فرسان السنّة أم فرسان الأمة: تلك هي المسألة
«الناس يموتون من قلة المعرفة» في سائر العالم العربي والإسلامي الذي كان يظن فيه الناس أنهم انطلقوا بثورات نحو المستقبل فإذا بها ردة نحو الماضي يقودها الإسلافيون الذين استخدمو توق الناس للحرية ثم انقلبو عليهم بعد الوصول لمبتغاهم، في مصر وتونس وليبيا بالأمس وسوريا اليوم.. ومن دون الغرق في التفاصيل التي أعمت الناس عن رؤية الحقيقة الكبرى، وهي أن الصراع في المنطقة العربية الإسلامية ـ بعد تمييع الصراع مع إسرائيل وتصالح الدول السنيّة معها ـ قد تحول إلى صراع سني ـ سني، بين الأصوليين والقوميين في شقه الأكبر، بينما يبقى وجود الأقليات في هذا الصراع تفصيلاً ثانوياً في المعركة الكبرى لاستلام دفة قيادة سفينة الأمة السنية وبقية الطوائف الأخرى المسافرة معها في الدرجة الثانية..
فقد بدأ الصراع بين طرفي السنة منذ سقوط الخلافة العثمانية، بين القوميين والإسلاميين، حتى داخل تركيا السنية نفسها، ومن ثم في الصومال وأفغانستان .. وقد تمكن الإسلاميون اليوم من القبض على ناصية السلطة في عدة بلدان بعد طول استبداد القوميين العلمانيين بها، حيث أطلقو على هذا الصراع اسم «الربيع العربي» بينما هو في حقيقته على الأرض «ربيع سلفي» ، وستحسم نتيجة الصراع من مصر أولاً، إما لصالح السلفية العنصرية أو للسنة القومية التنويرية التي تتآلف مع بقية الأقليات العرقية والدينية التي انضوت تحت سقف الثقافة العربية السنية منذ الاستقلال، والمناهج المدرسية تشهد على ذلك.. ويبقى السؤال: ما الذي يدفع البعض اليوم لأن يكونوا «فرسان السنّة» ،كما هو واضح في تسميات المجموعات المقاتلة، بعدما كانوا فرسان الأمة كلها ؟! وهنا نعود إلى الجملة الافتتاحية:«الناس يموتون من قلة المعرفة» جواباً لمن لا يعرف لماذا تستعر حفلات القتل المجاني في عموم العالم الإسلامي وتلتهم أحبابه من حوله..
وبالعودة إلى الماضي القريب نتذكر الحرب الإخونجية السلفية ضد الزعيم العربي جمال عبد الناصر منتصف الستينات، ومن ثم الحرب الإخونجية السلفية ضد الزعيم العروبي حافظ الأسد أواخر السبعينات بدعم سعودي- فرنسي- أمريكي، كما هو الحال اليوم، حيث حاول الإخونجيون، ومازالوا، استغلال العنصرية الطائفية في سورية للوصول إلى كرسي السلطة، غير أنه في مصر وتونس وليبيا لا توجد طوائف أخرى، لهذا انكشف الصراع على حقيقته بين طرفي العرب السنة واستيقظ التنويريون على الحقيقة المرة في تونس ومصر اليوم وغداً في سوريا، حيث أن السلفيين لا ينتجون عقلاً طالما أنهم مستريحون إلى سهولة النقل عن «السلف الصالح»: يا سياف هات النطع والسيف واقطع رأس هذا الزنديق، وخلصت القصة، تماما كما يفعل الآن متزعمو جبهة النصرة الجهلة بالسوريين .. بينما التنويريين من نخبة السنة كانو افتتحوا النهضة العربية قبل قرن من الزمان: الكواكبي والأفغاني والطهطاوي ومحمد عبده وعلي عبد الرزاق.. وتلامذتهم الذين استوردوا أدوات الحداثة إلى العالم الإسلامي فجاؤوا بالمطبعة والمسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون والأزياء وحقوق المرأة، وكل ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بالتعاون مع نخب الطوائف والقوميات الأخرى..
***
قبل سنوات خمس تعرفت إلى الشيخ أحمد حسون وجرى حوار صريح بيننا سألته فيه: إلى أين تذهب بنا طائفة الأكثرية يا شيخ؟ فقال: المنكفئون منهم ذاهبون خلف أسامة بن لادن، والتنويريون مستمرون بالمسير نحو المستقبل .. واليوم يتجلى هذا الصراع بوضوح بين فريقي السنة في مصر، إذ انتبهوا إلى أن التحالف السلفي الإخواني يمد أجنحته من تونس إلى سوريا مستغلا جموح العامة نحو وهم الحرية. وقد بدأت تتشكل جماعات رأي في المدن المصرية المنتفضة، تنادي بالوقوف إلى جانب مؤسسة الجيش العربي السوري التي يؤيدها علماء الاعتدال السني في بلاد الشام، في الوقت الذي يحاول فيه قادة المعارضة الإخونجيون تغذية البعد الطائفي في الحرب السورية القائمة، بدءاً بتسمية مجموعاته المقاتلة وانتهاء بأسماء أيام الجمعة التي تنحو إلى تأجيج العنف كلما فتر خلال باقي أيام الأسبوع: قذائف عشوائية على المدنيين ومشانق وحفلات سحل وتعذيب وشواء وتقطيع، حيث يمكن لزعيم أي مجموعة مسلحة جاهل أن يقرر موتك بتهمة عوايني دونما إثبات لمجرد أنه يريد أن يستحوذ على دكانك أو ورشتك أو ينزو على ابنتك أو امرأتك، وسوف تُسخر الصحافة الغربية والعربية طاقاتها لعرض بطولاته ضد السوريين (الأسديين)!؟
في الشهر التاسع من العام الماضي وبعد إطلاقي لموضوعة الإسلام الشامي في مواجهة الوهابية السعودية، وكلاهما سنّة، ذكرت بأن التيارين اصطدما منذ عام 1803 عندما هاجم مقاتلو الوهابية دمشق وحاصروها حتى أخذوا الضريبة منها بعدما احتلوا مزيريب وأعملوا قتلاً في أهلها بعد مذابحهم في قرى الأردن.. دعاني المفتي حسون لزيارته وتحاورنا لأكثر من ساعة وافقني الرجل على أنه من الخطأ اعتبار موقف علماء الشام اليوم دعم للسلطة بقدر ما هو رفض مستمر لأطماع الوهابية في سورية منذ قرنين ونيف، وكما استعان العلماء بالجيش الشامي آنذاك لحماية دمشق فإنهم يستعينون بالجيش العربي السوري اليوم لحماية صيغة التعايش التي حققها مسلمو بلاد الشام السنّة خلال 1400 سنة، حافظوا فيها على شكل الإسلام الأموي بقيادته العربية، غير أن قلة المعرفة هي التي أوقعت الكثير من أهالي أرياف بلاد الشام في شبكة البترودولار الوهابي وقادتهم إلى التهلكة..
***
إننا محكومون بأهل السنة وتوجهاتهم: هذي حقيقة مستمرة منذ أواخر حكم العباسيين، الذين ألغوا قيادة الفرع العربي للإسلام وأعطوها للعجم الذين اعتقلوها حتى مجيء جمال عبد الناصر الذي أعاد ريادة السنة إلى أصلها العربي، كما استعاد النسر القرشي رمزاً لعلم الوحدة العربية بين مصر وسورية، ولكن هذه اليقظة القومية لم ترضِ الغرب الذي بدأ باستخدام نفوذ البترودولار السعودي ضد ناصر كما استخدمه ضد حافظ الأسد وصدام من بعده.. هذا الغرب الذي يدعم اليوم العثمانية الجديدة التي أسقطها بالأمس، حيث يمهد لتركيا، المتصالحة مع الصهيونية، لقيادة المجتمعات الإسلامية لصالحها إنطلاقا من بوابة الشام ..
لكن تقديرات الحقل قد لاتتناسب مع حصيلة البيدر، إذ بدأ غالبية المصريين اليوم يستعيدون روح عصر النهضة العربية، عندما كانوا فرسان الأمة وليس مجرد فرسان السنة، وهاهم ينتفضون ضد حكم الإخوان بالحديد والنار والسخرية المرة من غبائهم السياسي وتحجرهم الاجتماعي ، كماينتبهون إلى أن غالبية إخوتهم في سورية يقفون مع جيش الدولة العربية ضد السلفنة، وهذي بداية اليقظة العربية السنية لاستعادة راية التنوير في مواجهة القوى الرجعية، وهي معركة كسر عضم بين فريقي السنة تقف فيه الأقليات مع فريق التنوير لمواجهة عدونا الحقيقي: إسرائيل ..
هامش 1: وفيما يذكر في سيرة عبد الحميد السراج قائد الإقليم الشمالي أيام الوحدة بين سوريا ومصر، أن السعوديين قدموا له شيكاً بمئة مليون لكي يعلن انفصاله عن عبد الناصر فما كان من السراج إلا أن قدم الشيك إلى قائده جمال.. ومازال السراج يعيش في مصر حتى اليوم حياة متواضعة، بينما لم يتورع رياض حجاب (البعثي) عن بيع قائده بأقل من ذلك لصالح مشيخة قطر..
هامش 2: وقد مضى العهد الذي كنا نخجل فيه نحن السوريين من تسمية الطوائف، واليوم أول مرة اتحدث فيها مستخدما توصيف «السنة» بشكل مباشر، بعد عامين من استهلاك معارصة قطر وعصاباتها المسلحة للتسميات الطائفية والاتجار بها .. فلا حول ولا قوة إلا بالله..
نبيل صالح
التعليقات
الصدفة الحزينة؟
الحقيقة واضحة
بعير السنة
لا أعوّل على مصر، ولا أرى
أسلحة فتاكة
المستقبل لن يكون إلا للفكر
شكرا" يانبيلنا
صراع الانبياء في زمن الاغبياء
الناس يموتون من قلة المعرفه
علمانية أم حماقة وكيف سيكون مأل الأمور لماذا في كل مرة لازم نعيد
أستاذ نبيل جميل ودقيق جدا
ماذا اقول
هل تعلم
يتساءل طفل سوري تحت سن
هل المنطقة على صفيح ساخن
تتعقد الأزمة اكثر
في اليابان تُدرَّس مادة من
قالَ الطفل :لقد عرفتُ معنى
لما الكتابة
(المشاغب!!) النبيل : نبيل
شكراً
*أغبى رجل في العالم :
الشيخ البوطي و حين استشهد
أمنية بسيطة
حزب البعث و القيادة السياسية
شركة البعث Limited
س سؤوال؟
إضافة تعليق جديد