هل كان السلف كافرا ؟
د. سامح عسكر:
في الحقيقة عند تأمل فتاوى سلف المسلمين في قراءة القرآن تجدها مختلفة عن المعاصرين لعدة أسباب:
أولا: كان القرآن في بداياته هو مصدر التشريع الوحيد، وكل ما عداه اجتهادا، لذلك ضبطوا قراءة القرآن بفهمه والتدبر فيه عقليا أو روائيا..وعلى ذلك مذهبيّ (أهل الحديث والرأي) ولكن في النهاية كان القرآن هو مصدر التشريع الوحيد..ويؤكد ذلك قول قول الإمام التونسي الطاهر بن عاشور في تفسيره "ذكر فقهاؤنا في آداب قراءة القرآن أن التفهم مع قلة القراءة أفضل من كثرة القراءة بلا تفهم" (التحرير والتنوير 1/ 29) وقد أخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو أن النبي قال : ( اقرأ القرآن ما نهاك ، فإن لم ينهك فلست تقرأه)
فعلى حسب فتوى السرسجي ومحمد الصغير وأسامة الأزهري يكون كل هؤلاء كفار لأنهم كفّروا ابراهيم عيسى لقوله نفس الكلام وهو (أن الفهم أولى) ومعيار القراءة بذاته ليس مهما ولا يُقاس به دين وإيمان..
ثانيا: العمل بالحديث وجعله مصدر التشريع الثاني وأحيانا الأول بدأ مع ابن الصلاح وابن تيمية وابن حجر، يعني بعد موت الرسول ب 600 عام وموت البخاري ب 300 عام، والسبب أن كتب الصحاح والسنن عندما ظهرت في القرن 3 هـ لم تأخذ قدسيتها فورا..ولكنها ظلت مجرد اجتهاد يؤخذ منه ويرد لعدة قرون..والدليل ردود المحدثين على بعضهم أشهرها ردود النسائي على مسلم..والداراقطني على البخاري..
وفي هذه الأجواء أي خلال ال 600 عام بقيت آثار حجية العمل بالقرآن على ما سواه في ضمير الفقهاء، وتأمل قول الصحابي عبدالله بن مسعود الشهير "أُنزل القرآن ليعملوا به ، فاتخذوا دراسته عملاً ، إن أحدكم لَيقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ، ما يُسقط منه حرفًا ، وقد أسقط العمل به" وكذلك الإمام الحسن البصري "إنكم قد اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملاً فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار" (مجلة المنار 1/ 829)
حتى البخاري نفسه لم يكن يؤمن أن كلامه تشريعا، حيث نقل عن أبي عبد الرحمن السلمي قوله: «فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرب على خلقه» (خلق أفعال العباد صـ 40) وقال أيضا " عن عبادة بن الصامت سمع النبي صلى الله عليه وسلم: " سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وتصديق بكتابه..ويخرج قوم يحقرون أعمالكم مع أعمالهم , يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..فبين أن قراءة القرآن هي العمل".(نفس المصدر صـ 53)
تأمل قول البخاري "قراءة القرآن هي العمل)..!!
فعلى حسب فتوى السرسجي ومحمد الصغير وأسامة الأزهري يكون كل هؤلاء كفار لانهم عابوا على قراءة القرآن دون فهم وعمل..وأن معيار القراءة لقياس صلاح المسلم لم يعرفه السلف بالأساس..
ثالثا: مع صحوة الإخوان الوهابية منذ الستينات والسبعينات انقلبت الأوضاع، فصارت مظاهر التدين هي تشريع في حد ذاته لمقاومة ما سماه الفقهاء وقتها (حملات التغريب والتبشير المسيحي) التي رافقت الحرب الباردة، ومن يومها صارت قراءة القرآن طقس أساسي عند المتدين سواء في الشارع أو المواصلات أو في العمل، وصار القرآن مادة خصبة للنزاع والتجارة بالدين والقهر به مثلما يحدث أحيانا بفرض سماع القرآن على من يسمع الغناء ليظهر من يسمع الموسيقى في الأخير كافرا وكارها للدين..
(الشنطة فيها كتاب دين..لو تتذكروا)
رابعا: ما فعله الإخوان والسلفيين أهان القرآن جدا..حيث أخرجه من كونه هداية وأمل إلى صراع وكراهية ومعارك..وكل فتوى عنف أو تحريض باسم القرآن صارت تفعل ما يفعله رسامي الدانمارك وهولندا المسيئين للرسول بالضبط..فأنت عندما تقهر شخصا ما باسم القرآن سيأنف منه ومن قراءته ويبقى في ذاكرته مجرد ألم ومشاعر إحباط..وهو نفس ما فعله الخوارج قديما حين أرادوا فرض مذهبهم ورؤيتهم للقرآن على الناس بالقوة فكان الرد مباشرة وضع أحاديث تهين القراء وحفظة القرآن الكريم فورا..
إضافة تعليق جديد