خطة غسل الدرج
هنادي الشوا: منذ أمد ليس ببعيد, وتحديداً عندما تبنت أميركا وحلفاءها مشروع مكافحة الإرهاب كانت سوريا أهم الدول التي يجب محاربتها, وبالفعل تمت معاقبتها بكل الطرق والوسائل, وعلى مرأى ومسمع كل العالم كانت سوريا بلداُ إرهابياً.. لماذا ؟ لأنها تدعم حركات المقاومة, وكل ما من شأنه أن يعيد ُسحنة الشرف التي غابت عن الوجه العربي طيلة السنوات التي مضت. إذاُ كان يجب أن تدفع سوريا الثمن بأي شكل, وكان المتطرفون التكفيريون أيضاُ عنصراُ مطلوباُ للعدالة الدولية ضمن خطة مكافحة الإرهاب, حيث كانوا آنذاك يمثلون الخطر والعدو الأول للإنسانية ,ولقيم العدالة والمساواة, وكل هذه الشعارات الفارغة , التي تشدق بها البعض من معارضي سوريا الأوفياء.
بعد ذلك وجد بعض من هؤلاء المعارضين, في تلك الشعارات معبرا ُمجانياُ لقلب الشارع السوري, الذي يتوق إلى الإصلاحات ,وزيادة دخل الفرد,وقانون التأمين الصحي, وقانون الأحزاب......ألخ, شأنه في ذلك شأن كل إنسان,....بدؤوا بحملة التعبئة من خلال حشر بعض من مُريديهم إلى أوساط مظاهرات الجالية التونسية في فرنسا , وتباعاُ المصرية, وقلنا يومها لعنة الله على الفوتوشوب. نُشرت تباعا المظاهرات على أنها للجالية السورية في فرنسا, وتتالى المشهد فما أن تبدأ ثورة في بلدٍ عربي حتى يتحفونا بالفيديوهات من قلب العاصمة باريس لهؤلاء الشبان, لتبدأ بعدها مهارات البرامج المتنوعة السمعية والبصرية, وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. يبقى السؤال إذاً هل هناك مؤامرة؟ أم أنها ثورة تهدف إلى الإصلاح فعلاً؟ أم الاثنين معاً؟ وما دور المعارضة الخارجية فيها؟
لأني لا أود الدفاع عن أحد اخترت خطة غسل الدرج لأنها تتحدث عن الفساد في الطبقات العليا وهذه حقيقة من العار إنكارها, كما من العار أيضاً إنكار أن الحكومة بدأت بجملة من الإصلاحات, ولكن تأخير التنفيذ أصبح مطلباً ضروريا لدى البعض, ما يحز في أنفسنا حيال بيانات غالبية المُعارضين أمر واحد فقط , هو أننا للأسف نسينا واجبنا نحن أيضاُ في الإصلاح, إن إعفاء المواطن السوري من مسؤولياته في الفساد, سيضمن لنا وجود دماء جديدة ولكن بالعقلية ذاتها.
لنأخذ خطة غسل الدرج التي يعول عليها البعض مثلاً, ولا أريد هنا تناولها بالمعنى الحرفي كما وردت ,ولكن بلغة الشارع السوري ممن يؤمنون بها فعلاً كحل سحري, لنتخيل معهم أن غسل الدرجات العليا فقط, كفيل بأن يجعل من سورية المدينة الفاضلة.
إن حاكم الجمهورية السورية الفاضلة لن يتسنى له أن يفي بوعده فترة طويلة, فمن جهة, لأن التشاركية في التنظيف أمر صعب وشاق على أرض الواقع ويحتاج إلى سنوات, ومن جهة أخرى, لديه هموم خارجية أيضاً, وهنا يتوجب عليه إيجاد وسيلة مقنعة للإخلال بدستور العمل في المدينة الفاضلة, هذا أمر سهل, فالمواطن الذي حلم بهذه الخطة, والتي يبقى بموجبها متلقياُ لثمار الثورة السورية الواعدة, سيتعود على الفكر الاستهلاكي. وحسب مادة الإصلاح الأفلاطونية , يحق للحاكم أن يطرد أي مواطن يهدد الأمن البيئي, أي وفق هذه المادة سيصبح موصوفاُ بأنه عالة على المدينة الفاضلة , وربما سُيعفى حتى من خدمة العلم , وهي أن يقوم كل من وزير البيئة ووزير الماء بعمل جلسات تدليك لهذا المواطن بمعدل جلسة كل أسبوع لتنشيط العضلات الضامرة. طبعا الإعفاء من خدمة العلم وفق هذه المدينة هو تبليغ ضمني من الإدارة العامة للتجنيد بأن العضلات خاصة هذا المواطن أمر وصل إلى درجة لا ينفع معها مساج وإن كان تحت الماء. لذلك توجب إعفاؤه من خدمة العلم وتحويله إلى أقرب مركز عزل نفايات , وهو مركز تابع لوزارة التغذية يقوم بتوزيع وجبات مجاناُ لكل مواطني الجمهورية الفاضلة.
ونظراُ لأن ذلك المواطن قد تجاوز المهلة الممنوحة لإثبات صلاحيته في العمل بنزاهة وبإتقان, كما أبدى قصوراُ وعجزا في موضوع عزل النفايات ,أصدرنا نحن القرار القاضي بكنسه من على الدرج.
وقع القرار بعد شهر من انتهاء أعمال الثورة الشعبية السورية ,2011 نسخة من القرار إلى مديرية التعويض والتأمينات , إن المواطن درجة اثنان وعشرين , تحول إلى عضو سلبي , وحسب قانون المدينة الفاضلة : الدرج لمن يغسله.
إذاُ أمام مواطن هذه المدينة خيارين, إما أن ينتظر الأمن الدولي ثانية ,أو يركب قوارب الموت باتجاه فينسيا عله يحظى بالاستقبال الإنساني في فرنسا بصفة مواطن مكنوس من الدرج. لاننسى مؤخرا هنا أن نأتي على ذكر الأزمة بين دول الاتحاد الأوربي حول قضية المهاجرين الليبيين والتونسيين ورفض فرنسا استقبالهم, ليعود هذا المواطن المسكين وقد بدأ يستشعر الندم.... لأنه سمح لعقله أن يصدق أن الإصلاح سيكون كافياُ ليكون هو وزير دولة , أو مواطن درجة أولى , ولكن هل سينفع الندم.
بالعودة إلى المشهد العراقي الذي آلمنا بشدة أنا نسيناه ,نسينا مايجري في العراق وكيف جاءت أميركا منذ ما يقارب الثما ن سنوات بمهمة إنسانية خالصة وهي غسل الدرج, في إحدى إمارات العراق حالياُ , ولكن تفاجئ الأشقاء العراقيين فيما بعد, أن المدينة بأكملها صارت تستخدم المصاعد الكهربائية, وأن أياُ منهم لم يحظى بأي درجة من درجات المواطنة, وأن زعيمة العدالة المُنتخاة من قبل ممثلي المعارضة العراقية آنذاك كانت قد تعهدت بعدم استيراد المصاعد الكهربائية ولكن نظراً لكوننا أمة لا تقرأ , ظن بعض المعارضين السوريين أننا رُعاع و معاقين عقلياُ.
أيها المعارضون النبلاء, هل تعتقدون أنكم قدمتم لنا فكراُ يُدغدغ اللعاب؟ نعم لأنكم أسقطتم ذواتكم علينا, ولكن ليس منكم من يمتلك الجرأة فيقول لهذا الشارع الملتهب الدامي , هل كان التحرر والديمقراطية في فرنسا هي هدية ساركوزي أو أحداُ ممن سبقوه؟ لما ذا لا تحدثون الشارع السوري باعتباركم مهتمين بقضايا التلوث عن عزل النفايات في أوربا, وانه ربما لن يُجدي مع من اعتاد أن يلمع بيته ويرمي بأكياس القمامة من النافذة؟ لماذا لا تحاولون أن تفهموا أن النفايات التي طالما آلمكم أنها وجباتنا كسوريين, هي مسؤوليتكم وهي تضيف عارا جديداُ في سيركم الذاتية ؟
لماذا لا تخبرون الناس أن تجاوز إشارة المرور , ودفع الرشوة للشرطي مسؤولية مشتركة, لماذا لازلتم تلتفون على مناقشتها أمام الإعلام بشكل يشبه إلى حد بعيد هل البيضة أولاُ أم الدجاجة؟ لكن وفق نظرية الدرج ستقولون الدجاجة, أخي باعتبارنا نحن صيصان ....... إذاُ نحن من دفعنا الرشاوى ثمناُ لتخطينا للقانون......... وهكذا تعودنا. نحن مسؤولون عن الرشوة بشكل لا يقل عن مسؤولية المُرتشي, فلماذا هنا تنزهوننا عن الخطأ وتعتبرون أن الخلل في الُمرتشي وحسب؟ سأقول لكم لماذا: حسب إيديولوجية درجات الفساد العليا, المُرتشي هو من يدفع الراشي عنوةُ إلى ارتكاب المخالفة ليتسنى له فيما بعد الحصول على الرشوة, حسناُ , وهذا يعني تماماُ قولكم أن الفساد يمكن في الأجهزة العليا. حان الوقت أن أسألكم ؟هما احتمالان , إما أنكم كنتم أنبياء وحاشى ,ولكن للصبر حدود, وإما أنكم نتيجة انبهاركم بالغرب اعتقدتم أن المواطن السوري سيخُدع بهذه التلميعات لأخطائه , وهنا ألتمس لكم العذر ,لأن مصممي الفوتوشوب العاملين لديكم أظهروا استخفافاُ كبيراُ بعقولنا شأنهم في ذلك شأن الإعلام العربي عامة والسوري أيضاُ .
إذا بالمحصلة أنتم تريدون إيصال رسالة أنكم أناس مطهرون, طاهرون , ليس لديكم أيه مطامع في السلطة, وأن طموحكم ليس أبعد من أن تنظفوا الدرج وتلموا بقايا فضلات النفايات النووية , حس إنساني عالي لن يصله حتى خريجي المدرسة الأوروأميركية لحقوق الإنسان في مكافحة تلوث الدرج السعودي .
اكسبوا ما تبقى من ماء وجهكم ,وانزلوا من ذلك البرج عفواُ الدرج, لأنكم للأسف ونظرا ً لارتفاع أبراجكم المحصنة دولياُ صرتم ترونا أطفالاً نجوب شوارع دمشق وحلب وكل سوريا , وربما ليس فقط هذا , ربما هناك منا من يحتاج إلى عدسة مكبرة لسوء الحظ ليصبح مرئياُ من قبلكم, لأنه ولظروف معينة لم يستطيع أن يوصل صوته إليكم , والقضية هنا ليس قضية هاتف ثُريا أو ثرى, وإنما الغالبية منهم اختاروا أن يريحوا رأسهم من ملحمياتكم في إجبارنا على التقيؤ وإعادة تدوير النفايات, وتراجيدياتكم حول تنظيف الدرج وقلبه على رؤوسنا.
نعلم جيداُ كيف نقود أنفسنا, وقادرين ولسنا السفهاء لتصادروا ألسنتنا , ولسنا الرعاع لتبيعوا قضيتنا بثمن خسيس, لقد قررنا و من اليوم استخدام المصاعد الكهربائية ,أبلغكم نيابة عمن يوافقني الرأي التحية عن شعوركم الوطني الذي أبكانا..................من شدة الضحك
وكل مُعارضة وأنتم بخير
التعليقات
مقال جميل..والله يا سيدتي
المشكلة والحل
غسل الدرج
شكرا على التعليق , في الحقيقة
أصبت كبد الحقيقة
شكرا هنادي .....والله من قادة المعارضة من لا يمون على بفنجان قهو
المكتوب باين من عنوانه.....
(ثورة الكراسي)
***************
أعتز كثيرا بارائكم لكن لم لا
إضافة تعليق جديد