الصراع على تركة القذافي وحكم الجماعات المسلحة
الجمل: سعت الوسائط الإعلامية الأمريكية والأوروبية الغربية إضافة إلى إعلام الدول العربية المرتبطة بأمريكا، لجهة حجب المعلومات عن تطورات الأحداث والوقائع المأساوية الجارية حالياً في الساحة الليبية، وبرغم ذلك، فقد برزت العديد من التسريبات والتقارير التي تحدثت عن حجم الكارثة المحدقة بليبيا، والتي أصبحت تنزلق يوماً بعد يوم إلى عمق الهاوية: فما هي حقيقة الأوضاع الجارية حالياً في ليبيا. وهل يا ترى استطاعت ليبيا أن تحقق الانتقال المطلوب نحو الحرية والرفاهية والديمقراطية، أم أنها تمضي قدماً باتجاه تحقيق شيء آخر؟
* بيئة الصراع الليبي في مرحلة ما بعد رحيل الزعيم معمر القذافي
أسفرت فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي الليبي الذي بدأ في مدينة بنغازي عن قتال مرتفع الشدة، انخرط فيه المسلحون جنباً إلى جنب مع قوات حلف الناتو الجوية، وعناصر القوات الخاصة القطرية والأردنية والبريطانية والفرنسية والأمريكية والتركية والعناصر الجهادية، بما أدى في نهاية الأمر إلى تحقيق النتائج الآتية:
• اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي وأبناءه ما عدا اثنين إضافة إلى ابنته عائشة.
• اجتياح واحتلال العاصمة الليبية طرابلس وبقية المدن الليبية.
• التنكيل بجميع المدن والبلدات الليبية التي اتهمت بارتكاب خطيئة مساندة القذافي.
• الدمار الكامل والشامل بكافة البنيات التحتية الأساسية وقدرات الدولة الليبية.
وعلى خلفية هذه النتائج، حدثت الأوضاع الآتية:
• خلال فترة الحرب ضد نظام القذافي تشكلت مجموعات مسلحة في كل منطقة، منها على سبيل المثال لا الحصر: "ثوار مصراتة" ـ "ثوار أجدابيا" ـ "ثوار الزاوية" ـ "ثوار البريقة" ـ "ثوار الزنتان"، وهلم جرا من الثوار بما أدى إلى نشوء العشرات من هذه الجماعات الثورية.
• بعد القضاء على نظام معمر القذافي واغتياله، سعت الجماعات الثورية لجهة السيطرة على مناطقها الأساسية، وقامت بفرض توجهاتها المذهبية والعقائدية على السكان المدنيين. وفي هذا الخصوص بسبب غلبة العناصر الجهادية الإسلامية، فقد تحولت معظم المدن الليبية إلى "إمارات إسلامية" تخضع لسلطة الأمير وحكومته الإسلامية.
• سعت الأقليات الإثنو-عرقية والإثنو- ثقافية غير العربية، لجهة المطالبة بحقوقها الخاصة الثقافية والاجتماعية والسياسية، مطالبة بإقامة أقاليم حكم ذاتي خاصة بها على غرار نموذج "إقليم كردستان العراقي". بحيث يكون لكل إقليم برلمان، ومجلس وزراء، ورئيس جمهورية محلي خاص بالإقليم.
تكتمت وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التي انخرطت في فعاليات تسويق العداء والتضليل الإعلامي ضد نظام معمر القذافي على الأمور بعد مقتل القذافي، ولكن الذي كشف النقاب عن تدهور الأوضاع الليبية تمثل في الآتي:
• سعي مليشيات الجماعات الثورية من أجل القيام بتمزيق نسيج العاصمة الليبية طرابلس، وذلك بفعل محاولة كل واحدة من هذه الجماعات فرض سلطتها على الحي أو الحارة أو حتى الشارع الواقع تحت سيطرتها، الأمر الذي أدى إلى حدوث التوترات العدائية بين السكان المحليين والجماعات المسلحة التي شاركت في عملية اجتياح العاصمة طرابلس.
• سعي الجماعات المسلحة لجهة تعزيز مواقعها الميدانية، بحيث حاولت كل جماعة أن تفرض سيطرتها بالقوة على أكبر ما يمكن من المنشآت الحيوية والإستراتيجية، وفي هذا الخصوص تصارعت هذه المجموعات من أجل السيطرة على المطارات والموانئ وعقد المواصلات الرئيسية والمنشآت النفطية ومنشآت الكهرباء والمباني الحكومية، إضافة إلى مقرات الفرق والكتائب العسكرية التابعة لجيش القذافي وأيضاً على مقرات أجهزة الشرطة والأمن.
• سعي رموز المعارضة السياسية لجهة كسب دعم أكبر قدر من الجماعات المسلحة، وذلك على النحو الذي يقوي نفوذهم طالما أن الزعيم السياسي يصبح أكثر وزناً ومكانة كلما تزايد عدد الجماعات المسلحة التي تسانده.
أدت هذه الأوضاع بالنتيجة إلى تزايد الخلافات داخل المجلس الوطني الانتقالي الذي كان واجهة عملية القضاء على نظام الزعيم معمر القذافي واغتياله، الأمر الذي أدى بدوره إلى إخفاق المجلس في التوصل إلى صيغة مقبولة لشكل الحكومة الانتقالية الليبية، وفي نهاية الأمر، لجأوا إلى تعيين التكنوقراط والمحايدين سياسياً على أمل التقدم باتجاه إنجاز المرحلة الانتقالية بما يتضمن وضع الدستور وعقد الانتخابات وإجازة القوانين، وتسيير دولاب الدولة.
* دواليب العربة الليبية: إلى أين؟
تقول المعلومات والتقارير والتسريبات، بأن ليبيا تشهد حالياً المزيد من عمليات التعبئة والاستقطابات الحادة، إضافة إلى الاصطفافات العدائية، في أوساط القوى الآتية:
• المجموعات القبلية الرئيسية: تتمثل في قبيلة ورفلة ـ قبيلة المقارحة ـ قبيلة الزاوايا ـ قبيلة القذاذفة ـ قبيلة العواقير ـ قبيلة المصارتة ـ قبيلة أبو اللايل ـ قبيلة الفرجان ـ قبيلة الحساونة ـ قبيلة الزنتان، إضافة إلى عشرات القبائل الصغيرة الأخرى.
• المجموعات السياسية الرئيسية: تتمثل في القوى السياسية الليبية الرئيسية الناشطة حالياً مثل: الجبهة الوطنية والجماعات الإسلامية الجهادية، والأحزاب ذات التوجهات القومية العربية والمدنية الغربية، إضافة إلى الحركات القومية الاجتماعية، والحركات العرقية الصغيرة.
• المجموعات ذات التوجهات الجهوية: تتمثل في الكتل السكانية الرئيسية، ومن أبرزها كتلة سكان العاصمة طرابلس ـ وكتلة سكان بنغازي ـ وكتلة سكان سبها ـ وكتلة سكان سرت ـ وكتلة سكان مصراتة. وهلم جراً.
• المجموعات ذات التوجهات المهنية ـ التكنوقراطية: تتمثل في الأعداد الكبيرة من المهنيين وأصحاب المهارات البعيدين عن السياسة، والذين أصبحوا حالياً أكثر اهتماماً بالمشاركة السياسية على أساس اعتبارات الانفتاح المدني والسياسي.
هذا، وتشير المعطيات الجارية إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد تصاعداً متزايداً في وتائر التفاعلات العدائية بين هذه المجموعات، وإضافة لذلك سوف يلعب العامل القبلي دوراً كبير التأثير وذلك بفعل سهولة فعاليات تعبئة المجتمع الليبي على أساس الخطوط القبلية والإثنية، وتأسيساً على ذلك سوف تبرز العديد من المؤشرات الجديدة والتي سوف يكون من أبرزها ذوبان الكيانات السياسية والمهنية والدينية ضمن الكيانات القبلية، إضافة إلى نشوء الأحلاف والتجمعات القبلية الكبيرة المتعددة المكونات وذلك لأن كل قبيلة رئيسية كبيرة سوف تسعى لبناء التحالفات وتعزيز وزنها عن طريق استقطاب أكبر قدر من التجمعات القبلية الصغيرة إلى جانبها.
تحدثت الصحفية الإيرلندية ماري فيتزجيرالد مراسلة صحيفة أيريش تايمز الإيرلندية في مدينة بنغازي الليبية واصفة الولايات القبلية الليبية بأنها تتميز بالقوة الهائلة ذات الطاقة الجماهيرية ـ الشعبية الرئيسية لجهة حسم مستقبل ليبيا إزاء خيارات الوحدة ـ الانفصال ـ الحرب الأهلية.
هذا، وتقول المعلومات الحالية، بأن الفعاليات القبلية تنشط إزاء القيام بالآتي:
• الاصطفافات المتزايدة لجهة التأكيد على الولاء والهوية القبلية كأساس للحصول على نصيب في قسمة السلطة والثروة.
• سعي أكثر من 140 زعيم قبلي لجهة الاصطفاف ضمن السباقات التحالفية التي سوف لن تقل بأي حال من الأحوال عن 30 اصطفافاً تحالفياً، وذلك لأن الكيانات القبلية الصاعدة سياسياً هي حوالي 30، وبالتالي يوجد 30 زعيم قبلي يسعى لجهة فرض نفوذه على عملية صنع واتخاذ القرار السياسي الليبي.
خلال فترة الصراع ضد نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أنكر السياسيون الليبيون كثيراً احتمالات حدوث الاصطفافات القبلية المرتفعة الشدة السياسية في مرحلة ما بعد القذافي، والآن، وبعد أن نجحت مجموعات ثوار ليبيا في قتل الزعيم معمر القذافي وتصفية نظامه، دخلت التحالفات السياسية مرحلة صعود الكيانات القبلية والدينية الجهادية العالية التسييس. وإضافة لذلك حدثت عملية إقصاء سياسي لرموز المجلس الوطني الانتقالي الذين قادوا الحرب ضد نظام القذافي. وتقول المعلومات والتسريبات بأن الحصول على قطعة سلاح في ليبيا أسهل من الحصول على الخبز. وعلى الجانب المقابل من شاطئ المتوسط، يجلس رموز حلف الناتو، وهم يراقبون ويتابعون عن كثب انزلاق الوضع الليبي باتجاه الحرب الأهلية المدمرة، بما يتيح لهم إكمال بقية المشهد، وهو إطلاق عملية التدخل الإنساني كذريعة لوضع ليبيا لفترة طويلة قادمة تحت الاحتلال، والذي سوف تقوده هذه المرة الولايات المتحدة الأمريكية وليست قطر أو فرنسا.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
قراءة في المقال
رد على التعليق
إضافة تعليق جديد