آفاق الوساطة التركية بين واشنطن وقادة المقاومة العراقية
الجمل: أكدت بعض التسريبات الأمريكية الواردة اليوم أن أنقرة تقوم حالياً بدور الطرف الثالث في إدارة الأزمة العراقية، أشارت هذه التسريبات إلى أن أنقرة تقوم حالياً بتسهيل محادثات رفيعة المستوى بين الإدارة الأمريكية وفصائل المعارضة العراقية.
* المعلومات والوقائع الجارية:
أوردت نشرة راصد أوراسيا اليومية الاستخبارية معلومات تقول بوجود اتصالات جارية حالياً برعاية تركية بين دبلوماسيين أمريكيين وعناصر مسلحة من السنة العراقيين، وأكدت مصادر تركية رسمية أن الحكومة التركية تقوم برعاية هذه الاتصالات وبأن الحكومة العراقية الحالية على علم بما يجري في هذه الاتصالات. ومن جهة أخرى أكد مصدر سني عراقي بأن الاتصالات تجري حالياً في اسطنبول وبأن هذه الاتصالات أسفرت عن توقيع بروتوكول لعقد محادثات شاملة حول مستقبل العراق بما في ذلك مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة. وأضاف المصدر أنه بالرغم من أن هذه الاتصالات لم تسفر عن أي نتائج عملية فإن وثيقة البروتوكول تشير إلى تحول في اعتراف الولايات المتحدة بوجود وأهمية وفاعلية الحركات العراقية السنية المسلحة.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً يقول أن الحكومة العراقية برغم قيام أنقرة بإخبارها بفحوى هذه لاتصالات احتجت رسمياً لدى واشنطن ووصفت البروتوكول بأنه يشكل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية العراقية وأضافت الصحيفة أن الحكومة العراقية تقدمت بطلب رسمي لأنقرة وواشنطن طالبتهما بتوضيح وتفسير رسمي لما هو جاري حالياً.
جاء الرد الأمريكي للحكومة العراقية على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الذي وصف هذه الاتصالات بأنها تندرج ضمن الجهود والمساعي الأمريكية الرامية لتقوية وتعزيز التسوية والمصالحة العراقية وأضاف المتحدث بأن هذه الاتصالات ظلت تجري بعلم الحكومة العراقية. إضافة لذلك نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية تصريحاً لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين المشاركين في هذه الاتصالات أكد فيه صراحة على أن الإدارة الأمريكية وقعت في أنقرة على بروتوكول رسمي مع الأطراف السنية الإسلامية المسلحة العراقية وأبرز ما ورد فيه هو اتفاق الأطراف على عقد جولة ثالثة من المحادثات وهذا يعني أن هناك جولتين سابقتين الأولى تضمنت تبادل وجهات النظر والثانية تضمنت النقاش والتفاهم والتوقيع على البروتوكول.
* ردود الفعل على خط بغداد – واشنطن:
أشار سابان كارديس خبير الشؤون الشرق أوسطية قائلاً أن الحكومة العراقية ظلت على علم ليس بالاتصالات الجارية برعاية تركية فقط، وإنما كذلك بالاتصالات التي سبقتها وأضاف أن سبب توتر بغداد الحالي يتمثل ليس في إجراء الاتصالات وإنما في البروتوكول الذي تم التوقيع عليه وفي هذا الخصوص أشارت نشرة الراصد الأوراسي اليومية الاستخبارية إلى ردود الفعل الآتية:
• خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة إلى العاصمة الأمريكية كرس جزءاً كبيراً من زيارته لمناقشة الأمريكيين والتفاهم معهم حول الاتصالات الجارية مع الأطراف السنية المسلحة العراقية.
• عبر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري (نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني) عن رفضه التام لهذه الاتصالات وعلق قائلاً: كيف يمكن أن نتوقع من واشنطن صديقة الحكومة العراقية وحليفة العملية السياسية في العراق أن تلتقي وتتفاهم وتتفاوض وتوقع بروتوكولاً مع الأطراف المعادية للحكومة العراقية والعملية السياسية علماً أن واشنطن نفسها ظلت تتهم هذه الأطراف بالإرهاب؟
• وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت أنه تم إخبارها بهذه الاتصالات والمحادثات قبل فترة قصيرة وأضافت أن وزارة الخارجية لم تصدر أي تفويض رسمي بتوقيع البروتوكول وأكدت أن بغداد سيتم إخبارها رسمياً في المستقبل بهذه اللقاءات وفحواها.
وبحسب هذه النقاط فإن ما هو واضح يتمثل في أن الحكومة العراقية ستسعى إلى تقويض هذه المحادثات وإغلاق أي فرصة لحدوث أي تفاهم أمريكي – عراقي سني طالما أن ذلك بالنسبة لبغداد يمثل تهديداً أمام انفراد التحالف الشيعي – الكردي المسيطر حالياً على حكومة المنطقة الخضراء العراقية.
* أبعاد البروتوكول المعلنة:
تشير المعلومات والتسريبات إلى أن البروتوكول تسربت أخباره بواسطة بعض الأطراف الشيعة العراقيين وبدأت هذه التسريبات تظهر خلال يومي 24 و25 الماضيين، وتقول المعلومات أن الملامح العامة للبروتوكول تتضمن الآتي:
• الأطراف الموقعة على البروتوكول: المندوب التركي – المندوب الأمريكي – الأطراف السنية العراقية المسلحة.
• مضمون البروتوكول: اعتراف الأطراف الموقعة بالآتي:
- استمرار جهود الوساطة التركية.
- عقد المزيد من جولات المحادثات خلال الفترة القادمة.
- فتح قنوات الاتصال بين الأطراف المسلحة السنية العراقية والطرف الأمريكي.
وحتى الآن لا توجد أي تفاصيل إضافية تشير إلى البنود الأخرى الواردة في البروتوكول ولكن علينا أن نتوقع أن هذه البنود لا تتجاوز حالياً الطابع الشكلي الإجرائي الخاص بتنظيم الاتصالات والتفاهمات إضافة إلى التأكيد على الاعتراف الكامل بالدور التركي في الوساطة.
* أبعاد البروتوكول غير المعلنة:
يمكن قراءة أبعاد البروتوكول غير المعلنة من خلال المعطيات الآتية:
• البعد التركي: يتيح البروتوكول لأنقرة الاعتراف بها كطرف ثالث في إدارة مفاعيل الأزمة العراقية وذلك عن طريق استخدام آليات الوساطة وغيرها لجهة التأثير في فاعليات علاقات الصراع والتعاون بين الأطراف العراقية سواء المتعاونة أو المتصارعة، وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة سبق أن أجرت تفاهمات مع مسعود البرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراقية، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يمثل الفصيل الأكبر في الساحة السياسية الكردية في العراق، وعلى المنوال ذاته أجرت أنقرة التفاهمات مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يمثل تياره الصدري الفصيل الشيعي الرئيسي في جنوب العراق ولآن بعد أن حصلت أنقرة على اعتراف الفصائل السنية العراقية للقيام برعاية المحادثات مع أمريكا تكون أنقرة نجحت في بناء خطوط التواصل مع الكيانات العراقية الرئيسية الثلاث: أكراد الشمال – سنة الوسط – شيعة الجنوب.
• البعد الأمريكي: ظلت واشنطن على علاقة وثيقة بالأطراف الكردية العراقية ثم نجحت في بناء الروابط مع الفصائل الشيعية العراقية وقد أتاح لها ذلك القضاء على المقاومة السنية، ولكن بسبب عدم نجاح خطة الجنرال ديفيد بتراوس التي تضمنت زيادة عدد القوات الأمريكية وتكثيف العمليات العسكرية الأمريكية في مناطق وسط العراق فإن هذا البروتوكول يتيح لواشنطن السعي لبناء التفاهمات والروابط مع الفصائل المسلحة العراقية السنية وعلى الأغلب أن تسعى واشنطن إلى محاولة استخدام لغة مشتركة تركز على حث الأطراف المسلحة السنية وتعبئتها ضد إيران مع الضغط على هذه الفصائل لضرورة عدم السعي لتصعيد صراعاتها مع الشيعة العراقيين كما ستسعى لإدماج الفصائل السنية ضمن العملية السياسية وفي حالة نجاح ذلك تكون واشنطن نجحت في تهدئة الساحة العراقية لإجراء الاستفتاء وضمان بقاء قواتها وبناء القواعد العسكرية وفق الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية.
• البعد السعودي الإيراني: ستنظر الرياض إلى التفاهم الأمريكي مع الفصائل العراقية السنية المسلحة باعتباره عامل إيجابي سيتيح ليس فقط إدماج حلفاء واشنطن ضمن العملية السياسية العراقية وإنما كذلك سيتيح للرياض ممارسة النفوذ على بغداد، أما بالنسبة لإيران فإن إدماج العناصر السنية في العملية السياسية هو إدماج سيترتب عليه العديد من احتمالات ردود الأفعال الإيرانية، وبكلمات أخرى إذا كان هذا الإدماج سيترتب عليه تقليص نفوذ حلفاء إيران العراقيين أو كان هذا الإدماج يهدف إلى ترتيب المسرح العراقي للقيام باستهداف إيران فإن طهران ستسعى إلى عرقلة هذا الإدماج أما إذا كان إدماج الفصائل السنية يهدف للحيلولة دون اندلاع الحرب الأهلية العراقية وتنقية الأجواء تمهيداً لانسحاب القوات الأمريكية فإن طهران ستسعى لدعم الإدماج عن طريق الضغط على حلفائها العراقيين لتقديم التنازلات التي تتيح إدماج الفصائل.
عموماً نستطيع الإشارة إلى أن قيام تركيا بهذه الأدوار في الساحة العراقية هو أمر يطرح تساؤلاً حول مدى إمكانية أن تصبح الساحة العراقية مدخلاً لصراع النفوذ بين طهران وأنقرة. ومدى احتمالات أن يؤدي تضارب المصالح بين الطرفين إلى تقويض أركان معادلة علاقات التعاون الإيراني – التركي الحالية وإحلالها بمعادلة علاقات الصراع الإيراني – التركي وهو الصراع الذي إن حدث فمن الممكن أن يؤدي لفتح الأجواء التركية أمام طائرات من يخططون حالياً لضرب إيران؟!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد