نهايات حائرة بين منطق الحكاية ورضا الجمهور وشطحات المخرجين

06-10-2008

نهايات حائرة بين منطق الحكاية ورضا الجمهور وشطحات المخرجين

عندما تبدو الحكاية مرتبكة لا يجد راويها سوى أن يفبرك نهايتها ليبدو مقنعاً، هكذا بدت على الأقل حكاية »باب الحارة« حين وجد صانعو المسلسل أنفسهم أمام مأزق »كيف أترك باب الجزء الثالث مشرعاً أما جزء رابع، بل وجزء خامس«، فعمدوا إلى فبركة مواجهة تبدو غير متعادلة في الحقيقة بين أهل حارة الضبع والفرنسيين الذين بدوا مجموعة جنود سذج، وهم يقفون أمام باب الحارة بينما يقوم »قبضاياتها« بتصيدهم بطريقة استعراضية لا تنفع إلا في أفلام الأطفال الكرتونية. جمال سليمان في »أهل الراية«.
نهاية الجزء الثالث لمسلسل »باب الحارة« تكاد تكون متشابهة إلى حد كبير مع نهاية الجزء الثاني من المسلسل، دائما هناك من يقع في أسر الجنود، وهو الأمر الذي (فقط في نهاية المسلسل) لا يروق للشرف الرفيع لأهل الحارة، فيتحركون لتحرير أسراهم في نهاية مفتوحة تبدو مخالفة للمنطق الدرامي ولكنها بالتأكيد بمنطق الحارة المغلق على التناقضات، ستبدو نهاية مشروعة، ولاسيما حين تسمع أحد صناع العمل يتحدث عن رسالة وطنية تدعو إلى المقاومة ينطوي عليها هذا المشهد بالذات! ويبدو ان الرؤية هذه كانت السبب في الجو الخطابي في النهاية المفتوحة.
في مسلسل »أهل الراية« بدت النهاية مكشوفة منذ بداية الحكاية، فالرواية التي لن تختلف كثيراً عن حكايات الجدات، وتتقاطع كثيراً مع أفلام الكرتون »بياض الثلج«، »فلة« و»الأقزام السبعة«.. لابد لها أن تنتهي إلى النهايات التقليدية ذاتها، حين ينتصر الخير ويندحر الشر ويتزوج البطل المقدام من البطلة الحسناء، ليعيشا في سبات ونبات.
فـ»سلطان أبو الحسن« الذي عرف في النهاية الحقيقة كاملة، عاد ليعثر على ولده الحسن، بعدها تحمس »رضا الحر« ليكشف له سر ابنته »قطر الندى«، التي لم تمت، ولأن »رضا حفظ عرض أبي الحسن« بحسب المسلسل، لا يتوانى أبو حسن عن مكافئته بتزويجه »قطر الندى«... ولأن الشر لابد أن يندحر، تجن زوجة الأب الشريرة، وتعود الفرحة هذه المرة.
المثير في النهاية هي تلك الخاتمة الغنائية التي وظف فيها المخرج علاء الدين كوكش نجمي المسلسل جمال سليمان وقصي خولي وصوت الفنان عبد الرحمن آل رشي في شكل فني أبعد ما يكون عن طبيعة المسلسل... طغت فيه خطابية بدت نافرة تماماً عن سير الحلقات.
إذاً، »التقليعة« هذا العام كانت النهايات الغنائية التي أصبحت موضة دارجة، وقد انتهى بها مسلسل »خط أحمر« أيضاً، حين قدم نجوم المسلسل من سفوح جبل قاسيون أغنية »من قاسيون أطل... « وهي أغنية تستحق الاحترام والتقدير، ولا سيما أنها لامست الجرح العربي ومعاناة الشعب العربي في لبنان وفلسطين والعراق والصومال... ولكنه تقدير يأتي بمعزل عن السياق الدرامي التي وضعت الأغنية فيه، فقد جاءت على نحو لا علاقة له بشكل المسلسل وبمضمونه، وقد عمد صناع العمل لتبرير وجودها إلى حشر خط درامي هامشي، يبدو فيه الشباب الذين انتجو الأغنية مجرد كومبارس، إلى جانب عدد من نجوم المسلسل، ظهروا من دون مقــدمات مـقنعة تبرر لنا اختيارهم الوطــني الصـارخ كما انتهى إليه المسلسل.
بدوره، توقف »خط أحمر« في مشهده الأخير عند توافد دفعة جديدة من المصابين بالإيدز مع عبارة مكتوبة بأن أعداد المصابين بالإيدز في تزايد، وبهذه النهاية يكون المسلسل قد بقي مخلصاً لرسالته التربوية التي اختارها منذ البداية، و هي رسالة جاءت أحياناً على حساب ما هو فني فيه.
ولعل من النهايات المقنعة ما حفلت به الحلقة الأخيرة من »ليس سراباً«، فالعمل الذي كان مقدر له نظرياً أن ينتهي بموت بطله »جلال« اختار أن يترك الحياة مستمرة، بل واستمر بعرض خيوطه الدرامية، كما لو أنه أراد أن يقول لنا أن هذه الحياة مستمرة لا تتوقف عند أحد.
ينهي كاتب »ليس سراباً« فادي قوشقجي خيوط حكايته كما اقتضت، فالشراكة بين أخ »جلال« وزوج »حنان« ستنتهي، هكذا ببساطة، لانتهاء المصلحة المشتركة بينهما، وتمضي بقية شخصيات العمل في حياتها المعتادة، بعثراتها وأحلامها. لم يقدم »ليس سراباً« نهايات سعيدة لأبطاله ولكنه ترك حياتهم مفتوحة على الاحتمالات... تلك هي الحياة.
في نهاية مسلسل »ليل ورجال« سيُقتل الدجال أبو معروف، وسيقتله من كان يقف خلفه، لكن دجال جديد سيظهر في الأفق ليعاود مشوار الدجل عوضاً عن أبي معروف... والنهاية هنا تأتي منسجمة مع طبيعة الحكاية، وانتصرت لمقولة المسلسل الواضحة في أن غيابُ دجَّال واحد لا يعني نهاية الدجل؛ فالأمر ما زال مستمراً، فجوهر المشكلة لا يكمن في الدجالين، بقدر ما هو مرتبط بوجود من يصدقهم.
في الغالب لا يحب الجمهور النهايات المفتوحة، أو حتى الحزينة، يريد للأبطال دائماً نهاية سعيدة، ولكن الواضح من نماذج هذه المسلسلات أن النهاية السعيدة ليست دائماً هي النهايات المحكمة درامياً، وأن النهايات المفتوحة، لا تعاكس دائماً مزاج الجمهور... ولعل الثابت الصحيح في كل هذه النهايات هو منطق الحكاية، ولكن من يحمي هذا المنطق من شطحات بعض المخرجين؟

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...