أوروبا تهدّد إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية
يسود قلق في الأوساط الإسرائيلية من التوصيات التي قد يخرج بها اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، اليوم، بسبب ما تضمنته مسودة البيان الختامي لهذا الاجتماع من تهديد أوروبي بتأييد إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال عام، في ما بدا ردا أوليا على إخفاق الإدارة الأميركية في رعاية المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو ما كرسته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي اكتفت بدعوة الطرفين للعودة إلى طاولة التفاوض، من دون أن تقدّم أي بديل عن عجزها أمام التعنت الإسرائيلي المتمثل في رفض أي تجميد جديد للبناء الاستيطاني.
وكشفت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن صدمة في أوساط الحكومة الإسرائيلية من تهديد أوروبي بتأييد إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال عام. وأشار المراسل السياسي للقناة إلى أن هذا التطور ينظر إليه في إسرائيل على أنه نوع من «أثر الدومينو» بعد اعتراف دول أميركية لاتينية بالدولة الفلسطينية في حدود العام 1967. وترى بعض الأوساط الإسرائيلية في التهديد الأوروبي نوعا من «العصا الأميركية» في أعقاب فشل الجهد الأميركي في تحريك العملية السياسية عبر بوابة تجميد الاستيطان وأن الأوروبيين هنا يعملون بدفع من إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما.
وأشارت القناة إلى أن هذا التهديد يكمن في مسودة قرار سيعرض اليوم أمام مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ويتعلق بالقضية الفلسطينية. وما شكل الصدمة لإسرائيل هو أن المبادرة الى مشروع القرار هذا جاءت من ألمانيا التي تعتبر الصديق الأقرب لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي. وتشير المسودة إلى استعداد الاتحاد الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطينية من طرف واحد إذا لم يتحقق الاتفاق حول ذلك خلال عام. وستعرض الوثيقة اليوم على الاجتماع الوزاري للتصويت عليها.
وتقول الوثيقة أنه إذا لم يتم التوصل خلال عام إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين فإن الاتحاد سيؤيد الموقف الفلسطيني بإعلان الدولة من طرف واحد عبر تأييد «حل من خارج المفاوضات». واقتبست القناة عن الوثيقة التي قالت أنها وصلت ليدها إشارة إلى تقارير البنك الدولي التي تشهد بأن السلطة الفلسطينية ستكون قريبا ناضجة لإعلان الدولة المستقلة. وتتحدث الوثيقة أيضا عن أن الإجراءات التي انتهجتها إسرائيل مؤخرا في غزة لتسهيل حياة الناس ليست كافية. وتربط الوثيقة التي سيتقرر مصيرها اليوم بين تطوير العلاقات الأوروبية الإسرائيلية وقيام الدولة الفلسطينية.
وتشكل هذه الوثيقة مصدر قلق شديد للقيادة الإسرائيلية التي ظنت أن عدم مجاراة الأميركيين يكسبها هدوءا على الجبهة الدولية. وكانت مؤشرات هذا التطور قد لاحت في الوثيقة التي وقعت عليها 26 شخصية أوروبية مهمة دعت الاتحاد إلى ممارسة الضغط على إسرائيل من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
كلينتون
وكانت كلينتون اعتبرت في خطاب ألقته أمام عدد من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في معهد «سابان» للدراسات في واشنطن أمس الأول، إن الإدارة الأميركية «ستدفع الطرفين إلى تقديم مواقفهم من القضايا الأساسية بلا تأخير وبالتفصيل». وتعهدت الوزيرة الأميركية بان «الولايات المتحدة لن تكون شريكا متفرجا... بل ستعمل على الحد من الخلافات عبر طرح الأسئلة الصعبة وانتظار الأجوبة الحقيقية وطرح أفكارنا عندما يلزم الأمر ذلك». وحثت كلينتون الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على التوصل إلى تسويات، واتخاذ «قرارات صعبة»، حتى في ما يخص قضية القدس التي وصفتها بأنها «المسألة الأكثر حساسية بين كل المسائل الأخرى». وتابعت «منذ سنتين تسمعوني اكرر مرارا وتكرارا ان المفاوضات بين الطرفين هي الطريق الوحيد لتحقيق تطلعاتهما... وهذا لا يزال صحيحا»، مجددة التأكيد على أنّ «الطرفين وحدهما قادران على إنجاح السلام»، وأن عليهما الامتناع عن «نسف الجهود».
وفي ردّ على خطاب الوزيرة الأميركية، قال أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه إنه «لم يجد (في الخطاب) شيئا جديدا يجعل القيادة الفلسطينية ترى منهجا جديدا أكثر جدية»، مضيفاً أن «هناك الكثير من نقاط الضعف في ما قالته كلينتون بما سيسمح لإسرائيل بتقويض كل شيء»، فيما اعتبر عضو فريق التفاوض الفلسطيني نبيل شعث إن خطاب كلينتون يمثل «إقراراً واعترافاً بفشل الجهود التي بذلتها الإدارة الأميركية لإغراء نتنياهو للالتزام بقواعد عملية السلام».
وعلى الجانب الإسرائيلي، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك أن كلينتون تحدثت عن أمور «بديهية»، لافتاً إلى أن الوزيرة الأميركية أوضحت ان الولايات المتحدة لا تستطيع فرض حل، وأن السلام يعتمد على رغبة الطرفين في تحقيقه، فيما قال وزير البيئة الإسرائيلي جلعاد أردان، وهو أحد أبرز المقربين إلى نتنياهو، إن حكومته غير مستعدة لبحث مواضيع جوهرية في النزاع مع الفلسطينيين تحت ضغوط المهل الزمنية، معتبراً أنه «ليس من المنطقي، ولا هو في مصلحة إسرائيل التفاوض مع ساعة توقيت في اليد».
وفي مؤشر إلى الانقسام الحاد في صفوف الحكومة الإسرائيلية بشأن موضوع رئيسي، وهو مستقبل القدس، انتقد أردان موقف باراك الذي تحدث في واشنطن عن فكرة تقسيم القدس في اطار تسوية سلمية، معتبراً ان وزير الدفاع الإسرائيلي «لا يمثل لا الحكومة ولا رئيس الوزراء».
بدوره، نأى نتنياهو بنفسه عن تصريحات باراك. وقال مصدر في مكتب نتنياهو إن الأخير أكد لوزراء حزب الليكود أن «وزير الدفاع عرض خطته كرئيس لحزب العمل، وهذه الأشياء لا تعكس رأي الحكومة».
وكان باراك اعتبر أنّ أي اتفاق سلام «سيترك القدس الغربية وضواحيها اليهودية لنا والأحياء العربية المزدحمة لهم (الفلسطينيين)»، وسيتضمن «حلا متفقا عليه في الحوض المقدس».
في المقابل هدد وزير التجارة والصناعة العمالي بنيامين بن اليعزر بانسحاب حزبه من الحكومة في حال «جمود مفاوضات السلام»، قائلاً إنه «لن يكون لنا مكان في أي حكومة ان لم يكن هناك عملية سلام». وأعرب عن اعتقاده بأن «الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة من ناحية الاختيار بين سلوك طريق الحوار حول القضايا الجوهرية أو مواصلة ما وصفه بانتهاج أسلوب المماطلة الذي سيجلب في نهاية المطاف فرض الحلول على دولة إسرائيل وعزلها على الساحة الدولية».
يأتي ذلك، في وقت توجه المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل إلى المنطقة حيث من المتوقع أن يقوم ابتداءً من اليوم بجولة مكوكية بين رام الله والقدس المحتلة في محاولة للتوصل إلى تســـوية تسمح بالعودة الى المفاوضات غير المباشرة.
وفي موازاة ذلك، أعلن الأمين العام المساعد للجامعة العربية احمد بن حلي ان موعد الاجتماع الوزاري العربي المقرر يوم الخميس المقبل بطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبحث مفاوضات السلام مع إسرائيل سيقرب إلى يوم الأربعاء، وذلك «بناء على مشاورات جرت بين الدول العربية».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد