أنا أنت وهو أنا
مازلت مشغولاً بفكرة وحدة الوجود في الزمان والمكان، إذ كل الأشياء المنفصلة متصلة، وكذلك مصيرها معلق بعضها ببعضها كما الماء في الأواني المستطرقة.. فمن يتخيل أن رعشة رجل يتحد بامرأة قد تنتج من يهدي البشر أو يهلكهم.. كما في حكاية إبراهيم أبي الأنبياء الذي تناسلت منه (الرسالات السماوية الخالدة)، حيث أخرج للناس أنبياء تهديهم وأبالسة تستثمر رسالاتهم لتهلكهم .. فخطأ الوجود السماوي في الزمان الأرضي ابتدأ مع العبرانيين الذين استمرت طموحاتهم في السيطرة على العالم خلال ثلاثة آلاف عام بوهم أن الرب قد أورثهم الأرض وفضلهم على العالمين.. ثم جاء التصحيح المسيحي لليهوديه قبل ألفي عام واستمر وهم الإنتخاب الإلهي والأفضلية الدينية بين مسيحيي روما الذين غزو العالم برسالتهم السماوية هاذه .. ثم نزلت الرسالة المحمدية على المسلمين ضمن صيغة "وكنتم خير أمة أخرجت للناس" حيث قامت بتصحيح التصحيح لتفتح العالم بالسيف والكتاب: أسلم تسلم..غير أن البيئة الأرضية لم تكن صالحة دائما للبذار السماوية بدليل كل هاذي الخلافات والنزاعات والحروب الأرضية حول التعاليم السماوية التي قد تكون صالحة بين الكائنات الفضائية أكثر لأن الزمن الأرضي يبلي الأشياء وينقض الأفكار بتجدده الدائم.. لهاذا نقدم تصحيح المتصوفين على تصحيحات الأديان من أن رب الأرض موجود فيها وطاقته تكمن في عبقرية ترابها وجاذبية أرضها وثرواتها وكائناتها ومياهها ونباتاتها، مجتمعة في العقل الكلي متفرقة في الذرات.. فالحق والخلق صنوان والله والعالم وجهان لحقيقة واحدة .. وهاذا مجرد افتراض ضمن عملية الشك بالسماوي الذي يأخذنا منطقيا نحو اليقين الأرضي..افتراض يتبعه دعوة للعودة من المجهول السماوي الذي استعمرنا دهرا إلى المكون الأرضي الذي فيه تسبحون .. الله موجود في الطبيعة كقدرة فعالة لاتُدرك، والقوانين الفيزيائية التي ندركها والتي لم ندركها بعد تنضوي ضمن هاذي القدرة الخفية والمنظورة التي تسمى الحياة؛ ومعرفة الطبيعة هي جزء من المعرفة الإلهية التي هي جنة الإنسان والجهل جحيمه..
فالجهل هو الشر المطلق ومنبع الخطيئة: فمن يتخيل مثلا أن خطأ حصل تحت سقيفة بني ساعدة غبّ وفاة النبي سيجر على أمته صراعاً مستمراً إلى اليوم.. ترى لو لم تستبد قريش بالأوس والخزرج ضمن صيغة (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) بتفويض من المجهول السماوي، فهل كان سيتغير مجرى تاريخ (الرسالة الخالدة) ؟ كل جهل يودي إلى خطأ يجر خلفه سلسلة من المظالم في الزمان والمكان ككرة الثلج المتدحرجة، ليضيف كتلة أخرى إلى تاريخ الخطأ والمظالم.. هاذا ولم يجد المصلحون وسيلة لتصحيح الخطأ خارج فضيلة الندم والتوبة، في الحج أوالاعتراف أو الكفارة، كيما يعطوا للخاطئ فرصة أخرى في تصحيح خطيئته لتستمر مفاعيله الخيّرة من بعده وتصيب غيره، بينما أوجدت القوانين العلمانية أسلوب العقاب المادي والسجن كيما يجد الخاطئ وقتاً للتفكير في إعادة تصحيح حياته والإغتسال من أدرانه ليحصل على شعور النظافة والنقاء وبالتالي لتكسب الحياة طاقة إلهية جديدة تكنس جزءاً من الشر الذي تخلفه شهوات البشر.. فالندم والإعتراف يشبه عملية شحن الموبايل الذي يعيده إلى نظام الشبكة من جديد ..
ووقوفنا ضد أي ظلم يجري في أي مكان في العالم هو دفاع عن حياتنا قبلما تصل ناره إلينا، وهو دفاع عن طهارة الأرض التي تحملنا دوناً عن بقية الكواكب التي تلفظ وجودنا.. والحرب على الظلم لا يمكن إدراجها في دفاتر المعارضة التي تترصد الحصول على السلطة ومن بعدها تعيد ظلم من يعارضها ضمن ثنائية صراع لا ينتهي.. وضمن هاذا السياق مازال معارضون للدولة مستغربين من وقوفي مع نظامها رغم تاريخي الطويل في عدائها فأكرر قولي لهم: قضيتي في الأساس ضد الظلم، وحيث كانت الدولة تظلم بعض الناس وقفت ضد ظلمها، وحين راح بعض الناس يظلمون الدولة ومؤسساتها وموظفيها وقفت معها.. وإن عادت عدنا.. فوحدة الوجود هي الفكرة الأساسية للتصوف الذي تبنته نُخب أتباع الديانات الثلاث، غير أن عوام الشعوب الشرقية مازالت تفتت هاذي الوحدة في أفعالها دون أقوالها، حتى بات إنتاج الشر جماعياً أكثر مما هو فردياً.. فقد أنتج اليهود دولة إسرائيل التي كانت العلة الأولى لكل هاذي الشرور التي تؤذي جيرانها في الأرض، حيث استدعى وجودها نهوض عسكر الأمة وانقلاباتهم على حكوماتهم وإنتاج كل هاذا الاستبداد (في سبيل التحرير) وقد تسبب استبدادهم بإنتاج كل هاذا السخط الذي استغلته إسرائيل وأعادته إلى مرمانا، فألَّبت الإسلاميين على العسكر وساعدتهم ضد أنظمة الجمهوريات العربية التي أخذت منها موقفاً مناهضاً، بينما استعان الإسلاميون بالإمبرياليين بذريعة أن (الحرب خدعة) أي أنهم يتقبلون دعم إسرائيل اليوم ليتخلصوا من عسكرهم ثم يتفرغون لحربها في الغد، وإسرائيل عالمة بأن ذلك سيدفع الغرب الإمبريالي للوقوف إلى جانبها، وبالتالي ستتمكن من إنتاج أكبر شرّ معاصر.. إذن فإسرائيل علة العلل ولا سبيل لتنظيف أرضنا من الشرور قبل علاج شرها المستطير، بدءا بدحض الأفكار والشرائع التلمودية، التي تسللت وتغلغلت إلى مابعدها من الديانات الإبراهيمية، وانتهاء بإعادة عرش الرب إلى الأرض كما في سالف أيام السوريين الأوائل..
هامش: وقد أدرك علماء أمريكا الخبثاء ديناميكية الخطأ في التاريخ الديني، فأطلقوا خطة الفوضى المنظمة في البلاد المسلمة، حيث تسللو إلى (مجلد) تاريخ الخطأ المشرقي وتلاعبوا ببياناته ليوقظوا شروره النائمة في ذاكرتنا الجمعية، فاستكملنا حروب الماضي في الحاضر وأشعلنا النار في سراويلنا قبل أن نصرخ طالبين ماء العدالة من الصحراء العربية الكبرى التي أنتجت ربيعاً وهمياً كعزيف الجن على محطات آل سعود الذين شكلو أكبر أخطاء التاريخ العربي الإسلامي التي تضاهي الخطأ الصهيوني الذي رعاه الغرب وغذاه .. غير أن ما لا يدركه تلامذة «هنتغتون» الأشرار هو أن الكون واحد في حركته وأن ارتدادات موج البحر المتوسط ستصل إلى شواطئهم آجلاً أم عاجلاً، فالأرض جسد واحد ونحن ماءها وترابها: "إذا كنت من ترابٍ، فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي".
سيرة: النعيم هو أن تُحبّ وتَنحبّ، والجحيم عكس ذالك.. وعلى هاذه السيرة فإن الكلاب المنزلية أقرب إلى النعيم من بعض البشر..
نبيل صالح
التعليقات
بعد الشكر والتأييد لما كتبته
أنت وأنا تركنا الزمان ها هنا ...أنا لست أنت ...وأنا لست أنا ....
تعقيب
سد المنافذ
إضافة تعليق جديد