أقدم خريطة لأقدم مدينة في التاريخ

18-10-2006

أقدم خريطة لأقدم مدينة في التاريخ

في العام 1955 أمضى العالم الأميركي، المتخصص بالسومريات، صاموئيل نوح كريمر، عشرة أسابيع في مدينة يينا الألمانية (الشرقية يومذاك)، يدرس وينقل النصوص السومرية الموجودة في جناح هليريخت في جامعة فردريش – شيلر الى حروف لاتينية. وكانت هذه الوثائق من أعمال حفريات جامعة بنسلفانيا الأميركية منذ أوائل القرن العشرين، وهي جزء من مجموعة مقتنيات هيرمان هليريخت أول من شغل كرسي كلارك الأستاذ الباحث في الآشوريات في جامعة بنسلفانيا، وهو الكرسي نفسه الذي شغله فيما بعد صاموئيل نوح كريمر. وبعد وفاة هليريخت في 1925، نُقلت المجموعة بكاملها الى جامعة يينا.

ولعل أهم وثيقة في مجموعة هليريخت، هي خريطة مدينةٍ، تعتبر بحق أقدم خريطة لمدينة في التأريخ. وجدت هذه الخريطة لمدينة نيبور في وادي الرافدين (العراق) على لوح طيني وصلنا بصورة سليمة تماماً، مساحته 21 في 18سم، ونيبور كانت المركز الثقافي لسومر، وفي هذه الخريطة يظهر الكثير من معابدها ومبانيها المهمة، «ومتنزهها المركزي»، وأنهارها وقنواتها، وأسوارها وأبوابها. وترقى هذه الخريطة الى نحو 1500 ق.م. وهي مرسومة بدقة فائقة في مقاييسها. والكتابة المسارية على الخريطة هي مزيج من اللغتين السومرية والأكدية.

وقد رسمت هذه الخريطة بحسب الاتجاه الشمالي – الجنوبي، لكن بانحراف 45 درجة صوب الشرق. وفي الوسط دُوّن اسم المدينة (رقم 1 كما يُشاهد على هذه الخريطة)، بالرموز السومرية القديمة EN-LIL-KI «مُقالم أنليل»، أي المدينة التي احتضنت إله الهواء انليل، أبرز إله في البانثيون السومري.

وتظهر البيانات التالية على الخريطة: ايكوُر (رقم 2)، وتعني «بيت الجبل»، أشهر معبد سومري، وكيور (رقم3)، وهو معبد ملاصق لإيكور، وكان يقترن بالمعتقدات التي لها صلة بالعالم الأسفل، ثم أنيجنا (رقم4) وهو شيء مجهول، أما (رقم 5) فهو المتنزه المركزي للمدينة Central Park، وبالسومرية Kirishauru، ويعني «متنزه مركز المدينة». ويشكل الفرات الحدود الجنوبية الغربية للمدينة، وهو (رقم 7) في الخريطة، وقد دُون بالصيغة السومرية القديمة (بُورانو)، وفي الشمال الغربي تحد المدينة قناة Nunbirdu (رقم 8)، حيث يشاهد الإله إنليل للمرة الأولى زوجة المستقبل تستحم فيها، ووقع في غرامها تواً، كما تقول الأسطورة. وفي وسط المدينة تجري قناة Idsharu (رقم 9)، وتعني بالحرف الواحد «قناة وسط المدينة»، وتسمى حالياً شط النيل.

والظاهر ان صانع الخريطة أَولى الأسوار والأبواب أهمية خاصة، ما قد يدعو الى الاعتقاد بأن المرتسَم هذا انما أعد لغرض الدفاع عن المدينة ضد هجوم متوقع، وتوجد ثلاثة أبواب في السور الجنوبي الغربي: (رقم 10) «بوابة غير المطهرين»، و (رقم 11) «بوابة النبلاء»، و (رقم 12) «البوابة الكبيرة»، كما ان السور الجنوبي الغربي توجد فيه ثلاثة أبواب أخرى، هي (رقم 13) «بوابة نانا» (نانا هو إله القمر السومري)، و «بوابة أوروك» (رقم 14)، و «بوابة أور» (رقم 15). وهاتان البوابتان الأخيرتان حددتا، الى حد ما، اتجاه الخريطة، لأن أوروك وأور تقعان الى الجنوب الشرقي من نيبور.

وكما أشرنا سابقاً ان هذه الخريطة رسمت بدقة فائقة، فبعد دراسة وافية لها، توصل الدكتور ادموند غوردن، مساعد صاموئيل نوح كريمر، الى ان هذه الخريطة رسمت وفق نسبة قياسية صحيحة ودقيقة. وان المقياس المستعمل فيها هو مقياس الغار السومري، على رغم أنه لم يرد له ذكر على الخارطة. وكان الغار يساوي 12 ذراعاً، بما يعادل عشرين قدماً تقريباً. فإذا لاحظنا العرض المذكور لقناة وسط المدينة (رقم 9)، وهو أربع (ثلاث وحدات في الأعلى ووحدة واحدة في القعر)، أي نحو ثمانين قدماً، فإن هذا يعادل حالياً عرض شط النيل.

وبوسع القارئ أن يقرأ ويقيس الأبعاد بنفسه، اذا أخذ في الاعتبار أن الوتد العمودي يمكن أن يرمز الى العدد 60 أو 1، وان الوتد المرسوم على شكل زاوية يرمز الى العدد 10، لكن هناك قياسين جاءا غير دقيقين في هذه الخريطة، هي الزاوية اليمنى التحتية للمتنزه المركزي (رقم 5)، والجزء الثالث من السور الشمالي الغربي. وفي الحال الأخيرة ربما يعود الخلل الى سهو الكاتب في حذف وتد على شكل زاوية في البداية، فيكون الرقم 34ونصفاً بدلاً من 24 ونصفاً الذي يبدو على الخريطة.

هذا وتجدر الإشارة الى ان لوح هذه الخريطة عُثر عليه في نيبور في خريف 1899 ضمن حفريات جامعة بنسلفانيا. لقد عثر عليه في جرة من الطين النضيج مع عدد من الألواح المنقوشة يرقى تأريخها الى الفترة الواقعة بين 2300 – 600ق.م. وكما وصفها المنقبون، كانت هذه الجرة أشبه بمتحف صغير.

علي الشوك

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...