إحياء خط دمشق نيودلهي وتأثيراته الإيجابية على الاقتصاد الهندي
الجمل: تمثل الهند حالياً دولة آسيوية ذات قيمة جيو-سياسية عالية بكل الحسابات والمعايير الاستراتيجية وخلال الفترة السابقة أصبحت الهند ساحة للحرب الباردة الأمريكية – الصينية، بحيث ظلت الصين تحاول صياغة معادلة أمن إقليمي آسيوي يهدف إلى إبعاد شبح الخطر الأمريكي وفي الوقت نفسه ظلت أمريكا تحاول بناء التحالف والشراكة مع الهند من أجل استخدامها في عملية اصطفاف الصين.
* الهند: المحددات الإقليمية والدولية:
تشير معطيات النظام الدولي المعاصر إلى أن الهند تقع ضمن بيئة إقليمية تتضمن:
• شبه القارة الهندية وتضمن أفغانستان وباكستان ونيبال وسيرلانكا وبنغلاديش وبوتان، إضافةً إلى جمهورية الهند التي تمثل قلب المنطقة الحيوي.
• منطقة جنوب شرق آسيا وتضم إندونيسيا وكمبوديا وفيتنام وماليزيا والفلبين وهونغ كونغ ولاوس وغيرها.
• منطقة الشرق الأوسط وتضم البلدان العربية بما في ذلك منطقة شرق المتوسط والخليج العربي وإيران.
• منطقة شرق آسيا وتضم الصين وتايوان وكوريا الجنوبية والشمالية إضافة إلى اليابان.
• منطقة آسيا الوسطى وتضم أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وكيرغيزستان وكازخستان.
تتميز هذه المناطق بالسخونة الشديدة وذلك بسبب الصراع الدولي وعلى وجه الخصوص محاولات الإدارة الأمريكية المستمرة من أجل التقدم في هذه المناطق ووضعها في دائرة الهيمنة والنفوذ الأمريكي.
* توازن القوى في شبه القارة الهندية: تأثير العامل الأمريكي – الإسرائيلي:
يعتمد توازن القوى في شبه القارة الهندية على الموازنة بين الهند وباكستان وفقاً لاعتبارات أن باكستان تواجه الخطر الهندي والهند تواجه الخطر الباكستاني، وهي الصيغة التي أدت إلى تحالف الهند مع الاتحاد السوفيتي، وباكستان مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة. ولاحقاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حاولت أمريكا الإمساك بطرفي المعادلة عن طريق معادلة نفوذ تقوم على ردع الطرفين من مغبة الصراع والحرب ودعم الطرفين وإغرائهما بغض النظر عن برامجهما النووية، وكل ذلك مقابل دعم أمريكا في الحرب ضد الإرهاب وفي حربها الباردة ضد روسيا والصين وفي بناء الروابط مع إسرائيل.
وتقول المعلومات الاستخبارية الحالية أن الهند وباكستان اللتان خاضتا واحدة من أكبر عمليات سباق التسلح في شبه القارة الهندية، تخوضان حالياً واحدة من أكبر عمليات سباق تقديم التنازلات لواشنطن وفي بناء الروابط مع إسرائيل.
* إحياء خط دمشق – نيودلهي: هل تكون ضربة البداية لاختلال ميزان القوى:
تعود العلاقات السورية – الهندية إلى أزمنة التاريخ الغابرة، بحيث كانت كل الطرق البرية التي تبدأ من الهند تنتهي عند دمشق والعكس بالعكس.
على أساس الاعتبارات البنائية والقدرات المادية فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع ممارسة التأثير القوي والنفوذ الشديد على الهند وباكستان، ولكن على أساس الاعتبارات القيمية والتفاعلية فإن الولايات المتحدة لن تستطيع الاحتفاظ بفرض نفوذها على الهند وباكستان لعدة أسباب أبرزها:
• الرأي العام المعادي لأمريكا.
• التوجهات الأمريكية الهادفة إلى توريط الهند وباكستان في خدمة المشروع الأمريكي.
• الدور الأمريكي في أفغانستان وتأثيراته السالبة على موقف حلفاء أمريكا الباكستانيين.
• الدعم الأمريكي لباكستان وتأثيراته السلبية على حلفاء أمريكا الهنود.
أبرز ما يمكن أن يتميز به خط دمشق – نيودلهي هو عامل "القوة الناعمة" الذي يمكن أن تفوق تأثيراته عامل "القوة الخشنة" الأمريكية وذلك لأن الهند تحتاج إلى:
• انفتاح الأسواق الإقليمية أمام السلع والخدمات الهندية مع ملاحظة أن السلع والخدمات الهندية لا تستطيع المنافسة في السوق الأمريكية أو الأوروبية الغربية.
• انفتاح الأسواق الإقليمية أمام تدفقات العمالة الهندية، مع ملاحظة أن الهند تعاني من الاكتظاظ السكاني، والبطالة المرتفعة، ولن تقبل لا أمريكا ولا الدول الأوروبية بفتح أسواقها أمام العمالة الهندية المهاجرة.
• الحفاظ على توازن القوى الهندي الداخلي، والذي لا يمكن أن يتم إلا باستقرار العلاقات بين الهندوس (750 مليون نسمة) والمسلمين (250 مليون نسمة).
• الحصول على تدفقات إمدادات الطاقة النفطية وهو أمر لن يتوفر للهند إلا بالاعتماد على النفط العربي والإيراني.
* ما هو مطلوب: إبعاد واشنطن عن نيودلهي، أم إبعاد نيودلهي عن واشنطن؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وجدت الهند نفسها مكشوفة إزاء مواجهة باكستان المدعومة أمريكياً، وأدركت واشنطن مدى تخوف الهند من الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه سقوط الاتحاد السوفيتي في منطقة شبه القارة الهندية، وبالفعل، تقدمت واشنطن عسكرياً لفرض النفوذ على أفغانستان ودبلوماسياً لمحاولة فرض النفوذ على الهند.استند أسلوب التغلغل الأمريكي في الهند على استخدام استراتيجية تمثل العصا والجزرة بحيث يكون أمام الهند خياران لا ثالث لهما:
• القبول بالتعاون مع أمريكا مقابل الحصول على المعونات وضبط ميزان الردع الهندي - الباكستاني، وعدم السماح للصين وعدم التعرض للعقوبات الدولية بسبب انتهاك نيودلهي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
• رفض التعاون مع أمريكا ومن ثم مواجهة مخاطر الدعم الأمريكي لباكستان وإشعال الفتن الدينية بين المسلمين والهندوس خاصةً أن الحركات الإسلامية الهندية المتطرفة تتمركز بشكل رئيسي في باكستان وبنغلاديش إضافةً إلى الحرمان من المعونات والمساعدات الأمريكية.
وقد اختارت الهند طريق التعاون مع أمريكا وبالفعل قبلت بكل الشروط الأمريكية فأقامت العلاقات مع إسرائيل وأرسلت قواتها للمشاركة ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وانخرطت في علاقات تعاون أمني – استخباري مع أمريكا وإسرائيل لجهة القيام بتبادل المعلومات والخبرات في ملف الحرب ضد الإرهاب.
ترتبط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية وعندما يختل توازن إحداهما فإنه سيؤثر على توازن الأخرى، وحالياً، يمكن القول بأن انخراط الهند في التعاون مع محور واشنطن – تل أبيب سيقود إلى اختلال توازن السياسية الخارجية الهندية وهذا الاختلال سيقود بالضرورة إلى اختلال السياسة الخارجية الهندية طالما أن الرأي العام الإسلامي الهندي لن يقبل بتعاون بلاده مع إسرائيل والولايات المتحدة وسيؤدي التصعيد إلى تنشيط الحركات الأصولية الإسلامية الهندية مثل جماعة "عسكر طيبة" وغيرها، الأمر الذي سيؤدي إلى إثارة الحركات الهندوسية الأصولية.
زيارة الرئيس الأسد للهند الأسبوع الماضي ليست مجرد زيارة دبلوماسية وإنما تمثل "إشارة" دبلوماسية يتوجب على القيادة الهندية التقاطها وقراءة رموزها وذلك لأن خيار التعاون العربي – الهندي هو السبيل الرئيسي لتحقيق التوازن الهندي الداخلي، ولن يتحقق هذا التعاون إلا إذا تعاونت السياسة الخارجية الهندية وركزت على تعزيز المصالح الهندية بدلاً عن مصالح محور تل أبيب – واشنطن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد