إسرائيل تقرّ «يهودية» الدولة.. والتمييز ضد الفلسطينيين
أقرت الحكومة الإسرائيلية، أمس، بغالبية الثلثين مشروع «قانون القومية» المثير جداً للخلاف، والذي تعارضه أوساط سياسية وقانونية ترى فيه تكريساً للتمييز ضد فلسطينيي الـ48.
وفيما قال وزراء معارضون إن «آباء الصهيونية» مثل بن غوريون وبيغن ما كانوا ليقروا قانوناً كهذا، قال زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ إن القانون استفزازي، ويشبه عقد جلسة للحكومة الإسرائيلية في الحرم القدسي.
وشهدت جلسة الحكومة، أمس، نقاشاً عاصفاً بين المؤيدين والمعارضين، قبل إقرار مشروع قانون أولي، بغالبية 15 وزيراً ومعارضة سبعة وزراء.
ويعتقد أن مشروع القانون، الذي يضم مشروعي قانونين خاصين سبق لعضوين من الائتلاف الحكومي أن قدماهما إلى الكنيست وتعديلات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عليهما، سيعرض للتصويت بالقراءة العاجلة كمشروع قانون حكومي الأربعاء المقبل. ولذلك طالب زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد بمنح أعضاء الائتلاف حرية التصويت على المشروع في الكنيست، لكن نتنياهو رفض هذا الطلب، الأمر الذي يفتح باباً جديداً للصراع في الكنيست، سواء بتمرد البعض ضد التصويت أو بالتصويت ضد الحكومة مع ما يعنيه ذلك من أبعاد. فرفض حرية التصويت يعني إلزام الأحزاب المعارضة بالتصويت إلى جانب مشروع القانون، وتعريض أنفسهم لعقوبات إذا تمردوا على القرار، خصوصاً الوزراء الذين يمكن إقالتهم.
وفي النقاش نشب سجال حاد بين نتنياهو ووزيرة العدل تسيبي ليفني التي تعارض المشروع، والتي اتهمت نتنياهو بالسعي إلى إقالة وزراء، لأنه يعرف أن كتلتها ستصوت ضده. ورد رئيس الحكومة بأنه «لو أن وزيرة العدل تصرفت بشكل مغاير لما وصلنا إلى هذه الحالة»، في إشارة الى تأجيلها مناقشة مشروع القانون في اللجنة الوزارية التي ترأسها. ولم تسكت ليفني التي اتهمت نتنياهو بالتصعيد بسبب قانون آخر يتعلق بصحيفة «إسرائيل اليوم» المجانية الموالية له، والذي يقيد عمل تلك الصحيفة.
حينها تدخل الوزير يعقوب بيري قائلا إن شخصية نتنياهو مسؤولة، لكن «مشروع القانون هذا سيضر بشبكة العلاقات»، في إشارة إلى التوتر بين الفلسطينيين وفلسطينيي الـ48 واليهود في القدس وأماكن أخرى. لكن نتنياهو لم يسكت، وقال «لا يمكن السماح باستمرار تمكين العرب من السكن في كل الأماكن فيما لا يتمكن اليهود من السكن في الأحياء العربية. تنشأ هنا دولة داخل دولة».
وتدخلت ليفني متجهة إلى نتنياهو، قائلة «إذا كان كل هذا الهراء نكاية بي، فأنتم نجحتم. الآن سنراك تتكلم عن جوهر الأمر قبل أن تدمروا الدولة. خطابك هذا الصباح وكلماتك الجميلة عن وثيقة الاستقلال، عن جابوتينسكي وعن المساواة لا تغطي عورة قانون ألكين، الذي لا جامع بينه وبين خطابك». وتساءلت «هل بذريعة الوضع الأمني ستمرر موضوعاً بهذه الأهمية لدولة إسرائيل تغطية لصفقة حزبية؟ هل قانون القومية غطاء لألعوبة حزبية؟ إذا لم يكن كذلك تفضل بتأجيل النقاش إلى الأربعاء، وأدر معنا نقاشاً حقيقياً حول الفحوى قبل أن تدمروا الدولة».
وكان المبادران إلى تقديم مشروعي القانون زئيف ألكين وياريف لفين أول المباركين. وقال ألكين إن «الألاعيب ومحاولات أولئك الراكضين من أجل إقامة دولة فلسطينية، لكنهم ليسوا مستعدين لتعريف إسرائيل بأنها دولة قومية للشعب اليهودي، لن تجدي نفعاً، فالغالبية واضحة في الحكومة والشعب، وستصر على إقرار القانون وإدخاله في سفر القوانين».
واعتبر لفين هذه «خطوة ذات أهمية تاريخية لإعادة إسرائيل إلى جذورها الصهيونية، بعد سنوات من المساس المتواصل من جانب الجهاز القضائي بالمبادئ الأساسية التي نشأت عليها الدولة». وأضاف أن «القرار الديكتاتوري للبيد بإصدار تعليماته لأعضاء كتلته بالتصويت ضد القانون، بزعم أنه يمس بالديموقراطية، نكتة سيئة على حساب مستقبل دولة إسرائيل». وأكد أن الغاية من مشروع القانون هو ضمان تغيير صيغة تعريف الدولة من «يهودية وديموقراطية إلى يهودية ذات طابع ديموقراطي».
وكان وزير المالية يائير لبيد قد أعلن، قافزاً عن أكثر من مليون ونصف مليون من فلسطينيي الـ48 يعيشون في إسرائيل، أن «القانون يجعل 300 ألف روسي مواطنين من الدرجة الثانية». أما وزير التعليم من حزب لبيد، شاي بيرون فقال إن القانون يقسم الإسرائيليين إلى «قوميين وغير قوميين»، ودعا نتنياهو إلى «عدم إشعال حريق بين مؤيدي القانون». واعتبرت وزيرة الصحة من حزب لبيد أيضاً ياعل جيرمان أن إقرار القانون سيشكل «وصمة» على جبين الكنيست، وقالت «هذا مساس بأبنائنا، الراغبين في العيش في دولة ديموقراطية، مساس بيهود العالم، مساس بالدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. إنه إدخال إصبع في عيون عرب إسرائيل».
وكان نتنياهو قد استهل جلسة الحكومة بالإشارة إلى أنها «ستصوت على مشروع قانون فائق الأهمية، وهو تصويت على قيم تساوي اليهودية بالديموقراطية وتمنح حقوقاً متساوية لكل المواطنين، لكن الحقوق القومية محصورة فقط بالشعب اليهودي». وتحدث عن الاحتكاكات والتوترات داخل حكومته، مشيراً إلى أنه «لا يمكن بهذه الطريقة إدارة الدولة، إذ علينا التركيز على تعزيز الأمن في مواجهة موجات الإسلام المتطرف والخطر النووي الإيراني، وتعزيز اقتصاد إسرائيل وزيادة مكاسب مواطنيها».
وانتقدت أحزاب المعارضة بشدة إقرار مشروع القانون في الحكومة. وأعلن زعيم «حزب العمل» اسحق هرتسوغ أن «الانشغال بقانون القومية أشبه بعقد جلسة لحكومة نتنياهو في الحرم القدسي. وإثارة الأمر في وقت أمني وسياسي فائق الحساسية هو انعدام مسؤولية، ويمكن أن يزيد اللهيب اشتعالا في المنطقة. إذا كانت وثيقة الاستقلال جيدة بشكل كاف لنا حين كنا أقلية من 600 ألف نسمة فلماذا ليست جيدة لنتنياهو اليوم؟». وحمل بشدة على رئيس الحكومة، معلناً أن «إسرائيل بحاجة لقيادة أخرى متزنة وأكثر وثوقاً».
واعتبرت زعيمة «ميرتس» زهافا غالئون أن «قانون القومية ترفرف فوقه راية سوداء، وأن نتنياهو ورفاقه في الائتلاف شركاء في الجريمة ضد الديموقراطية الإسرائيلية، وسيكون مسؤولا عن أحد أشد اللطخات سواداً في سفر القوانين الإسرائيلية».
عموماً يؤمن كثيرون بأن اندفاع نتنياهو لتأييد «قانون القومية» يدخل في نطاق محاولاته كسب رضى اليمين عنه لنيل ترشيح آخر لرئاسة الحكومة وزعامة اليمين في الانتخابات المقبلة. ويرى آخرون أن هذه طريقة نتنياهو في استفزاز شركائه الائتلافيين، بقصد دفعهم إلى الاستقالة أو الخنوع أو الذهاب إلى انتخابات جديدة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد