«كابوس» الضمانات المصرفية
«سباق القروض» هذا ما بات يسميه البعض وصفاً للسياسة التي تتبعها بعض المصارف الخاصة، فلا يمضي شهر أو اثنان حتى نسمع باسم قرضٍ جديد بشروط جديدة، وبالطبع لكل قرض شريحته الخاصة به، إلا أن جميع القروض وفي مختلف المصارف تطلب الضمان المصرفي، ذلك العائق الذي يقف أمام كل طالبٍ للقرض لاسيما الشباب الذين كلما سمعوا عن قرض هنا أو هناك تراهم يركضون للاستفسار عن ضماناته، ولكن حين يطلعون على شروط الضمان ينتهي –غالباً- ذاك الأمل، فتلك الشروط تطلب كفيلاً أو ضماناً عقارياً أو تجارياً، ولو توفر ذاك الضمان أصلاً لما اتجه بعض الشباب على حد قولهم إلى تلك المصارف.
لا يملك معظم الشباب ضماناتٍ يستطيعون من خلالها سحب قرض ما، والمصارف لا تستطيع أيضاً منح قروض دون ضمانات، فما هو الحل المناسب لهذه المعادلة التي بدأت تبدو للبعض مستحيلة الحل؟
- الشاب رامي.ع توجه إلى أحد المصارف الخاصة محاولاً الاستفسار عن قرض المشاريع الصغيرة، وما إن قرأ الضمانات الخاصة بالمصرف حتى قرر نسيان فكرة سحب القرض، فتلك هي محاولته الرابعة دون أي نتائج، يقول رامي: كل المصارف التي تعلن عن قروض للمشاريع الصغيرة تطلب كفيلين موظفين كضمانات مصرفية، وأنا لا أستطيع تحقيق هذا الشرط كوني لا أعرف موظفين اثنين باستطاعتهما كفالتي، وهذا حال معظم الشباب الذين أعرفهم.
أما حسان.ص فيقول: وافق اثنان من أقاربي على كفالتي ولكن مجموع رواتبهم لم يناسب شرط القرض، ولا يخفى على أحد صعوبة إيجاد كفيل لهذا الموضوع، وفي كل مرة يحدثني أحدهم عن قرض جديد أحلم بأني أخذت القرض وفي اليوم التالي وما إن أطلع على الضمانات حتى ينتهي الحلم.
- من خلال الرأيين السابقين يتبين لنا وجود نقطتين تقفان عائقاً أمام الشباب الساعي نحو الحصول على قرض، هما «الضمان» كوسيلة لدرء الخطر الذي قد يقع على البنك المانح، و»قيمة الضمان» الذي لابد من تحقيقه كشرط يضمن البنك من خلاله استرداد حقه كاملاً.
يعرف خبراء الاقتصاد مفهوم الضمانات البنكية بأنه وسيلة يمكن للمتعاملين من خلالها الحصول على القروض، ومن جهة أخرى هي أداة إثبات حق البنك في الحصول على أمواله التي أقرضها بالطريقة القانونية، وذلك في حالة عدم تسديد العملاء أو الزبائن لديونهم.
ولقد لجأت جميع البنوك إلى التأكيد على الضمانات البنكية كشرط أساسي حسبما يعتقد خبراء الاقتصاد بسبب قلة اهتمام بعض المؤسسات التجارية والصناعية بالمحافظة على حسن سمعتها، ما يضطر البنك إلى طلب هذه الضمانات، بالإضافة إلى عنصر الخطر الملازم للقرض والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاؤه بصفة نهائية، أو استبعاد إمكانية حدوثه مادامت هناك فترة انتظار قبل حلول أجل استرداده.
- عنصر الخطر الذي يلازم القروض بشكل دائم دفع القائمين على العملية المصرفية إلى دراسة قيمة الضمان، ولأن البنوك بصفة عامة لها عادات وتقاليد مكتسبة في شأن الضمانات، وتجارب متراكمة في هذا المجال أصبحت قادرة على تحديد قيمة الضمان المطلوب حسب طبيعة كل نوع من أنواع القروض، وبالطبع أفضل الحلول هو أن تكون قيمة الضمان مساوية لمبلغ القرض، بحيث يسمح للبنك انتظار موعد التسديد بطمأنينة.
ولكن شكل الضمان قد يختلف فقد تكون السمعة الجيدة للشخص أو المؤسسة أحد الضمانات، وهذا النوع من الضمانات انتهى تقريباً لأنه لا يلغي مبدأ الخطر، وقد تكون الضمانات أسهماً وسندات وهذا الشكل أيضاً من الضمان يشبه سابقه فهو لا يلغي مبدأ الخطر أيضاً، فإذا تدهورت أسعار هذه القيم في البورصة، فهذا يعني أن قيمتها الحقيقية أصبحت أقل من قيمتها الاسمية ما يؤدي إلى فقدان الضمان لجزء من قيمته، ولهذه الاعتبارات يعتبر تحديد قيمة الضمانات أمراً مهماً و نسبياً في الوقت ذاته، فهو أمر هام لأنه يضع البنك في مأمن ضد الأخطار المحتملة، وهو أمر نسبي لأن هذه القيمة من المحتمل أن تتعرض لبعض المتغيرات في المستقبل وهي بحوزة البنك، لذلك بدأت معظم البنوك بتحديد نوع وشكل خاص من الضمانات تكفل من خلالها استرداد المبلغ دون أي خطر، ككفيل موظف أو عقار سكني أو تجاري.
- يعتبر الاقتصاديون الكفالة نوعاً من أنواع الضمان الشخصي، إذ يقع على الكفيل سداد قيمة القرض والفوائد المترتبة عليه في حال تخلف صاحب القرض عن الدفع، وهنا تكمن المشكلة فحسبما عبر معظم الشباب الذين التقينا بهم فإن الحصول على كفيل هو أمر شبه مستحيل إن لم يكن الكفيل والداً أو والدة أو قريباً من الدرجة الأولى بصاحب القرض، وأكد هؤلاء الشباب على أهمية وجود مؤسسات اجتماعية تستطيع إيجاد الحل خارج سياسة العمل المصرفي، أما الضمان لهذه المؤسسات فهو خبرة صاحب القرض بالمشروع الذي سيقدمه وإمكانية وضع المؤسسة يدها على المشروع كضمان في حال التخلف عن الدفع.
بعضُ الحلول التي قام الشباب بطرحها قد تكون مناسبة من وجهة نظرهم ولكن المصارف ترى ذلك أمراً غير منطقي في العمل المصرفي، وقد تكون بعض الحلول الأخرى محل دراسة، لذلك التقينا الدكتور عبد الرزاق قاسم (أستاذ في كلية الاقتصاد – قسم المصارف) للاطلاع على أسباب عدم منطقية بعض الحلول وإمكانية بعضها الآخر فقال: تخضع المصارف لضوابط يقرها المصرف السوري المركزي لأن هذه الضوابط لها تأثير على استقرار رأس المال السوري، إذ إن قيام المصارف بمنح قروض دون ضمانات سينعكس سلباً عليها في حال عدم السداد ويتعرض المصرف لمخاطر ائتمانية مرتبطة بهذه القروض ما ينشأ عنه خسائر كبيرة، قد تنعكس حتى تصل إلى ودائع العملاء وبالتالي يتعرض النظام المالي لعدم الاستقرار.
- يؤكد الدكتور قاسم أن عملية منح قروض البطالة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة هي ليست عمل المصارف بل يجب أن تكون هناك مؤسسات متخصصة بتمويل مثل هذه المشروعات بشرط أن تكون مؤهلة لتحمل مثل هذه المخاطر عند حدوثها، إذ لا يعقل أن يتحمل المصرف عدم السداد لأن المصرف مؤسسة ذات طابع اقتصادي يجب أن تعمل وفق مبادئ الريعية الاقتصادية.
- وعن عمل تلك المؤسسات التي بإمكانها منح القروض وكيفية تلافيها لمخاطر عدم السداد قال د.قاسم: عندما يكون هنا إقراض يكون التحصيل جيداً ومن شروط الإقراض الجيد التأكد من جدوى المشروع الممول، وأن تكون تدفقاته المالية المستقبلية كافية لسداد أقساط القرض والفوائد، وحتى نصل إلى هذه المرحلة يجب أن يكون لدى المؤسسات المكلفة بتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة قسم للدراسات والاستشارات يتولى تقديم الدراسة والعون للشخص المقترض حيث يبين له فرصة الاستثمار التي تناسبه وكيف يجب عليه أن يدير عمله بحيث يصل إلى بر الأمان.
ويتابع د.قاسم: مثل هذا النوع من القروض يحتاج إلى موظفين مؤهلين ذوي خبرة ومتابعة مستمرة بحيث يتم صرف قيمة القرض على دفعات بحسب مراحل المشروع المنوي إنشاؤه كي تتأكد الجهة المانحة للقرض أن القرض يتم استخدامه للغاية نفسها التي أخذ من أجلها، عند توفر مثل هذه الشروط يمكن للجهة الممولة أن تستغني عن قيمة الضمانات وتعتمد على الجدوى الاقتصادية للمشروع وتدفقاته النقدية لضمان استرداد قيمة القرض، وبالطبع تعتبر السيرة الذاتية المهنية للشخص المقترض من الشروط المهمة لمنحه القرض وخبرته بمجال المشروع الذي ينوي إنشاءه، وهل له تعاملات سابقة مع مصارف معينة؟ عند توفر سمعة وخبرة جيدة للعميل يمكن للمؤسسة هنا البدء بدراسة المشروع وتقييمه.
فراس العلي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد