«بويكا»... مُراجعات «مُجاهد» سابق في سوريا

22-12-2016

«بويكا»... مُراجعات «مُجاهد» سابق في سوريا

قاتل «بويكا» ثلاث سنوات ضدّ الحكومة السورية في ريف دمشق، رافعاً راية «الثورة» بقصد «الجهاد»، قبل أن يضع سلاحه جانباً، مُعلناً نهاية المسيرة وبداية عهد جديد عنوانه «الحياة حلوة».
«أبو علاء» والمُلقّب حركياً «بويكا»، أجرى مراجعة لمسيرته منذ عام 2011، واصفاً نفسه بـ «الثائر» و «المُجاهد»، ومُقدماً مبرراته لـ «الثورة» كالفساد والرشوة والظلم الذي تعرّض له شخصياً تارةً من خلال الضرائب والاتاوات التي كان يدفعها في عمله الخاصّ (مكتب سياحة)، وتارة أخرى من خلال ولده الذي كان مريضاً وتأزمت حالته الصحية نتيجة الإهمال في المستشفيات الحكومية من دون أن يُعاقب المسؤولون عن هذا الإهمال الذي أدى لاحقاً إلى وفاته.
بدأ الشاب نشاطه عقب تظاهرات «الربيع العربي»، وحمل «الجهادي» السلاح للمرة الأولى في عام 2013، يقول: «فعلت ذلك من أجل الدفاع عن أهالي منطقتي الهامة ومنع القوات الحكومية والرديفة من دخولها».
ميوله الإسلامية واضحة جداً، وهو لا يُخفي رغبته بدولة إسلامية وحكم وفق الشريعة، ويلمح إلى أن مُبرّراته للثورة وميوله وجدت من يتلقّفها ويُغذّيها، فكان طريقه إلى السلاح سالكاً بسهولة، فقط احتاج منه الأمر كلمة موافق حتى وُضع السلاح في يديه.
أُشرك المُقاتل الجديد في حلقات دينية، واستمع إلى خطب وفتاوى عزّزت ما لديه من قناعات، ويسّرت عليه الانخراط في مجموعته والانتماء لها، فبات واحداً من المجاهدين يُرابط معهم على خطوط المُواجهة مع القوات الحكومية ومن يُسمّيهم الميليشيات الطائفية.
يقول إن الحلقات الدينية ودعوات «الجهاد» أشرف عليها شيوخٌ كثر منهم «أبو فوز»، وهو «جهادي» قاتل الأميركيين في العراق وعاد مع اشتعال شرارة الأحداث وقُتل في الغوطة، وكذلك أستاذ في الشريعة من لبنان، وثلاثة شيوخ آخرين من إدلب.
يصف تلك المرحلة بأنها مرحلة تجييش وحشد للناس، في وقت كان فيه السلاح متوفراً في أيدي «الثوّار»، إلى جانب الأموال الوفيرة التي تصل إلى أيدي قادة الفصائل الذين لعبوا كثيراً على وتر الفقر، وحصار النظام للمنطقة، وحاجة الرجال للمال من أجل ضمّهم للقتال، في مُقابل رواتب هُم بأمسّ الحاجة لها.
يُقسِّم المجموعات داخل الهامّة إلى ثلاثة أنواع: مُسلّحون عاديون كان همّهم حماية منازلهم وأنفسهم من النظام ومجموعاته الرديفة و «زعران الثورة» في آن معاً، و «مُجاهدون» إسلاميون بعقائد راسخة، إضافة إلى «زعران» همّهم السرقة والتشليح وفرض الاتاوات ويُسمّيهم «شبيحة الثورة».
لا يجد «بويكا» حرجاً في القول إن عشرات المُقاتلين حملوا السلاح خجلاً أو خوفاً، فكل من لا يحمل السلاح في تلك المرحلة ولا ينضمّ إلى الفصائل المُسلّحة من الشباب كان موضع شكّ واتهام برجولته وشجاعته.
يقول إن اهتمامه ومجموعته كان مُنصبّاً على منع «قوات الدفاع الوطني» (رديفة للقوات الحكومية) من الدخول إلى المنطقة، ويتحدّث عن انهيار العلاقة الاجتماعية بين منطقته والمناطق المجاورة التي تسكنها أغلبية موالية للحكومة (جبل الورد)، وذلك نتيجة أعمال قنص وخطف للمدنيين كان يقوم بها مسلّحون من تلك المنطقة، حسب قوله، حيث تحوّلت المنطقتان من شركاء في الوطن والحياة إلى أعداء متحاربين علناً.
ويقول إن سوء العلاقة بين الهامة وجبل الورد أدى إلى فشل أكثر من محاولة تسوية بين المُقاتلين في الهامة من جهة، والحكومة من جهة أخرى، نظراً لعدم قدرة الدولة على ضبط من يُسمّيهم بـ «الميليشيات المؤيدة والطائفية» التي كانت تزعزع الاستقرار، واللافت هنا أن كلام «بويكا» مُطابق تماماً لما يقوله أهالي جبل الورد عن مُسلّحي الهامة.
في حديثه، كان كثير اللوم على الدولة التي وصفها بأنها «لم تكن تقوم بدورها جيدا، حيث لم تمنع الإهانات على الحواجز للداخلين والخارجين من الهامة، كما لم توقف خطف المدنيين واعتقال النساء»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «كل الأطراف التي كانت تُقاتل في الهامة وعليها لم تكن تحترم القيم ولا تأخذ حياة المدنيين بالاعتبار».
مع مرور الزمن انخرط «بويكا» بالفصائل جيداً وبات يعرفها من الداخل وراح يفقد ثقته بها، يتحدّث عن فساد مُشابه لذاك الذي ثار ضده، وعن خط تسير عليه تلك الفصائل مُختلف تماماً عن المبادئ التي قامت من أجلها، وعلى رأسها إسقاط النظام وحماية المدنيين.
يضرب أمثلة عن دولارات كانت تصل للفصائل يسرقها القادة ولا تصل للمقاتلين، وعن محاكم شرعية ابتعدت كثيراً عن الشرع ولم تكن عادلة بنسبة 50 في المئة، وعن تناحر بين الفصائل وصل بها إلى حدّ التضحية بالمقاتلين وخذلان «الثورة» من أجل مصالحها.
ويضيف: «كنا نظن أننا إخوة في الثورة، خرجنا من أجل الأهداف ذاتها وبقلب واحد، لكن مع الزمن اكتشفنا أننا نختلف بعضنا عن بعض كثيراً، وأن لكل فصيل حساباته البعيدة عن الوطنية والإسلام على الرغم من انتمائه لهما. فعندما كنّا ندعوهم لكي نهبّ هبّة رجل واحد لإسقاط النظام، أو إشعال الجبهات، كانوا يرفضون ذلك أو يقولون لنا إننا معكم ومن ثم يتروكننا وحدنا نُواجه مصيرنا، وهذا باعتقادي سببه حساباتهم الخاصة وارتباطاتهم الخارجية».
كان «بويكا» ينظر للواقع بعين التحليل كثيراً حتى وصل إلى قناعة بأنه إذا سقط النظام، الذي يصفه بالسيئ، فإن من سيحكم البلاد هم مجموعة أنظمة يصفها بأنها أسوأ من بعضها بعضا، منطلقاً من البقعة الجغرافية التي عاش فيها (الهامة)، والتي كان فيها عشرة قادة لا يتّفقون بعضهم مع بعض، ويرفضون كل دعوات توحيد الصف، وهذا الهاجس نقله الى عدد من المقاتلين الذين كانوا معه.
في النصف الثاني من عام 2016، شدّدت الدولة السورية حصارها على منطقة الهامة، ودفعت لجنة المُصالحة للعمل على تسوية شاملة في المنطقة تُنهي حالة الصراع المستمرة منذ عام 2012، كان «بويكا» وعدد من رفاقه يراقبون تفاصيل التسوية وأدقّ تفاصيلها، مُركّزين اهتمامهم على الضمانات الموضوعة لتنفيذ كل تفاصيلها تنفيذاً فعلياً لا إعلامياً.
قبل المُقاتل بالتسوية، بعدما شعر بالارتياح نحوها وبالاحتضان الشعبي لها، وقرّر أن يضع سلاحه جانباً، ويعود لحياته المدنية، يقول «بويكا»: «لقد ذهبت الثورة إلى الهلاك».
لم يطمئن قلبه تماماً لمرحلة ما بعد التسوية. يقول إن «الثقة لا تُبنى بسهولة، وتجربتنا مع النظام ليست وردية، مبدئياً التسوية جيدة وهي مُرضية للأهالي وآلية تعاطي الدولة مع المنطقة مختلفة تماماً عن قبل، فالحواجز تتعامل مع الأهالي باحترام والخدمات عادت للمنطقة بالكامل، وانفرجت أحوال الناس كثيرا، والمُقاتلون الذين ألقوا سلاحهم جرت مُعاملتهم بطريقة تُشير إلى أن هناك نية للمصالحة التامة، وهذا ما نتمّناه، وشخصياً أُشجّع على التسوية الشاملة على كل الأراضي السورية».
حصل «بويكا» على ورقة تسوية صالحة لمدة ستة أشهر، وهو مطلوب للخدمة الاحتياطية في الجيش السوري، يقول إنه مُستعدّ للالتحاق بها، شريطة أن تكون خدمته في منطقته فهو لا يُريد الخروج منها.
المُقاتل الشاب ما زال مؤمناً بمفهومي «الثورة» و «الدولة الإسلامية»، يقول: «إذا تعرّضنا للظلم فسنعود للثورة من جديد، لقد رميت السلاح جانباً، لكنني ما زلت ضدّ الفساد والمحسوبيات والظلم».
أما «الدولة الإسلامية» التي ينشدها، فيرى أنها «غير موجودة في العالم حالياً»، مُتمنياً أن تكون هناك «دولة إسلامية حقيقية»، لكنه في توصيفه لـ «الدولة الإسلامية» يبدو «مؤمناً فيها بهامش كبير من الحرية الفردية وهو توصيف يحمل خصوصيته.
يؤكد «بويكا» أنه كان مُؤمناً بالدور الذي قام به، لكنه في الوقت نفسه يُبدي بعض الحسرة على ما وصلت إليه البلاد، ويقول: «لو عاد بي الزمن إلى الخلف، لكنت تعاملت مع الثورة بطريقة مختلفة وغير عنيفة، لأن النتيجة التي وصلنا لها هي نتيجة غير مُرضية».
بدأ المُقاتل السابق عملاً جديداً كمُحاسب في إحدى المؤسسات ضمن الهامة، وهو ملتزم في عمله ومعجب به، يُريد فقط أن يعيش وعائلته بسلام، كان قد أرسل ابنته إلى المدرسة قبل أيام. يقول: «أُريدها أن تصبح مُحامية، بعد تجربتي هذه سأعلّمها ألا تثق بأحد».

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...