6 سنوات سجناً لأولمرت بتهم فساد
للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل تصدر "المحكمة اللوائية" حكماً بسجن رئيس حكومة، هو إيهود أولمرت لمدة ست سنوات بتهم الفساد وتلقي الرشوة. ولا تقل خطورة عن قرار الحكم التبريرات التي أطلقها القاضي ديفيد روزين بشأن الفساد لدى المسؤولين، حيث اعتبرها "خيانة" وأن العقوبة الشديدة لازمة بسبب علو مقام المتهم المدان. ويعتقد أن الحكم يرمي إلى وضع سقف جديد أدنى من السابق لاحتمال مظاهر الفساد من جانب رجالات الحكم. ومع ذلك فإن الحكم بحبس أولمرت ليس نهائيا ولا يمكن تنفيذه إلا بعد انتهاء إجراءات الاستئناف.
وهكذا بعد عشر سنوات من التحقيقات المتشعبة ضد رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت (2006 – 2009)، قضت "المحكمة اللوائية" في تل أبيب بالحبس لست سنوات. وبذلك ينضم أولمرت إلى سلسلة طويلة من المسؤولين الذين دينوا في السنوات الأخيرة بالفساد وأودعوا السجن عمليا. ويتصل الحكم بفضيحة عقارية مشهورة تسمى "قضية هولي لاند" في القدس دين فيها عشرة أشخاص من بلدية القدس ومن مصارف. والتهمة الأساس هي تسهيل بناء مجمع "هولي لاند" العقاري مقابل رشى مالية عندما كان اولمرت رئيسا لبلدية القدس المحتلة في الفترة ما بين العام 1993 والعام 2003.
وقال القاضي الذي أصدر الحكم في تمهيده للقرار إنّ رئيس الحكومة السابق "دين بجرائم مشينة"، مضيفا أنه "من المهم الإشارة إلى شبكة العلاقات الفاسدة بين إيهود أولمرت والشاهد الملك ديخنر. لقد ساعد الشاهد الملك جوهرياً الحملة الانتخابية للمتهم. وقد استغل أولمرت منصبه الرفيع لتحقيق مصالحه في إطار وظيفته كخادم للجمهور ونال مبالغ مالية. لقد توجه أولمرت لـ"الخزائن العجيبة" التي كانت تحت تصرفه مستغلا منصبه لجرف أموال من رجل أعمال بحاجة لمساعدته".
وحمل القاضي بشدة على المخالفات، قائلا إنّ "تلقي الرشوة هو فعل خيانة" وإنّ المدانين "يستحقون العقوبات التي تعبر عن الاشمئزاز حتى يمكن عبرها استئصال هذا الوباء السرطاني، فعلا وليس قولا، من جذوره". وأضاف أنّ "عقوبة شخص لا ينبغي أن تكون مجرد رقم في الأطر المقررة في القانون. ثمة أهمية للردع، ولكن فقط بشرط أن تردع العقوبة المتهم. إن متلقي الرشوة يستغل صلاحياته لمصلحته الشخصية عبر الإضرار بالجمهور".
وأشار القاضي إلى أولمرت بأنه "ليس مجرما عاديا غارقا في عالم الجريمة. الأمر يتعلق بمجرم يقضي معظم وقته في وظيفته العامة ... ومواهبه ونجاحاته خدما كمنصة مريحة لارتكاب جرائم الفساد التي دين بها بموازاة عمله الاعتيادي". وشدد على أن أولمرت "عمل في منطقة مغلقة بعيدا عن أعين الجمهور" وأن "العفن الذي خلقه لا يبقى فقط في المنطقة المغلقة".
وأعلنت النائبة العامة في تل أبيب بعد صدور الحكم إنّ "المحكمة قررت أن من يتلقى الرشوة هو شخص فاسد. والفاسد له حكم واحد: عقوبة السجن. ليس هناك أحد فوق القانون. هذا ليس يوما بسيطا لدولة إسرائيل".
أما محامي الدفاع إيلي زوهر فقال إنّ "قسما من أقوال القاضي تتسم بخطورة بالغة جدا، وفيها تخط للحدود. لقد سمعتم ما قال أولمرت في مرحلة الطعون: لم يتلق رشوة وهو يرى نفسه بريئا وبهذا الشعور سنذهب إلى المحكمة العليا للاستئناف". ونشر أولمرت نفسه بلاغا قبل صدور الحكم قال فيه إنّ "هذا يوم حزين يتوقع فيه صدور حكم خطير وغير مبرر على إنسان بريء".
ومع ذلك، لا تعتقد جهات قضائية في إسرائيل أنّ هناك أملا لأولمرت في تغيير الحكم الصادر بحقه في استئنافه أمام المحكمة العليا. وترى هذه الجهات أن على الجمهور الإسرائيلي التعود من الآن على واقع وجود رئيس وزراء سابق في السجن.
وأثار القرار ردود فعل متناقضة في إسرائيل حيث أعرب الرئيس شمعون بيريز وزعيم حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد عن حزنهما للقرار، فيما شددت جهات أخرى على أن هذا القرار فخر للجهاز القضائي في إسرائيل. ويشكل الحكم على أولمرت نوعا من هزة أرضية في الحلبة السياسية أكثر مما هو هزة قضائية. وأشار عدد من الساسة إلى أن القرار محزن لكنه "محق". ومعروف أنّ جهات يمينية لم تغفر لأولمرت مواقفه الساعية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين ولا فشله في حرب لبنان في العام 2006.
وإلى جانب ذلك، فإنّ سجن رئيس وزراء سابق، إذا رفضت المحكمة العليا استئنافه، يضع مصلحة السجون أمام واقع جديد يتمثل في اضطرارها للخضوع لإجراءات وتدابير خاصة. فأولمرت يختلف عن الرئيس المسجون موشي كتساف في أن وظيفته لم تكن رمزية بل كان أولمرت الرئيس الحقيقي والمطلع على كل أسرار الدولة. ولذلك بدأت الاستعدادات في مصلحة السجون وجهاز الأمن العام "الشاباك" لترتيب أمر التعامل مع أولمرت حال وضعه في السجن. ومن بين الاحتمالات الممكنة احتجاز أولمرت في منشأة خاصة وليس في أقسام السجون المختلفة المعروفة. وقال وزير الأمن الداخلي اسحق أهرونفيتش، أمس، إنه "بسبب مناصبه السابقة، ومعلوماته الكثيرة، وما اجتازه في الحياة وما يعرفه حتى اليوم، يتطلب الأمر منا استعداداً مختلفاً ... الأمر يستدعي من مصلحة السجون مسؤولية مختلفة".
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد