هل تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة النووية ضد إيران؟

27-01-2020

هل تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة النووية ضد إيران؟

هددت إيران مؤخراً بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. فما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية؟


أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أوائل يناير الجاري، أن إيران لن تمتلك السلاح النووي أبدا. أتوقع أن  استمرار التوتر الحالي، قد يجعل من الصدام بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أمرا لا مفر منه تقريبا.


السؤال هو: هل هناك مؤشرات على إمكانية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية السلاح النووي ضد إيران؟
من وجهة نظري، نعم.


حتى يومنا هذا، يذكر التاريخ استخداما وحيدا للسلاح النووي، قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، حينما أسقطت يومي 6 و9 أغسطس عام 1945 قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي، وقتلت بذلك 80 ألفا و40 ألفا معظمهم من المدنيين. وفي وقت لاحق زادت نسبة القتلى جراء الجروح والأضرار الإشعاعية بـ 2-3 أضعاف. لقد تعمّدت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك التخلي عن قصف الأهداف العسكرية البحتة، سعيا لتحقيق أقصى قدر من التأثير النفسي.

ومع ذلك، فالسؤال مطروح حول وجهة الرسالة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإيصالها؟ هل كانت اليابان أم الاتحاد السوفيتي؟

يؤكد المؤرخون الأمريكيون أن القصف النووي هو ما أجبر اليابان على الاستسلام. لكن دخول الاتحاد السوفيتي الحرب مع اليابان في 9 أغسطس عام 1945، وإلحاقه هزيمة سريعة بجيش كوانتونغ الياباني وقوامه 1.4 مليون جندي على أراضي الصين، ربما كان له تأثير أكبر لا أقل من القصف النووي للمدنيين. لقد عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى لإدارة الحرب في 9 أغسطس، وقال فيه رئيس الوزراء الياباني، سوزوكي: "إن دخول الاتحاد السوفيتي الحرب معنا هذا الصباح يضعنا في موقف ميؤوس منه، ويجعل من المستحيل مواصلة الحرب".

علاوة على ذلك، كان التأثير النفسي للقصف النووي محدودا، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة تمارس القصف البساطي  Carpet Bombing بالوسائل التقليدية على أية حال، ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من اليابانيين. وفي يوم واحد فقط، 10 مايو 1945، قُصفت طوكيو بقنابل النابالم، ومات أكثر من 100 ألف شخص، يشير المؤرخون اليابانيون إلى رقم 300 ألف.

بل إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كانت ترى أن اليابان لم تكن قادرة على الاستمرار في الحرب دون موارد (من الوقود والمواد الخام) للقيام بذلك، بعد أن فقدت القوات الرئيسية في القارة، ولن تتمكن من الوقوف ضد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في الوقت نفسه.

وتبعا لذلك، ومن وجهة نظر عسكرية، فإن استخدام السلاح النووي لم يكن ضروريا، وإنما كان أكثر من المطلوب. يذكر معظم المؤرخين الأمريكيين أن من بين أسباب القصف النووي، رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط على ستالين من أجل منع الإنزال السوفيتي واحتلال جزء من اليابان، وكذلك بسبب بعض القضايا الأوروبية. يسمي العديد من الخبراء ذلك كسببا رئيسيا، لكون الاتحاد السوفيتي، الذي هزم ألمانيا النازية، واكتسح نصف أوروبا والصين في مناطق نفوذها، قد أصبح منافسا قويا جدا للولايات المتحدة الأمريكية.

بالعودة للوقت الحاضر، يعاود السؤال طرح نفسه: هل هناك أوجه تشابه ما بين الوضع آنذاك والوضع الراهن؟ بالطبع يوجد!

إن الولايات المتحدة الأمريكية تفقد مكانتها في العالم بمعدلات متسارعة. حيث تلقي تصرفات روسيا وتركيا ودول أخرى بظلالها على الهيمنة الأمريكية. ومع ذلك فالمنافس الرئيسي للولايات المتحدة هو، بطبيعة الحال، الصين، وانتصارها لا يهدد الولايات المتحدة الأمريكية بفقدان مكانتها فحسب، وإنما يهددها أيضا بانهيار اقتصادي غير مسبوق، وعواقب سياسية محلية لا يمكن التنبؤ بها، قد تصل إلى انهيار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. لذا فإنه من المهم للغاية للولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض على الصين التخلي عن آمالها بأن تصبح بديلا للولايات المتحدة، لكون الأمر بالنسبة لأمريكا مسألة حياة أو موت.

يحكي تاريخ البشرية أن تناقضات من هذا النوع، عادة ما تنتهي بحروب عالمية، ووفقا لعديد من التقديرات، لم يعد لدى الولايات المتحدة الأمريكية سوى القليل جدا من الوقت لعكس التوجهات، وإلا فبعد ذلك سوف يكون الأوان قد فات. في الوقت نفسه فإنه من المستبعد أن تندلع حرب شاملة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
هل الوضع كذلك حقا؟ وهل أصبح مستحيلا؟ إن العقبة الرئيسية إضافة للدمار الشامل، الخوف العالمي من العواقب البيئية. لكن الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت نفسه، طورت منذ فترة طويلة رؤوسا نووية منخفضة القدرة، ولا تنتظر سوى تجربتها على دولة ما.

وإذا كانت العواقب البيئية لاستخدام أسلحة من هذا النوع ليست ذات أهمية، فإن ذلك لن يحرر الجيش الأمريكي فحسب، وإنما سيكون له أيضا تأثير نفسي هائل على أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، الصين بالدرجة الأولى، والتي لا تملك حتى الآن إمكانية الرد العسكري الأمريكي على قدم المساواة، وكذلك على الآخرين، بما في ذلك روسيا وتركيا وغيرهما.

بهذه الطريقة، لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية فقط أمام الاختيار بين الحرب الدموية وفرصة تحقيق النصر من خلال أعمال بربرية، جذابة وناجحة للغاية، وإنما أصبحت أيضا أمام إغراء يوفر إمكانية وفرصة استخدام هذا النوع من الأسلحة. وذلك إضافة إلى أن العقيدة العسكرية الأمريكية لا تحظر الاستخدام الاستباقي للأسلحة النووية.

ولعل الانسحاب المستمر للولايات المتحدة الأمريكية من المعاهدات التي تحد من انتشار الأسلحة النووية واحدة تلو الأخرى هو تأكيد على تطور الوضع نحو هذا الاتجاه.

إنني على ثقة أن الولايات المتحدة إنما تبحث عن ذريعة، ربما تجدها في طموحات إيران النووية، التي يمكن أن تصبح سببا مناسبا لتطور الأحداث على النحو المذكور أعلاه.

في رأيي أن أوروبا أو الصين ولا حتى الهند أو باكستان لن تكون مسرحا للاستخدام المقبل للأسلحة النووية، لكن منطقة الخليج هي التي يمكن أن تشهد ذلك.

 


المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...