«خلافاً للتخطيط»... إسرائيل تتدحرج نحو «الهاوية» السورية
بحسب ما «يُشاع» إسرائيلياً، فضّلت تل أبيب سياسة «الوقوف جانباً»، على «التدحرج» نحو «الهاوية» السورية، لكنها تجد نفسها اليوم «شريكة في تنسيق العمليات التي تجري في عمان، وكذلك في الحوار الذي تجريه مع روسيا بشأن ضمانات تقضي بمنع دخول قوات إيرانية إلى المناطق الحدودية في الجنوب السوري».
الكلام لمعلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس» تسافي برئيل، الذي رأى أن شراكة إسرائيل تلك، تجعل منها «طرفاً في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في هذه الحرب».
مستذكراً، يستحضر برئيل في هذا السياق، حديث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمام أعضاء مجلس الدوما في أيار المنصرم: «نحن نعمل بصورة مثمرة مع الأردن، ولا أخفي أمامكم شيئاً، تماماً كما نعمل مع إسرائيل»، وفيه لفت، إلى محادثاته «المثمرة» مع وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، من خلال الاتصالات الهاتفية الدائمة بينهما. ويستشهد برئيل كذلك بالتقارير التي تحدثت عن اتصالات لا تنقطع بين طياري سلاح الجو الروسي، وبين المراقبين في سلاح الطيران الإسرائيلي بهدف «تنسيق الطلعات الجوية، إضافة إلى نشاطات أخرى».
أمّا «النشاطات الأخرى» هذه فهي، بحسب معلق الشؤون العربية، تتضمن «مساعدات إنسانية وعسكرية، تنقلها إسرائيل إلى بعض الميليشيات النشطة في الجولان السوري وجنوب سوريا، وخصوصاً في منطقة درعا»، التي تدور فيها معارك بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، والمجموعات المسلحة من جهة أخرى.
هذه «النشاطات» جعلت من محادثات التنسيق الجارية بمشاركة كل من الأردن، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، والسعودية، مركزاً لها. إذ بحسب برئيل «شارك ممثلون إسرائيليون في بعض هذه المحادثات، وفي بعضها الآخر تمثلت المشاركة الإسرائيلية من خلال التنسيق الهاتفي، أو من خلال مبعوثين وممثلين وصلوا إلى تل أبيب».
فالمعارك الدائرة في درعا هي أحد فصول مشروع إقامة مناطق «تخفيف التوتر» الذي بموجبه ستقام «مناطق آمنة»، يمنع تحليق الطيران السوري فوقها. كذلك تتضمن وقف إطلاق نار بين المجموعات المسلحة والجيش السوري، ويستطيع لاجئون سوريون السكن فيها بعيداً عن القتال. إذ اتُّفق الشهر الماضي خلال محادثات أستانا على إنشاء أربع مناطق لـ«تخفيف التوتر». غير أن التفاصيل التقنية تؤخر تنفيذ المشروع، لكونها تتركز في ثلاث نقاط: أولها هو الحدود الجغرافية لهذه المناطق. وثانيها هو هوية القوات التي ستشرف على أمن تلك المناطق. وثالثها آلية تأمين المعابر بين المناطق المدرجة ضمن مناطق «تخفيف التوتر».
وفي هذا الإطار، يشرح المعلق الإسرائيلي أن تل أبيب التي كانت قد أوضحت أمام موسكو معارضتها بشأن إشراف ما سماه «ميليشيات شيعية» على أمن مناطق «تخفيف التوتر»، وجدت في كل من واشنطن وعمان حلفاء لها، إذ «ضغطت الأخيرتان على موسكو، طالبتين نشر قوات روسية كجزء من تأمين المنطقة الجنوبية السورية».
ويفترض برئيل أن روسيا التي وعدت إسرائيل بمنع دخول «القوات الموالية لإيران»، و«فهمت المعارضة الشديدة التي تبديها واشنطن في هذا الشأن»، ستوافق بالفعل، ولو مؤقتاً، على عدم إشراف الجيش السوري على أمن هذه المناطق أيضاً. وبالتالي «حيّدت موسكو مطالب أنقرة وطهران للمشاركة في الإشراف على هذه المنطقة على الأقل (الجنوب السوري)... ولكن لم تصل بعد إلى اتفاق في ما يتعلق بالإشراف على المناطق الأخرى».
فتركيا كانت قد هددت أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الإشراف على أمن مناطق «تخفيف التوتر»، ستنشئ هي بنفسها «منطقة آمنة» في محيط محافظة إدلب، حيث تتركز غالبية المجموعات المسلحة. وذلك بهدف «منع سيطرة الأكراد السوريين على المنطقة الشمالية». أمّا إيران، فقد «تراجعت بدورها عن مطالبتها باشتراك مباشر أو من خلال الميليشيات الموالية لها (في الإشراف على أمن منطقة تخفيف التوتر في درعا)».
ولذلك، وفق برئيل «في درعا على الأقل يمكن إسرائيل أن تطمئن»، مستدركاً أنه «برغم ذلك، شعور عمان وتل أبيب بالقلق لا يزال مستمراً». ويعزي السبب إلى أن إنشاء مناطق «تخفيف التوتر» هو فقط أحد الفصول الملحّة في مسار طويل سيخرج إلى الضوء في الشهر المقبل، حيث ستعقد في العاصمة الكازاخستانية، أستانا، محادثات بين ممثلين عن روسيا، وتركيا، وإيران، من أجل «ترسيم خرائط المناطق الآمنة».
ويرى أنه في خلال هذا المؤتمر «لا توجد مكانة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، ونتائجه ستتخذ بناءً على تفاهمات تركيا وإيران بشأن الخلافات بينهما، وبالأخص على آلية إدارة معابر المناطق الآمنة». وهي الآلية التي سيتوضح بموجبها أمام كافة الأطراف، أن السيطرة على المعابر ستحدد مصير «المناطق الآمنة».
ففي حال توصُّل الأطراف إلى اتفاق، سينقل الأخير إلى المناقشة في القمة الأولى من نوعها، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، التي يتوقع عقدها في هامبورغ بحدود السابع أو الثامن من شهر تموز المقبل.
لكن حتى الآن لم تعرض الإدارة الأميركية تسوية واضحة لإنهاء الأزمة في سوريا، كذلك ليس واضحاً إلى أي مدى سيؤثر «توتر العلاقات» بين الرئيسين، بقدرتهما على الوصول إلى تفاهمات بشأن مستقبل سوريا.
برغم ذلك، لروسيا شركاء مهمون، ففي السنة الأخيرة «تقارب» الموقف التركي من الموقف الروسي بشأن مصير الرئيس بشار الأسد، كذلك انضمت فرنسا الأسبوع الماضي إلى موقف روسيا وإيران عبر موقف رئيسها الجديد.
وبما أن لا موقف أميركي حازم في هذا الشأن، فمن الجائز، بحسب برئيل «الافتراض أن اهتمام ترامب يتركز في التعاون في الحرب على داعش، حتى لو كان الثمن تعزيز مكانة إيران في سوريا، ولكن بشرط أن يظل (الإيرانيون) بعيدين عن الحدود مع إسرائيل».
وفي ظل هذه التحولات، يرى المعلق الإسرائيلي أن «احتمال إيجاد بشر على كوكب المريخ أقرب من احتمال التوصل إلى تسوية سياسية خلال جولة المحادثات المقبلة في جنيف». وبالتالي، تكمن الأهمية في «محاولة» إقامة منطقة «تخفيف توتر» في محيط درعا، حيث ستمتحن روسيا في قدرتها على التزام تعهداتها (وعدها بمنع دخول الجيش السوري، والقوات الموالية لإيران إلى هذه المناطق، والحفاظ على تخفيف التوتر في هذه المنطقة). ولكن ليست روسيا وحدها من سيقف امام «الاختبار».
ففي منطقة درعا ينشط، على الأقل، معسكران اثنان، وبحسب هرئيل الأول مدعوم من «غرفة العمليات» الأردنية (الموك)، أمّا المعسكر الثاني، فيضم تنظيمات إسلامية راديكالية ووحدات من «الجيش السوري الحُر» كانت قد انشقت عن المعسكر الأول.
ويتابع أنه لا يستبعد إمكانية أن تدير هذه التنظيمات جبهة «مستقلة»، تشنّ من خلالها معارك ضد القوات الروسية التي ستشرف على منطقة «تخفيف التوتر» في درعا. الأمر الذي من شأنه أن يجر إلى «سيناريو حرب تقلب الحدود بين سورية والأردن وإسرائيل، دون أن تستطيع الأخيرة التحرك بسبب وجود القوات الروسية».
ولذلك، فإنه يُرجح انهيار الاستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل طوال السنوات الست الماضية، والتي تمثلت بحسبه، في «تعاون صامت وسري مع جزء من المجموعات المسلحة». وهدفت إلى «منع دخول تنظيمات موالية لإيران إلى المنطقة». وفي حال اندلاع معارك مع القوات الروسية، فإن «إسرائيل ستضطر إلى مواصلة التعاون المهم مع روسيا، الذي سيكون على حساب علاقاتها السرية هذه»، كما رأى برئيل.
واللافت في كلام المعلق الإسرائيلي أن «إسرائيل التي تبنت في بداية القتال في سوريا موقف عدم التدخل بأي شكل في القتال، باستثناء استهداف مخازن السلاح أو قوافل الأسلحة المعدة لحزب الله»، تجد نفسها الآن «تزحف شيئاً فشيئاً إلى داخل الساحة السورية، وهو ليس زحفاً تكتيكياً فقط بهدف الحفاظ على التواصل وجمع المعلومات حول ما يجري في الجانب السوري من الحدود الشمالية».
بيروت حمود
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد