نهر النيل رهينة لأمريكا وإسرائيل
الجمل: ظلت مصر دائماً، وفي كل المراحل التاريخية، تمثل رهبة النيل، وذلك بسبب اعتماد الحياة، كل الحياة في مصر على مجرى نهر النيل، وحالياً كل الشعب المصري البالغ تعداده (70 مليون نسمة) على ضفتي نهر النيل، والتي تمثل فقط حوالي (7%) من إجمالي مساحة مصر، وبعملية حسابية بسيطة يمكن القول: إن الشعب المصري يعيش على 70 ألف كيلو متر من مساحة مصر البالغة واحد مليون كيلو متر!!
السياسة الخارجية المصرية، ظلت منذ أيام الفراعنة تركز على العمل ضمن محورين هامين، الأول هو محور الجنوب، من أجل تأمين منابع النيل باعتباره شريان الحياة لمصر، والثاني محور الشرق، باعتباره مصدر الخطر الداهم الذي أتت عبر بوابته كل حملات الغزو الخارجي والتي احتلت أراضي مصر بدءاً من الهكسوس، (الهكسوس تمثل التسمية المصرية للسوريين القدماء الذين حكموا مصر لمئات السنين)، وحتى احتلال القوات الإسرائيلية لسيناء في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي.
بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ظلت النخبة الحاكمة في مصر أكثر اهتماماً وانشغالاً بالعمل من أجل دعم تنفيذ المخططات والأجندة الإسرائيلية الأمريكية في منطقة شرق المتوسط، وذلك بشكل أهملوا فيه تماماً ملفات مياه النيل الفائقة الحساسية، وقد أدت عملية تبعية السياسة الخارجية المصرية إلى السياسة الخارجية الأمريكية إلى توريط مصر في الكثير من المشاكل والخلافات مع بلدان منطقة حوض وادي النيل، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- دعم نظام اسياس أفورقي في ارتيريا، برغم أنه يعادي الدول العربية بوضوح سافر، ويعمل لصالح إسرائيل وأمريكا في منطقة القرن الأفريقي.
- دعم نظام الرئيس عمر فيلي في جيبوتي برغم استضافته لعدد من القواعد الأجنبية على النحو الذي يهدد حرية الملاحة في البحر الاحمر، وأمن ممر ومضيق باب المندب الذي يتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
- دعم متمردي جنوب السودان، برغم أنهم يعملون من أجل الانفصال وإقامة دولة أفريقية معادية للعرب، وتتحالف مع أمريكا وإسرائيل، في منطقة منابع النيل.
- مساندة حركات التمرد في دارفور عن طريق السماح لهم بفتح مكاتب سياسية في القاهرة، تساعد كثيراً في اتصالاتهم بالدول الخارجية.
- تبني قرار فرض العقوبات الدولية ضد السودان بوساطة مجلس الأمن الدولي خلال منتصف فترة تسعينيات القرن الماضي.
- دعم الفصائل الصومالية الموالية لأمريكا في الحرب الأهلية الصومالية.
الآن، بدأت أولى تداعيات أزمة مياه النيل تطل برأسها في مواجهة النظام المصري، ويمكن توضيح أبرز الملامح على النحو الآتي:
• أعلنت اثيوبيا رغبتها في تطوير أنظمة الري المائية الداخلية، وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للشعب الاثيوبي البالغ تعداده 65 مليون نسمة.. وبالتالي من المتوقع أن تقوم اثيوبيا ببناء 20 خزاناً مائياً على مجرى نهر النيل الأزرق (الرافد الأول لنهر النيل)، علماً أن هذه الجسور والخزانات قد قام الخبراء الإسرائيليون بوضع مخططاتها، (توجد اتفاقية تعاون مائي بين اثيوبيا وإسرائيل)، والتزمت أمريكا بعملية تمويلها، وأيضاً التزم رئيس البنك الدولي الحالي (وولفوفيتز: أحد زعماء المحافظين الجدد) بتوفير الدعم الدولي والتمويل اللازم لها، وذلك بما يمكّن اثيوبيا من تخزين كميات هائلة من المياه، وتوليد قدر هائل من الطاقة الكهرومائية.
• أوغندا: أعلنت الحكومة الأوغندية والتي يرأسها (يوري كاغوتا موسفيني: أبرز حلفاء أمريكا وإسرائيل) عن رغبتها في بناء المزيد من الخزانات والسدود على مجرى نهر النيل الأبيض (الرافد الثاني لنهر النيل).. ومن أبرز المشروعات المائية الأوغندية تعلية السد القائم حالياً عند نقطة خروج المياه من بحيرة فكتوريا، الأمر الذي يهدد بحبس كميات كبيرة داخل البحيرة، ومنع خروجها وتدفقها الى مجرى نهرا لنيل، وأيضاً فقد تم إعداد الخطط والتصميمات الخاصة لهذا المشروع بوساطة الخبراء الإسرائيليين، وسوف تقوم بتنفيذه الشركات الإسرائيلية، (توجد اتفاقية تعاون مائي بين إسرائيل وأوغندا) وسوف تقوم أمريكا أيضاً بتمويل المشروعات المائية الأوغندية، وأعلن وولفوفيتز أيضاً دعمه لهذه المشروعات.
أبرز الاستنتاجات يقول: إن الأمن السياسي الوطني المصري، سوف يتعرض في الفترة القريبة القادمة لعملية (شد الأطراف)، وبسبب الخطورة الفائقة لملفات مياه النيل، فإن السياسة الخارجية المصرية، سوف تجد نفسها مجبرة ومرغمة على العمل بتركيز كامل من أجل معالجة ملفات مياه النيل، وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى تقليل الجهد الذي ظلت تبذله السياسة الخارجية المصرية في دعم الأجندة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.. وبكلمات أخرى، سوف يترك ذلك فراغاً، وهذا الفراغ سوف تقوم بملئه المملكة الأردنية الهاشمية.. وهنا يكمن سر الدعم الأمريكي لمشروعات اثيوبيا وأوغندا المائية، والتي سوف تؤدي بكل تأكيد، إلى دفع النظام المصري الى السباحة في مياه أخرى، بعيدة عن مياه الشرق الأوسط.. وعلى ما يبدو، هذا ما تريده أمريكا وإسرائيل في الوقت الحالي على الأقل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد