إدارة بوش والتسويق السياسي لملف زعماء عشائر الأنبار
الجمل: تناقلت إدارة بوش، وأجهزة إعلام جماعة المحافظين الجدد، المعلومات حول التعاون الذي تم بين شيوخ عشائر الأنبار بزعامة المرحوم الشيخ أبو ريشة، الذي تم اغتياله الأسبوع الماضي، وسلطات وقوات الاحتلال الأمريكي في عملية الحرب ضد تنظيم القاعدة، والجماعات السنية المتطرفة الناشطة في غرب العراق.
· سلطات الاحتلال الأمريكي وأسلوب الإدارة غير المباشرة:
في النصف الأول من القرن الماضي لجأت الامبراطورية البريطانية، على النقيض من رصيفتها الفرنسية، والاسبانية، والبرتغالية، والبلجيكية، إلى التخلي عن تطبيق أسلوب ونظام الإدارة المباشرة في الإشراف والسيطرة على مستعمراتها، ولجأت بريطانيا (التي كانت عظمى آنذاك) إلى استخدام أسلوب الإدارة غير المباشرة، والذي كان يهدف من جهة إلى استخدام قطاعات من السكان المحليين في عمليات الإشراف وفرق الأمن بالوكالة عن بريطانيا، ومن الجهة الأخرى إلى التفرقة بين الأطراف الوطنية وتقسيمهم ما بين متعاون (متعامل) مع الاستعمار البريطاني، ومقاوم رافض للاحتلال والاستعمار، وذلك على غرار سياسة (فرّق تسد) التي أرسى دعائمها البريطاني الملك جورج الخامس.
ليس غريباً أن تستعين سلطات الاحتلال الامريكي بخبرة سلطات الاحتلال البريطاني السابقة في العراق، وفي الخليج العربي، وذلك عن طريق محاولة تجميع بعض زعماء القبائل والعشائر وتقديم الدعم السياسي والمال والسلاح، وتوفير المبررات والذرائع (المقنعة) لهم لكي يقوم بالقتال ضد أبناء بلدهم، وعلى النحو الذي يضعف المقاومة للاحتلال.
· إدارة بوش والتسويق السياسي لملف زعماء عشائر الأنبار من أجل استمرار الاحتلال:
تقرير الجنرال بتراوس قائد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ركز على جهود وتعاون زعماء عشائر الأنبار مع القوات الأمريكية باعتبارها تمثل مؤشراً لقبول العراقيين للاحتلال العسكري الأمريكي لبلدهم، وطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي، وأيضاً بضرورة تعميم نموذج الأنبار على المناطق العراقية الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش المفاجئة لـ(محافظة الانبار) كانت تهدف إلى لفت انتباه الرأي العام الأمريكي للدور الهام الذي قام به الشيخ الراحل أبو ريشة وجماعته في دعم الوجود العسكري الأمريكي، وقد أصبحت محافظة الانبار واسم الشيخ أبو ريشة أكثر شهرة في أمريكا وذلك بفضل كثرة ما ورد من تكرار ترديد اسم الأنبار والشيخ أبو ريشة في أجهزة الإعلام الأمريكي المقروءة والمسموعة، ومواقع الأنترنت.
الخطوة التالية، والتي بدأت بالفعل في القيام بها سلطات الاحتلال الأمريكي هي البحث عن (أبو ريشة آخر) ولكن هذه المرة في جنوب العراق، وتقول المعلومات بأن الشيخ ماجد طاهر المقصوصي (زعيم قبيلة المقاصيص) الموجود في محافظة واسط الموجودة في جنوب العراق، سوف يعمل جنباً إلى جنب مع قوات الاحتلال الأمريكي في تجميع الشباب (الشيعي هذه المرة) وتكوين لواء يقوم الأمريكيون بتسليحه وتدريبه وتزويده بالعتاد وذلك من أجل القيام بـ:
- محاربة المتطرفين العراقيين الذين يعتدون على القوات الأمريكية وقوات التحالف ويرهبون المواطنين العراقيين.
- القيام بالدوريات الهادفة إلى فرض الرقابة على الحدود العراقية- الإيرانية، وذلك من أجل منع دخول الأسلحة والمسلحين من إيران إلى الحركات المسلحة التي تهدد القوات الامريكية وقوات التحالف وتروع المدنيين العراقيين.
وتقول المعلومات التي أوردها مراسل وكالة الأسوشيتيد برس بأن العقيد الامريكي بيتر بيكر قائد اللواء 214 الأمريكي الذي قام بتنفيذ عملية قاعدة دلتا بالقرب من مدينة الكوت العراقية في تموز الماضي، قد طالب (المتطوعين الجدد) في العراق بالعمل كـ(قوات شرطة مساعدة) لزعماء القبائل والعشائر في فرض السيطرة على المواطنين والسكان العراقيين الموجودين في المنطقة.
· نصف (الحقيقة)+ نصف (الكذبة) لا تساوي واحد صحيح:
الواقع الميداني للأزمة العراقية، والواقع الإعلامي للأزمة الأمريكية يشيران إلى الصفرين المكونين للشطر الأيمن من المعادلة:
فنصف الحقيقة يتمثل في أن:
تنظيم القاعدة موجود في العراق، ولكن ما هو كذبة يتمثل في الزعم والادعاء بأن تنظيم القاعدة هو الذي يقوم بكل عمليات المقاومة الجارية حالياً ضد قوات الاحتلال الأمريكي وقوات التحالف، وقوات المالكي، وبأن الـ20 مليون عراقي لا يشاركون في ذلك.
ونصف الكذبة يتمثل في أن:
القوات الأمريكية سوف تنسحب من العراق تدريجياً عندما يتحسن الأمن، وبأن الرئيس بوش قد وافق على سحب 5 آلاف جندي من العراق بحلول أعياد الكريسماس القادم.
وبين نصف الكذبة ونصف الحقيقة تكمن الحقيقة الكاملة في مواجهة الكذبة الكاملة، بحيث تتمثل الحقيقة في أن الشعب العراقي سوف يظل يقاوم الاحتلال الامريكي معتمداً على قدراته وإردته، دون وصاية من أحد، وذلك في مواجهة الكذبة التي جسدها تقرير بتراوس الذي قال بأن الوضع العراقي في حالة تحسن، وبأن استراتيجية زيادة القوات الامريكية قد بدأت نتائجها الإيجابية في الظهور، إضافة إلى مزاعم أخرى سردها تقرير الجنرال بتراوس أمام الكونغرس على النحو الذي دفع السيناتور الديمقراطي لانتوس إلى الملل والضيق، والوقوف أمام الكونغرس مخاطباً الجنرال بتراوس والسفير الأمريكي في بغداد (كروكر) قائلاً: لقد أرسلتكم الإدارة الأمريكية لكي تقولوا لنا بأن الوضع قد تحسن في العراق، ولكنني لا أصدقكم).
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد