد أربع سنوات، حيث يمكن أن تؤدي الضغوط إلى اعتدالها.
قدم لاري غاربر مداخلة تكميلية لتحليل براون، وذلك باستكشاف الدور الكامن أو المحتمل للرئيس محمود عباس. وقام غاربر بتدقيق بعض القصص المتعلقة بدعم الديمقراطية، التي تقدمها الولايات المتحدة في فلسطين. وقد أشار إلى أن محمود عباس أيضاً، قد واجه مأزقاً سياسياً خطيراً. وبإمكان محمود عباس، فقط، أن يحل العقدة أو يفك ارتباطه إما بالاستقالة، أو بالاعتراف بعدم قدرته في السيطرة على التطورات وحسمها، وهو مسار موجود من قبل في سجل حياته السياسية. أما على النقيض من ذلك، فبإمكان عباس أن يواجه حماس بشدة وحزم، وذلك عن طريق التشديد على الصلاحيات السياسية، كما هي محددة في الدستور الفلسطيني، ويقبل بأن حالة الاضطراب والفوضى، يمكن أن تثمر شيئاً مفيداً. وهذا يعني أن محمود عباس سيعطي الموقع الرئاسي صلاحيات أكبر، علماً بأن هناك عدداً من الالتباسات المبهمة في الدستور، حول دور الرئيس ودور رئيس الوزراء. ما يعني أن استمرارية السيطرة على قوى الأمن في يد الرئيس، على النحو الذي يخلق آليات تحث السلطة الرئاسية للتعامل مع الجهات المانحة للمساعدات والمعونات، وأن يقوم أيضاً بممارسة دور ناشط في السيطرة على السلطة التشريعية، والقيام بالأنشطة الدبلوماسية، سواء ساعدته أم لم تساعده حماس على ذلك، وأيضاً القدرة على إقالة الحكومة، أو الوزراء بشكل فردي أو جماعي. ومن وجهة النظر الدستورية القاطعة، يمكن القول بأنه من غير الواضح حتى الآن كيف سيؤدي كل ذلك إلى إزاحة حماس عن السلطة. كذلك، فهناك خيار ثالث، يتمثل في محاولة تحييد حماس عن طريق استيعابها تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، حيث يتم التوصل إلى تسوية مؤقتة معها حول السيطرة على السلطة الفلسطينية.
من الصعب التكهن بأي من المسارات التي سوف ينتهجها محمود عباس. وعلى صانعي السياسة والقرار السياسي، أن يكونوا أكثر حذراً في التكهن بكيفية إجراء ذلك. فأولاً، وقبل كل شيء، هناك خطر يكمن في شخصنة هذه المسألة؛ فالولايات المتحدة تقم بذلك منذ سنوات مع الرئيس عرفات. وعندما مات عرفات، كان الدستور الموجود أمام الفلسطينيين يتضمن، في أفضل الأحوال، الالتباس والغموض، وفي أسوأ الأحوال، يحتوي الإعاقة وعدم القدرة على القيام بدوره الوظيفي، على النحو الذي يعيق التوجهات الواضحة للسلطة. والجهد المبذول لتصحيح الخلل الدستوري الحالي، يتم عن طريق القيام بانقلاب أبيض، أو عن طريق إعطاء المؤسسات القائمة صلاحيات غير محددة. وهذا ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل التطور الديمقراطي في فلسطين وبقية المناطق في الشرق الأوسط. وهناك سبب، يجب الانتباه إليه، يتمثل في التكهن بالكيفية التي سوف يتصرف بها محمود عباس، بناء على خبراته. فقد كان عباس راعياً لمحادثات أوسلو، التي أخفقت بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين. وبرأي معظم المسؤولين الأمريكان، فإن عباس لم يلعب دوراً بارزاً في محادثات كامب ديفيد، إضافة إلى أنه استقال بعدها بثلاثة أشهر من منصبه كرئيس للوزراء، لأنه لم يستطع ممارسة صلاحياته كاملة، كما كان يأمل. وحين أصبح عباس رئيساً للسلطة، في العام الماضي، فشل في اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ حكمته وشعاره الذي ينادي بـ «سلطة واحدة، بندقية واحدة، وقانون واحد». والمثير للجدل أن عباس ظل مخلصاً لأجندة انتخاباته التشريعية، وحتى عندما تبين أن حماس سوف تحقق نتائج جيدة، وأن بعض صانعي القرار السياسي في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، قد أصبحوا يفضلون تأجيل أو إلغاء أو تعليق الانتخابات.
إن ميزة محمود عباس، تتمثل في أنه ضعيف وغير حاسم. ورغم ذلك، فهناك ثمة قراءة أخرى لمحمود عباس، تقول بأنه قومي فلسطيني، من النوع الذي ينظر في أن دوره يكمن في تعزيز وتقوية المؤسسات الفلسطينية. ومن ثم، وفقاً لرؤيته، فإن السير باتجاه الانتخابات، هو الوسيلة الوحيدة لدمج واحدة من الشرائح السكانية، بشكل كلي في المجال السياسي والعملية السياسية. وإذا كان محمود عباس قومياً بالفعل، فسوف يكون من الخطأ الافتراض بأنه سيمضي قدماً مع الجهود الرامية لتقويض المؤسسات الفلسطينية. وعلى النقيض من ذلك، فمن الممكن أن يهدف إلى محاولة الوصول إلى الإجماع الوطني، وبهذا يستطيع دمج حماس ضمن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ويعترف بحقها في الاستمرار في الحكم، حتى الانتخابات المقبلة.
ورأى غاربر، بأن ذلك يمكن أن يخلق لواشنطن، كابوساً سياسياً خطيراً جداً.
رغم دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في فلسطين، فقد لاحظ غاربر، بأن هناك إجماعاً في واشنطن حول الحاجة إلى الاستمرار في هذا الدعم. وكان هدف غاربر فضح ثلاث أمور حول دعم الديمقراطية، التي رأى بأنها من الممكن أن تكون صحيحة في بعض أجزاء من العالم العربي، ولكن ليس في فلسطين. فأولاً: الولايات المتحدة لم تدفع باتجاه الانتخابات، بل الفلسطينيون هم الذين فعلوا ذلك، وشددوا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها؛ وثانياً: دعم الديمقراطية الذي قدمته الولايات المتحدة، لم تنل الانتخابات حصة منه، وبدلاً من ذلك، كانت جهود الدعم تركز على التطور والتنمية المؤسسية والمجتمع المدني؛ وثالثاً: اتهم المراقبون خطأ، بالفشل في إيجاد بدائل لحماس وفتح، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تعطي حماس المزيد من الخصائص.
وإذا أخذنا هذه الظروف بعين الاعتبار، فإننا نجد أن غاربر قد تعاطف مع بعض توصيات براون السياسية، ورأى بوجوب بذل الجهود من أجل البناء على ما هو موجود وقائم بالأساس. ورغم أن هناك إجماع حول دعم المؤسسات، مثل لجنة الانتخابات المستقلة واللجنة القضائية المستقلة، فإن غاربر يتخوف من أن يختفي كل ذلك، إذا أصرت حماس على بعض التمثيل في هذه المؤسسات. ولكن هذا لا يمكن أن يثير القلق، طالما أن هذه المؤسسات ستستمر في القيام بعملية التوجيه الديمقراطي. وبعيداً عن لجنة الانتخابات ولجنة القضاء، فإن دعم الديمقراطية يجب أن يستمر للمؤسسات الأخرى - ومن بينها المجلس التشريعي الفلسطيني، رغم تمثيل حماس الكبير فيه - والمؤسسات التي تحتاج إلى العملية الديمقراطية، مثل مفوضية المياه الفلسطينية، صاحبة المهنية العالية.
اتفق أوري نير مع تحليل براون، ولكنه حثه على أن يحدد بالضبط ما يعنيه تحمل حماس، منوهاً إلى أن ثمة تحديدات مختلفة تثير المسائل السياسية المختلفة. فإذا كان صبرهم يعني المشاركة، على سبيل المثال، فإلى أي مدى وإلى أي حد؟ وإذا كان يعني انتهاج سياسة سلبية، فماذا يعني ذلك؟ وهل كان يقصد بأنه يتوجب على واشنطن أن تنتهج سياسة مناهضة للإرهاب، وفي الوقت نفسه يقوم الأوروبيون بجهود لدرء الكارثة الإنسانية؟
أشار نير إلى أن هذا يحدث الآن، لأن الولايات المتحدة توافق على سياسة الآلية الأوروبية المؤقتة. وفي الوقت نفسه، تحافظ على سياستها المتعلقة بعدم الاتصال مع حكومة حماس.
إن سياسة محاولة تجنب حماس وإهمالها هي بديل متاح. ولكن بالنسبة لبراون، فمن الخطأ التكهن بأنه في الوقت الذي يحدث فيه اليأس من عملية تغيير النظام، فإنه على الولايات المتحدة أن تتلاءم مع وجود حماس. وبالفعل، فقد رأى نير بأن السؤال الأكثر أهمية يجب أن يكون: هل من المستحيل عزل حماس، في الوقت الذي تمسك فيه على هياكل السلطة الفلسطينية؟
وللاستنتاج، فقد قدم نير ملاحظتين؛ الأولى تتمثل في أنه من الممكن لولايات المتحدة أن تتبع سياسة محافظة إزاء حماس أكثر تشدداً من سياسة إسرائيل، خاصة وأن الإسرائيليين بدأوا يتحققون من أنهم محتاجون إلى التعامل مع حماس؛ والثانية تتمثل في أن نير قد أشار إلى أن التأثيرات السلبية لسياسة الخنق، لا يمكن أن تكون حصراً هي السبيل الوحيد للاقتتال بين حماس وفتح. وفي الحقيقة، فإن الاقتتال الداخلي هو أمر حادث بالأساس، وعلى وشك التصاعد.
خلال فترة طرح الأسئلة والأجوبة، شدد كل المتحدثين على أهمية تقييم سياسة الولايات المتحدة إزاء حماس. وقد اقترح براون أن هناك عدداً من المعايير الواقعية، التي يمكن أن تحدد إذا ما كان تغيير سياسة الولايات المتحدة من حالة تطبيق العزلة على حماس إلى سياسة الصبر والتحمل معها.

 

 

الجمل : قسم الترجمة

المصدر: مؤسسة كارنيجي
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...