نوال السعداوي: ساعة غضب مع «حفيدة إيزيس»
... وقالت نوال السعداوي إنّ الأديان تستعبد المرأة، تماماً كالمجتمعات الأبويّة والنظام الطبقي. وقالت إنَّ الحجاب ليس فرضاً، وختان البنات عادة همجيّة. وقالت إنّه لا يمكن الفصل بين النضال ضدَّ الاحتلال الأميركي، والنضال النسوي لتحرير المرأة في العالم العربي. وقالت أيضاً بضرورة فصل الدين عن الدولة، وبإمكان نسب الطفل إلى أمّه. أقوال الشيخة ذات الشعر الأبيض حاضرة بقوّة في وسائل الإعلام. حالما تطلّ عميدة النسويّة العربيّة على شاشة ما، تقيم الدنيا ولا تقعدها. في البدء كانت الكلمة حكراً على الرجل، قائداً كان أو ثائراً، رجل دينٍ أو زعيماً، فيلسوفاً أو شاعراً. قرَّرت السعداوي أن تكون من بين اللواتي يقلبن هذه المعادلة، واختارت أن تكون امرأة وصاحبة كلمة... بعد أربعين عاماً من العمل في الشأن العام، ما زالت ترغم الجميع ـــــ من اتفق معها ومن اختلف ـــــ على ترقّب تلك الكلمة وسماعها.
التقيناها في أحد الفنادق البيروتيّة على هامش {منتدى الأديبات العربيات}، الذي عُقد أخيراً في العاصمة اللبنانيّة بدعوة من {ديوان أهل القلم}. ليس سهلاً أن تحاور سيدةً رشّحت نفسها لرئاسة مصر، رغم إدراكها عبثيّة الخطوة. كاتبة ذهب بعض المتطرفين إلى تلقيبها بـ{الشيطان الأبيض}. يحار المرء في أمر هذه الأنتيغونا المصريّة، التي لم تلطّف السبعون من صداميّتها: أقديسة هي أم مجنونة؟
حين نزلت من غرفتها للقائنا ـــــ رغم علامات التعب البادية على وجهها ـــــ كانت تربط شعرها إلى الخلف، وتلف حول عنقها وشاحاً من الأحمر القاني، وكان الوقت مساءً. رغم ضجيج الزوّار والمؤتمرين، احتفظ صوتها بنبرته الدهريّة الثاقبة. اللمعة في عينيها تغلب الصقيع الذي يجتاح حدقات النساء في عمر معيّن. بين برهة وأخرى، يقاطعنا معجب يريد الحديث إلى الدكتورة. {أرأيتِ؟} تسألني. {الجميع يحبونني. كتبي في كلّ بيت عربي. مرّةً، كنت مارّة في أحد شوارع القاهرة، فإذا بزبّال يحضنني ويقول لي: أنا بحب كلامك، وبقعد أنا ومراتي وولادي ونتفرج عليكي}...
بعد أكثر من أربعة عقود قضتها بين سجن، وتهديدات بالقتل، وحملات تشهير، ودعاوى تفريق، تتفهّم نزعتها الدائمة ـــــ بعد كلّ سؤال تقريباً ـــــ إلى التذكير بشعبيتها الزائدة. قبل أن نأتي للقائها، أسرّت إلينا فتاة طالبة بأنّها تعمدت التغيّب عن عملها ليوم كامل، كي تتفرغ لزيارة نوال السعداوي المرتقبة إلى كليَّتها. تعجبت زميلات لها من حماستها: {... ومن تكون نوال السعداوي؟} فردّت بغضب: {يا لكنّ من جاهلات. كل الحريّة التي تتمتعن بها الآن، قامت على أكتاف مثيلات نوال السعداوي، إنها سيمون دو بوفوار العربيّة}.
دو بوفوار العربيّة حقاً؟ في كل الأحوال، تكره {حفيدة إيزيس}، كما تعتبر نفسها، أن تقارنها بأحد. تخبرنا عن لقائها بسيمون دو بوفوار حين زارت الأخيرة مصر عام 1967. {لم تعجبني شخصيتها}، تقول. {لقد كانت تابعة لسارتر، وكان يسيطر عليها. كتاباتها كانت أكثر تحرّراً من شخصيتها. كتبت بعد لقائي بها مقالةً بعنوان {ساعة من الصمت مع صانعة الكلمات}. لم يكن لصاحبة {المرأة والجنس} مثال أعلى في حياتها. {حياتي تطورت وفقاً لتراكم تجاربي الشخصيّة، وكان طموحي الوحيد التفوَّق على نفسي. لكنني معجبة بالنساء القويات في التاريخ، من الإلَهة إيزيس وصولاً إلى جدتي الفلّاحة. إنَّها مسألة جينات}.
تعلمت نوال السعدواي التمرّد في بيتها. والدها تلميذ الأزهر، احتفظ بمسافة نقديّة مع المؤسسة الدينيّة، وكان يقول لها: {ناقشي كل الناس، ولا تقتنعي إلّا بعقلك، وناقشي حتّى ربنا}. جدتها الفلاحة علّمتها فلسفة الفطرة، وتختصرها الحكمة الشعبيّة: {ربنا هو العدل عرفوه بالعقل}. أمّا والدتها، فطمأنتها: {ما تخافيش ما فيش نار}. تخبرنا: {كانت طفولتي سلسلة من التمرد. لاحقاً أيضاً، تمردتُ على المهنة وعلى الأساتذة، وتمردت على زوجي الأول ثمّ الثاني وطلّقتهما}. تضيف: {طيلة عمري، حتى وأنا طفلة، كانت التلميذات ينظرن إليّ ويقلن لي: {عاوزين نبقى كده}... وما يقدروش!.
بعد عودتها من غربتها الأخيرة، تعيش {الدكتورة} في شبرا، حي الطبقة العاملة في القاهرة، مع زوجها الروائي شريف حتاتة، ووسط عائلتها الصغيرة المؤلفة من ابنتها الكاتبة منى حلمي، وابنها المخرج عاطف حتاتة. تقضي وقتها بين القراءة والكتابة والرياضة، وتلتقي الناس من أجل إطلاق حملات منظّمة لفصل الدين عن الدولة... {لأنني مصمّمة في السنين الباقية من عمري، على ألّا أهدأ حتَّى أفصل الأديان عن الدولة والقانون. لأنَّنا نُكبنا بسبب التجارة بالدين! تصوّري في مصر الحوار يبقى عن النقاب! شفتي التخلف العقلي، وجه المرأة يصبح عورة!}.
لا تتعب نوال السعدواي ولا تستسلم، تعرف ماذا تريد رغم أنّ كثيرين يعتبرونها عدوّة الرجال فقط لا غير... تجيب: {أنا لم أقابل في حياتي الرجل اللي يبقى قدّي. حتى الرجل القوي يخاف مني}. هل تتقصّدين ذلك؟ {لا أنا شخصيتي مخيفة... لأني حرّة ومستقلة. هم يفهمون الأنوثة غلط! لكنَّني لا أكره الرجال بالمطلق، فأنا أم وزوجة. أنا ضدّ الرجل المتخلف، وضدّ المرأة المتخلّفة أيضاً، وضدّ النظام الأبوي الطبقي}. لا تتعب نوال السعداوي ولا تستسلم، ولا تغيّر مواقفها قيد أنملة، رغم أنّ بعض النسويات العربيات اليوم، يعتبرن أنّ الزمن تخطّاها، وأنّ الوقت حان لتجديد الخطاب النسوي العربي. لكنّ صاحبة {الإله قدّم استقالته من اجتماع القمّة} تردّ: {أنا متقدِّمة على هذا العصر. الأجيال الجديدة ممزقة، بين إرضاء التيارات الدينية واتّباع السوق الحرة}.
ألا تتعبين؟ {لا أتعب إلّا إذا سرت مع القطيع، وإلّا إذا اضطررت إلى الطاعة والنفاق. لا أرتاح إلّا حين أعبّر عن حريتي... هوَّ يعني لازم كلّ الناس تفكر زي بعض؟!}.
5 تواريخ
1930
الولادة في القاهرة
1954
تخرّجت من كليّة الطب في {جامعة القاهرة}، ثمَّ عملت طبيبة امتياز قبل أن تُفصَل بسبب مواقفها الجريئة
1981
سُجنت في عهد السادات لمعارضتها اتفاقية السلام المصريّة مع إسرائيل
2001
واجهت دعوى تفريق بينها وبين زوجها الكاتب شريف حتاتة، بعد اعتبارها مرتدّة عن الإسلام
2009
شاركت في {منتدى الأديبات
العربيات} في بيروت، بدعوة من {ديوان أهل القلم}، ووقّعت روايتها {زينة} الصادرة عن {دار الساقي}
سناء الخوري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد