هل بدأت الحرب اللبنانية: تحليل واستنتاج
الجمل: تزايدت وتيرة تناول التحليلات السياسية العربية وتعليقات المحللين السياسيين العرب للأزمة اللبنانية والخلاف الرئيسي الجاري حالياً يتمثل في أن التحليلات السياسية اللبنانية تتحدث أن أزمة متصاعدة، مع التأكيد على ضعف احتمالات اندلاع الحرب، أما التحليلات السياسية العربية وغير اللبنانية فإنها تشير إلى تصاعد الأزمة مع إعطاء وزن أكبر لاحتمالات اندلاع الحرب في لبنان.
* التحليلات السياسية العربية واللبنانية: أزمة المصداقية!!
ما تزال التحليلات السياسية العربية واللبنانية حبيسة نظريات علم الحرب التقليدية والاضطلاع على مفاصل نظريات علم الحرب الحديثة يكشف لنا مدى سطحية وضحالة تعليقات وتصريحات الكثير من الوجهاء الذين تقدمهم الفضائيات باعتبارهم "محللين سياسيين".
علم الحرب الحديث تجاوز علم الحرب التقليدي، وأصبح الفرق بين الاثنين مثل الفرق بين من يركب قاطرة بخارية ومن يركب سفينة فضائية، بكلمات أخرى نقول، لم تعد الحرب مجرد اصطفاف العناصر وتبادل القصف وإطلاق النار وإنما أصبحت اصطفافاً لـ"القدرات" بمعناها الجيوسياسي وتبادل مكاسرة الإرادات، بالوسائل الأخرى، أكثر منه بالوسائل العسكرية، وهو ما لم ينتبه إليه وجهاء الفضائيات العربية وحملة الأقلام الكبيرة من المحللين السياسيين.
* ماذا وراء نظرية الحرب في المنطقة الرمادية:
من أبرز النظريات الحربية المعاصرة نجد نظرية الحرب في المنطقة الرمادية، وبادئ ذي بدء نشير إلى شرح مفهوم المنطقة الرمادية وما المقصود منه:
• المنطقة السوداء هي منطقة العدو.
• المنطقة البيضاء هي منطقة الصديق.
• المنطقة الرمادية هي المنطقة التي تجمع بين العدو والصديق.
وعلى هذه الخلفية التمييزية يشير علم الحرب المعاصر إلى أن قواعد الحرب في المنطقة الرمادية تتمثل في الآتي:
• تطبيق إستراتيجية فجوة العمل الاستباقي:
* الإدراك السليم والدقيق للفجوة.
* السيطرة التامة على الفجوة وإدارة تداعياتها.
• توجيه فجوة العمل الاستباقي والتحكم في شكل التغيير الناتج.
• التخمين المستمر لتطورات البيئة الجيوسياسية:
* طبيعة تغير شكل التهديدات.
* طبيعة تغير شكل الترتيبات العسكرية – الأمنية المباشرة وغير المباشرة.
• إدارة تداعيات الخارطة الجيوسياسية للمنطقة الرمادية:
• المعايرة المستمرة وفقاً لبنود القانون الدولي.
• المتابعة المستمرة للتقويم المستمر للتحديات:
* مفهوم التهديد.
* مفهوم الدفاع عن النفس.
* شكل التهديد الماثل.
* استخدام الاستباق.
* الاستخدام الاستباقي للقوة.
• ملائمة التهديد الوشيك بما ينسجم مع طبيعة المنطقة الرمادية.
• تحديد عناصر التهديد الافتراضي الموجودة في المنطقة الرمادية:
* الفاعل المهدد الأول المفترض: مفهوم الدولة المارقة.
* الفاعل المهدد الثاني المفترض: مفهوم أسلحة الدمار الشامل.
* معطيات "المنطقة الرمادية" والإسقاط على الحالة اللبنانية:
تمثل الساحة اللبنانية في الوقت الحالي صيغة نموذجية لمفهوم المنطقة الرمادية وبحسب الإدراك الأمريكي الأمني – العسكري – السياسي، لمفهوم المنطقة الرمادية، والذي وضعته وطورته في عام 2004م مجموعة من العسكريين الأمريكيين ضمت ثلاثة خبراء هم جوان إم فيتش، صمويل جيه ماكغرو، كريستوفر جيه ريديش. وبالنسبة لهذا الإدراك فإن قوى 14 آذار تمثل قوى صديقة لأمريكا، وقوى 8 آذار تمثل قوى معادية، وبالتالي لا يمكن اعتبار لبنان منطقة بيضاء ولا منطقة سوداء ولكنه منطقة رمادية لأنه يضم الطرفين. الصراع اللبناني الدائر حالياً لا يتضمن استخدام الوسائل الحربية التقليدية كالرشاشات والدبابات والمدافع، ولكنه يتضمن وسائلاً أخرى أدت إلى نفس النتائج التي كان يمكن أن تؤدي لها الوسائل الحربية التقليدية، ومن أبرز هذه النتائج:
• جمود وشلل المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
• تزايد حالة الاصطفاف والتعبئة السلبية الفاعلة.
• تزايد حجم ومستوى شدة التداعيات والضغوط الداخلية والخارجية، ومن أبرزها الضغوط الاقتصادية والمعيشية بما يشبه ما يحدث ي حالة الحرب بالوسائل التقليدية.
• تزايد مستويات العنف الرمزي المؤدي للفشل المعنوي. بكلمات أخرى، المطلوب الآن هو القتل الروحي والمعنوي بدلاً من القتل الجسدي.
كذلك نلاحظ أن الأطراف الثالثة (أمريكا وإسرائيل) التي تدير عن بعد أو بواسطة الـ"ريموت كونترول" مفاعيل الحرب في المنطقة الرمادية اللبنانية، وقد نجحت في إكمال نموذج عناصر التهديدات الافتراضية بشكلها الثلاثي، وحالياً بتضمن النموذج الآتي:
• الفاعل المهدد المفترض الأول هو حزب الله – حركة أمل – التيار الوطني الحر – وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية.
• الفاعل المهدد المفترض الثاني هو سوريا باعتبارها الدولة المارقة الموجودة في المنطقة.
• الفاعل المهدد المفترض الثالث هو أسلحة الدمار الشامل السورية المزعومة.
* إذاً، لقد بدأت الحرب اللبنانية:
بدأت عملية تمهيد المسرح للحرب اللبنانية في العام الذي سبق عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري واكتملت هذه العملية بعقد مؤتمر المانحين الأول في باريس والذي كان هدفه المعلن هو منح لبنان المساعدات المالية، وهدفه غير المعلن هو إخراج سوريا من لبنان، ثم بدأت عملية تفعيل لعبة الحرب فغي المنطقة الرمادية اللبنانية، عن طريق خلق الوقائع والأحداث التي تعطي هذه الحرب ديناميكية وحيوية أكثر وتنقل مشاهد السيناريو من مشهد دراماتيكي إلى آخر أكثر دراماتيكية. والمشهد الأول كان اغتيال الحريري والمشهد الثاني كان تحريك المظاهرات المعادية لسوريا والمشهد الثالث كان الانتخابات البرلمانية وتوالت بعد ذلك المشاهد عاصفة.
* التطورات اللاحقة في الحرب اللبنانية:
تشهد عادةً عمليات التدخل الدولي إما من أجل التهدئة أو من أجل التصعيد، وعلى هذه الخلفية جاء التدخل عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ومجلس الأمن الدولي هادفاً لتصعيد الأزمة اللبنانية. وعندما تندلع الحروب تتدخل الأطراف الثالثة من أجل التصعيد فإنه تتسع بالضرورة دائرة الحرب، بما يؤدي إلى محاولة استدراج الأطراف الأخرى للحرب، عن طريق استفزازها والتحرش بها أو عن طريق شن العدوان الغاشم ضدها. وفي هذا الصدد بدأت عملية توسيع دائرة الحرب عن طريق محاولة استدراج سوريا وحالياً تواجه سوريا مرحلة التحرش والاستفزاز عن طريق نشر المزاعم الكاذبة وتلفيق الاتهامات ضدها، والعمل من أجل فرض العقوبات الجائرة عليها وتجدر الإشارة إلى أن الغارة الإسرائيلية الأخيرة ضد سوريا كانت في حد ذاتها تحرشاً استفزازياً إسرائيلياً – أمريكياً ضد سوريا لكي تندفع إلى ساحة الحرب.
* التطورات الجديدة على مسرح الحرب الرمادية اللبنانية:
اللافت للنظر في الوقت الحالي هو الحراك النوعي في محفزات الصراع اللبناني. وتشير المعلومات إلى أنه مع تزايد وعي الرأي العام اللبناني بارتباط زعماء قوى 14 آذار وعناصر حكومة السنيورة بما في ذلك رئيس الوزراء نفسه بالأطراف الثالثة وأيضاً مع انكشاف الحقائق حول ملابسات اغتيال الزعيم السياسي جورج حاوي والصحفي اللبناني سمير قصير والصحفي جبران تويني فإن المخرج أمام قوى 14 آذار يتمثل في خيارين:
• خيار الهروب إلى الأمام والسبيل الوحيد لذلك هو إما استدعاء حكومة السنيورة للتدخل العسكري الإسرائيلي – الأمريكي في لبنان بما يؤدي إلى تغيير قواعد الصراع اللبناني من حرب بالوسائل غير العسكرية إلى حرب بالوسائل العسكرية. أو حشد التعبئة الفاعلة السلبية ضد قوى 8 آذار عن طريق استهداف قوامها المباشر وتوجيه الضربات إلى بنياتها التحتية كشبكة اتصالات حزب الله وغير ذلك، وصولاً إلى دفع هذه القوى لتوجيه الضربة الثانية، بحيث يتم تبادل الضربات أو يأخذ الصراع أيضاً شكل الحرب بالوسائل العسكرية.
• خيار التراجع إلى الخلف: وهو الخيار الصعب ومعناه إما الإذعان لمطالب المعارضة اللبنانية أو الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة بحيث يتم إعطاء الفرصة للشعب اللبناني باعتباره صاحب الحق لكي يحدد خياره الرسمي والنهائي.
ولكن، هل سيقبل زعماء 14 آذار بهذا الخيار، الذي سيترتب عليه انكشاف كل أوراقهم دفعة واحدة أمام الرأي العام اللبناني الذي سوف لن يتردد بالمطالبة بـ"المحكمة" التي ستكون هذه المرة لعملاء المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الفرنسية والمخابرات الأمريكية الذين ضللوا الشعب اللبناني وأداروا حرب المنطقة الرمادية بالوكالة عن الأطراف الثالثة التي بدأت تدخلها السافر في الشأن اللبناني منذ بضعة سنوات!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد