أوباما: لحظة مونيكا
الجمل- -م. ك. بادراكومار- ترجمة: د. مالك سلمان:
ربما تكون الولايات المتحدة قد وجهت أكبر صفعة للكريملين بعد الحرب الباردة من خلال إعلان البيت الأبيض يوم الثلاثاء أنه سيزود المتمردين السوريين بالأسلحة.
جاء في إعلان واشنطن:
"بعد مناقشات مطولة, قررت الأجهزة الأمنية [الأمريكية] أن نظام الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية ... ونتيجة الدلائل المقنعة على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري, أمر الرئيس بتقديم مساعدات غير فتاكة للمعارضة المدنية, كما أمر بتوسيع مساعداتنا إلى ‘المجلس العسكري الأعلى’ ...
لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عدد من الردود القانونية والمالية والدبلوماسية والعسكرية. ونحن جاهزون لكل الاحتمالات, وسوف نتخذ القرارات اللازمة حسب برنامجنا الزمني. وأي عمل آخر نقوم به سيتناغم مع مصالحنا القومية, ويجب أن يعزز أهدافَنا."
البيت الروسي بحاجة إلى ترميم
من المقرر أن يلتقي الرئيس أوباما الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة "مجموعة الثمانية" المقرر انعقادها في إيرلندة الشمالية الاثنين القادم. من المفترض أن يكون اللقاء الأول للرئيسين بعد إعادة انتخابهما لمنصب الرئاسة.
كنوع من الاحترام لبوتين على المستويين الشخصي والعام, كان على أوباما أن يؤجلَ هذا الإعلان إلى ما بعد اللقاء مع بوتين. وكان من المفروض أن يحتلَ الموضوع السوري الأولوية على أجندة اللقاء, فقد كان بوتين وأوباما على اتصال دائم حول سوريا.
إن "جنيف 2", المؤتمر المقرر حول سوريا, هو مبادرة روسية – أمريكية مشتركة. فمن خلال تأجيل الإعلان إلى الأسبوع القادم, كان بمقدور الولايات المتحدة ألا "تخسرَ" سوريا. ومن الواضح تماماً أن أوباما أجرى حسابات دقيقة تفيد بإمكانية التخلص من صداقة بوتين. ففي نهاية المطاف, يبدو الخلاف حول أنظمة الدفاع الصاروخية عقبة كبيرة في العلاقات الروسية- الأمريكية وليس هناك حل لهذه المشكلة في الأفق المنظور.
قام مسؤول رفيع في وزارة الخارجية, فرانك روز,مساعد نائب وزير الخارجية في "مكتب ضبط الأسلحة", بشرح المغزى الحقيقي يوم الأربعاء بالإشارة إلى أنه ليس لدى أوباما أي شيء يقدمه لبوتين حول الدفاع الصاروخي. قال روز:
"لا يمكن للولايات المتحدة والناتو أن يوافقا على الاقتراحات الروسية حول بُنى الدفاع الصاروخي ‘القطاعية’ أو "المشتركة". ... حيث تستمر روسيا بالمطالبة بضمانات قانونية من شأنها أن تفرضَ قيوداً على قدرتنا لتطوير ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي في المستقبل. ... وقد أوضحنا أنه لا يمكننا أن نقبلَ, ولن نقبلَ, بمثل هذه القيود على قدرتنا في الدفاع عن أنفسنا, وعن حلفائنا, وشركائنا, بما في ذلك المناطق التي ننشر فيها سفننا الحربية القادرة على حمل دفاعاتنا الصاروخية البالستية. ... يجب أن تتمتعَ الولايات المتحدة بالمرونة, دون أي قيود قانونية, للرد على أية تهديدات صاروخية محتملة."
ومن جهة أخرى, وصلت معنويات المعارضة السورية إلى الحضيض بعد الهزيمة العسكرية الساحقة في القصير. وتحضر القوات الحكومية الآن ﻠ "تحرير" حلب. فإذا عنى سقوط القصير أن تدفق الأسلحة من لبنان سوف يتوقف, من شأن الهزيمة في حلب أن تعرقلَ خطوط إمداد المعارضة من تركيا.
في هذه الأثناء, فقد "جنيف2" أهميته كمنطلق لمحادثات السلام. فالمعارضة السورية مقسمة ومتشظية إلى درجة لم تستطع معها تسمية وفد موحد. كما أن حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين – تركيا والسعودية وقطر – قد جنَ جنونُهم لتخلي الولايات المتحدة عن مشروع تغيير النظام. وفي واشنطن, يتهافت الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام و "المدرعات البحثية", الواقعون تحت هيمنة اللوبي الإسرائيلي, على الدفع باتجاه القيام ﺑ "عمل" ما ضد سوريا.
العنب المر, ونبيذ كاليفورنيا
الأهم من هذا كله هو أن قرار البيت الأبيض يمكن أن يكون نتيجة لفكرة مفاجئة عصفت في رأس أوباما وهو عائد إلى واشنطن على متن الطائرة الرئاسية (إيرفورس وَن) من اجتماع القمة في كاليفورنيا مع الرئيس الصيني جي جينبينغ, والذي خرج منه ذليلاً في خضم التسريبات المدمرة على يد العميل السابق في "سي آي إيه", "صفارة الإنذار" إدوارد سنودن.
باختصار, إن القرار الخطير الذي اتخذه أوباما حول التدخل العسكري في سوريا, والذي من شأنه أن يطلق حرباً باردة جديدة, هو خطوة يائسة لتشتيت الانتباه عن تورط إدارته في هذا المستنقع الذي خلقته تسريبات سنودن.
إن كامل الصرح الأخلاقي الذي بنى أوباما رئاسته عليه والقيمَ التي بثها في شعاره "الجرأة على الأمل" عندما بدأ مسيرته الطويلة إلى البيت الأبيض منذ 5 سنوات – الشفافية, والمحاسبة, والشرعية, والقرارات الجماعية, والإجماع – يقف عارياً اليوم بصفته كومة من الأكاذيب.
حقيقة الأمر هي أن أوباما يجلس على قرن المعضلة التي وجد بيل كلينتون نفسه غارقاً فيها عندما قام, في محاولة يائسة لحرف انتباه العالم عن غريزته الجنسية المتدفقة, بإطلاق صواريخ كروز على قندهار في آب/أغسطس 1998.
فأوباما أيضاً بحاجة إلى عملية إلهاء لأن هذه هي البداية وقد بدأت وسائل الإعلام التابعة للحكومة الصينية بالتعليق على قضية سنودن. ففي تقرير بعنوان "برنامج المراقبة اختبار للروابط الصينية- الأمريكية", كسرت صحيفة "تشاينا ديلي" صمتها يوم الثلاثاء وأحرجت إدارة أوباما باقتراحها أن الأمن الألكتروني يمكن أن يشكل "عالم التعاون الجديد" بين بكين وواشنطن. كما اقترحت "تشاينا ديلي" أن الطريقة التي تتم بها معالجة القضية يمكن أن تشكلَ تهديداً للنوايا الحسنة المتشكلة حديثاً بين بكين وواشنطن, بما أن سنودن متواجد في الأراضي الصينية (هونغ كونغ) وبما أن العلاقات الصينية- الأمريكية متوترة على الدوام بخصوص الأمن الإلكتروني.
من المثير للانتباه أن التقرير أشار إلى أن سنودن "باقٍ في هونغ كونغ هرباً من ملاحقة واشنطن له", وتابع قائلاً إن موسكو قدمت اللجوءَ السياسي لرجل الاستخبارات الفار. وختم التقرير باقتباس باحث صيني شهير:
"إن المعالجة الناجحة لهذه القضية ستكون بمثابة سابقة مؤثرة بين البلدين, مع غياب القوانين والأنظمة الدولية في مجالات أمن الإنترنت الكوني."
كما قامت "غلوبل تايمز" يوم الجمعة بتوجيه ضربة قوية من خلال مقالة تحريرية بعنوان "من حق الصين أن تحصل على تفسير" من إدارة أوباما:
"إن تسريبات سنودن حول الهجمات الإلكترونية الأمريكية على هونغ كونغ والشبكات الأخرى في البلاد مرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الصينية القومية. وعلى الحكومة الصينية أن تحصلَ على معلومات دقيقة من سنودن إن كان يمتلكها وتستخدمها كدليل للتفاوض مع الولايات المتحدة. ... إن الرأي العام سينقلب ضد الحكومة الصينية المركزية وحكومة هونغ كونغ في حال قررتا تسليمه إلى الولايات المتحدة. ... سنودن ‘ورقة’ لم تكن بكين تحلم بها."
تغيير دينامية القوة
نشرت "تشاينا ديلي" و "بيبلز ديلي" تقريراً آخرَ اليوم يقول إن الولايات المتحدة "مدينة للصين بتفسير حول نشاطاتها التهكيرية وعليها أن تظهرَ صدقاً أكبر في المستقبل عند التعاطي مع التعاون الأمني الإلكتروني." ويفترض التقرير أن "واشنطن في موقف محرج الآن بخصوص النزاع حول الأمن الإلكتروني مع الصين."
إن الملاحظات الساخرة تبين أن لبكين اليد العليا – وبكين تعرف أن واشنطن تعرف أن لها اليد العليا – بغض النظر عن تداعيات قصة سنودن في الأشهر (أو السنوات) القادمة.
كان للتكتيك الإلهائي الذي اتبعه كلينتون في آب/أغسطس عواقب كارثية, حيث ولدَ سلسلة من الأحداث قادت إلى هجمات 9/11 والتدخل الأمريكي في أفغانستان (ومن باب المفارقة أن أوباما يناضل جاهداً لإنهائه).
والآن, إن سلسلة الأحداث التي سيولدها قرار أوباما المصيري والقاتل في 13 حزيران/يونيو 2013, المتمثل في الإصرار على تغيير النظام في سوريا, والتي ستترك أثرَها على سياسة وتاريخ الشرق الأوسط – وعلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة نفسها – لا تزال قابعة في رَحِم الزمن.
كان وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رمسفيلد سيقول, إن هناك "المجهول المجهول". ففي الدرجة الأولى, كيف ستكون ردة فعل بوتين؟ فهو يترنح سلفاً تحت ضغط الإدارة الأمريكية التي تدفع باتجاه تغيير النظام في روسيا. فقد قال يوم الأربعاء:
"إن جهازنا الدبلوماسي [الروسي] لا يتعاون مع حركة ‘احتلوا وول ستريت’, لكن جهازكم الدبلوماسي [الأمريكي] يتدخل ويدعم بشكل مباشر المعارضة [الروسية]. وأعتقد أن هذا تصرف خاطىء لأن الأجهزة الدبلوماسية مصممة لبناء العلاقات بين الدول وليس للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية."
من المؤكد أن فكرة التخلي عن سوريا في هذه المرحلة سوف تدغدغ موسكو. ولكن ما هي الخيارات؟ هذا ما ستناقشه أفضل عقول الكريملين.
في الشرق الأوسط نفسه, يؤثر قرار البيت الأبيض على دينامية القوة بشكل درامي. فهناك خلاف بين رسب تايب إيردوغان وإدارة أوباما حول ميوله الاستبدادية. لكن البيت الأبيض يقذف بتركيا بصفتها "دولة مواجهة". ومن ناحية أخرى, تتعالى الأصوات في تركيا ضد التدخل في سوريا.
السعودية, وقطر, والإمارات العربية المتحدة, والأردن, وحزب الله, والعراق, ولبنان – كلها متورطة في المسألة السورية بطريقة أو بأخرى. ولذلك فإن توجيه كافة هذه القوى والأطراف نحو نتيجة نهائية مقبولة سيكون ضرباً من المستحيل. هذا إذا افترضنا أن سوريا ستبقى كياناً على خارطة الشرق الأوسط.
http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-01-140613.html
تُرجم عن ("إيشا تايمز", 14 حزيران/يونيو 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد