أمة من الغنم تقودها الذئاب
الجمل- بشار بشير: الرئاسة في أميركا مؤسسة بقدر ما تفرض شخصيتها على الرئيس الأميركي بقدر ما تتأثر بشخصيته . هذه المؤسسة استطاعت إستغلال ثروات وإمكانات واحدة من أغنى بقاع الأرض لتصنع منها دولة عظمى وواحدة من إمبراطوريات التاريخ,هل من الممكن متابعة كيف تكونت هذه المؤسسة وإلقاء نظرة داخلية عليها ..
بدأت هذه المؤسسة مع جورج واشنطن والذي للغرابة يُذكر حرفياً في تاريخه : "تقول الشائعات وبعض الكتب أنه خدم لفترتين رئاسيتين " أليس غريباً أن يُعتمد على الشائعات في معرفة عدد الدورات الرئاسية للرئيس الأميركي الذي حكم في نهاية القرن الثامن عشر! أرسى واشنطن الكثير من التقاليد الرئاسية وصبغ مؤسسة الرئاسة بالكثير من شخصيته التي سنتعرف عليها لنعرف أكثر عن المؤسسة التي أسسها.. هو في الأصل فلاح (مع إحترامي للفلاحين ) وملاك للعبيد ومؤمن ككل الرؤساء الأمريكان من بعده بسيادة الرجل الأبيض (الأصح أن نقول الرجل الغربي الأبيض ) وهو أيضاً ماسوني أكثر مما هو وطني؛ أرسى دعائم الماسونية في مؤسسة الرئاسة أكثر مما أرسى الدعائم الوطنية، وأنا هنا لا أدخل في نظرية سيطرة الماسونية على العالم ، فقط أقول أن مؤسسة الرئاسة الأميركية بدأت حياتها كمؤسسة في خدمة الماسونية أكثر مما هي في خدمة وطنها الذي كان غير واضح المعالم تماماً في ذلك الوقت .
ماسونية جورج واشنطن يؤكدها نصبه التذكاري الذي يدعى " النصب التذكاري الماسوني القومي لجورج واشنطن " وهوموجود في ألكسندريا فرجينيا، أما ماسونية مؤسسة الرئاسة فتؤكدها الشعارات التي أاختيرَت في ذلك الزمن لتُطبَع على عملة البلاد والتي لم تتغير حتى الآن ( أٌشير هنا إلى العلامات الماسونية العديدة الموجودة على ورقة النقد من فئة واحد دولار).
جورج واشنطن كان خصماً عنيداً للإنفصاليين (الذين يريدون إنفصال أميركا عن الإمبراطورية البريطانية) لكنه رغم مناهضته للإنفصاليين قاد حرب الإنفصال عن بريطانيا وانتصر بها وحقق الإنفصال لأميركا مما أوصله لسدة الرئاسة مرسياً عبر سياسته هذه أحد أهم الأسس في الرئاسة الأميركية : الكذب والنفاق .
ثلاثة وأربعين رئيساً للولايات المتحدة تتابعوا بعد واشنطن نعرف عنهم الكثير، لذلك أصبح من الممكن وضع شكل عام للرئاسة في أميركا. هذه المؤسسة يصل إلى قمتها الأكثر قدرة على التمثيل والكذب والنفاق، والأقل ثقافة والأقل قدرة على المحاكمة العقلية للأمور، ويفضل من تثقله فضيحة أو نقيصة أخلاقية وإن لم يكن لديه واحدة فهناك جهات نافذة ستعمل على خلق فضيحة وإلباسه إياها ليسهل قياده عبر إبتزازه بها.. ولكي لا نسوق التهم جزافاً سنستعرض بعضاً من التاريخ الشخصي للرؤساء الأميركيين بدءاً من أولهم جورج واشنطن المنافق سياسياً و اللا أخلاقي إنسانياً بدليل إنغماسه بتجارة العبيد واستغلالهم، وهو فوق ذلك قاتل، ليس بالمعنى السياسي والعسكري فكل الرؤساء الأمريكيين قتلة بهذا المعنى، لكن واشنطن قاتل بالمعنى الجنائي فقد قتل شخصياً السفير الفرنسي في أميركا ( وقت السلم) , وهناك رئيس أميركي آخر قاتل بالمعنى الجنائي هو أندرو جونسون الذي قتل خصماً له في مبارزة بالمسدسات على طريقة رعاة البقر .
إدمان الكحول هو أيضاً من الأمور الشائعة ين الرؤساء الأمريكين, وأسوأ الرؤساء إدماناً هم فرانكلين بيرس و أوليسيس غرانت وجورج بوش الأبن و أندرو جونسون الذي كان أمياً أيضاً لم يرتد أي مدرسة، وقد علمته زوجته القراءة . جون كوينسي آدامز متهتك أخلاقياً ، كان يسبح بشكل منتظم عارياً تماماً في نهر بتوماك الذي يمر عبر العاصمة الأمريكية. جيمس بوكنان (حكم من 1857 حتى 1861) هو الرئيس الوحيد الأعزب بين الأربعة وأربعين رئيساً ولعزوبيته سبب فقد كان شاذاً وهو أمر لم يكن مقبولاً في ذلك الزمن لكن الآن يحاول البعض في أميركا تتطويبه كأول رئيس أمريكي شاذ (ياللفخر) .
إذا دققنا في التاريخ فنادراً ما نجد إنجازاً كبيراً أو خارقاً لرئيس أميركي لعل تحرير العبيد على يد ابراهيم لينكولن هو أعظم إنجاز للمؤسسة الرئاسية الأميركية وأنا أميل لسلب فخرها به كإنجاز إنساني لأنه حصل على الأغلب لأسباب سياسية وإقتصادية متعلقة بالصراع بين شمال أميركا وجنوبها وهو كان خطة للضغط الإقتصادي على الجنوب أكثر مما كان نصرة لقضية العبيد الإنسانية .
قلة الإنجازات الرئاسية جعلت أي فعل يقوم به الرئيس الأميركي يُضخم ليصبح إنجازاً؛ فالإشراف على كتابة وثيقة مثلاً هي وثيقة الإستقلال أصبح إنجازاً ضخماً أدخل الرئيس توماس جيفرسون التاريخ، بالإضافة لإنجاز آخر يفخر الأميركان أن جيفرسون قد قام به وهو إختراع الكرسي الدوار ( ماشاء الله ). الإنجاز الذي لا ينقص الرئاسة الأميركية هو الكذب ( غريبة كمية الكذب الذي يسوقها الرؤساء الأميركان) من كذبة بوش الإبن عن أسلحة العراق للدمار الشامل إلى كلينتون الذي قال في شهادة علنية لم أمارس الجنس مع هذه الإمرأة ( هو نصف كاذب فقط هنا لأن سيكاره هو من فعل) إلى نيكسون الذي قال أقرؤا شفتي "أنا لا أكذب" واستقال بعدها بيومين لأنه كان يكذب.. يمكن العودة بسلالة محترفي الكذب هذه حتى مؤسسها الأول وسنحتاج لمجلدات لذكر كل أكاذيبهم .
شح الإنجازات الرئاسية هو ما أوصلنا لنظرية رئاسية في أميركا تقول أنه على كل رئيس أن يكون له حربه فهذه الطريقة الوحيدة ليُذكر بالتاريخ عبر شن حرب ثم تتكفل الدعاية بإقناع الناس بعظمة هذه الحرب وبأن أميركا ورئيسها قد انتصرا فيها ( حتى لو كانت هذه الحرب هي إحتلال جزيرة غرينادا التي تبلغ مساحتها 300 كم2 وعدد سكانها 95 ألف نسمة أي أنها ثلث دوما بالمساحة والسكان، ولا تملك جيشا ).
نعود لشخصيات وأخلاقيات الرؤساء فوارن هاردينغ مات أثناء رئاسته ولم يُعرف هل مات انتحاراً أم سممته زوجته بسبب غيرتها من علاقاته الغرامية المتعددة .. لحسن حظ الرؤساء الأميركان لم تصبح هذه عادة لدى السيدات الأوائل وإلا كان كل رؤساء أميركا قتلوا بجرائم لها علاقة بالغيرة أو بالشرف لأنه يندر أن لا يكون لرئيس أميركي فضيحة جنسية سواء جرى التغطية عليها لأنه مُنقاد للمؤسسة الرئاسية أو جرى تضخيمها لتكون وسيلة لإبتزازه لأنه لا ينقاد بسهولة للمؤسسة, ونذكر هنا علاقات جون كيندي المتعددة وأشهرها مع مارلين مونرو وفضيحة كلينتون الشهيرة مع مونيكا بالإضافة إلى أن ثلاثة من الرؤساء كان لهم أبناء غير شرعيين أحدهم هو نتيجة علاقة الرئيس بخادمته الزنجية أيام العبودية في أميركا .
مؤسسة الرئاسة الأمريكية مقاييسها متسامحة جداً فيما يتعلق بخلفيات الرؤساء الثقافية والعلمية، فأكثر الرؤساء أتوا من بيئات متواضعة مادياً وثقافياً ! فأندرو جونسون كان شبه أمي ( تصوروا) وقلائل من الرؤساء الأميركان هم جامعيين مرموقين ويمكنك أن تجد بينهم من كان بواباً وماسحاً للأحذية وغاسلا للصحون وفراشا وكوَّى ومناديا في السيرك ونادلا وجامع قمامة و ممثل درجة ثانية وعارض أزياء ومزارعا و ... أحمق (بإعتراف أبوه ). تواضع خلفيات الرؤساء الأميركان ربما سهل التطاول عليهم لذلك نجد أن أربعة رؤساء قد اغتيلوا وستة آخرين قد تعرضوا لمحاولة إغتيال علنية ( لا نعرف عن المحاولات غير العلنية ).
تتمسك مؤسسة الرئاسة الأمريكية بشيئين أولهما أن لايكون الرئيس إمرأة ( إخلاصاً من المؤسسة لجذورها الماسونية ) وثانيهما أن يكون الرئيس من المذهب البروتستانتي وهو ما جرى خرقه مرة ونصف فجون كيندي كاثوليكي وبيل كلنتون لم يصلوا لتحديد نهائي لمذهبه الديني هل هو بروتستاتي أم كاثوليكي ( أعلن هو مرة أنه يؤمن بكنيسة تعترف بحقوق الشواذ من الجنسين ) موضوع المذهب الديني هو أحد المؤرقات الكبيرة لمؤسسة الرئاسة فالبروتستانت يتضائلون في أميركا مقابل الكاثوليك (الهسبانيول والأوروبيون) ومقابل الديانات الأخرى ( اليهود والبوذيون والمسلمون ) .
الرئيس الأميركي ومؤسسة الرئاسة يقبعون على قمة هرم إمبراطورية هي الأسوأ في تاريخ الإمبراطوريات البشرية , مثال صغير على سوئها : كل الإمبراطوريات على وحشيتها واستغلالها ومساوئها تركت أثاراً عظيمة في كل بلد ومنطقة تواجدت بها إلا الإمبراطورية الأميركية فهي تترك الدمار . أشكر هنا المؤرخ الذي قال : أميركا حالة خاصة بين الأمبراطوريات فهي قفزت من مرحلة النشوء إلى مرحلة الأفول دون أن تمر بما بينهما من مراحل , هنا يمكننا أن نضيف أن أميركا هي أقصر الإمبراطوريات المعروفة عمراً و سبب ذلك هو المؤسسة الرئاسية التي تديرها و التي عرضتُ هنا نذراً من أخلاقياتها ولابأس أن نتذكر أن أعظم إمبراطورية في التاريخ أي الرومانية قد بدأ أفولها مع إنتشار التهتك الأخلاقي ( من بين أسباب أخرى طبعاً ) بين قادتها وقياصرتها في عاصمتها روما . وأنا أكتب هذه المقالة تابعت مقابلة على التلفزيون الأميركي بين مذيع مشهور و حاكم سابق لولاية أميركية ومرشح سابق للرئاسة وقد قال جملة لفتتني جداً قال: في أميركا عندما نكذب على الحكومة نذهب للسجن وعندما تكذب علينا الحكومة نذهب ... للحرب . لا أعرف أيهم أكثر كذبا أميركا أم حروبها .
الجمل
إضافة تعليق جديد